Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 37-37)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ربنا إِني أسكنت من ذريتي } في « مِنْ » قولان . أحدهما : أنها للتبعيض ، قاله الأخفش ، والفراء . والثاني : أنها للتوكيد ، والمعنى : أسكنت ذريتي ، ذكره ابن الأنباري . قوله تعالى : { بوادٍ غير ذي زرع } يعني : مكة ، ولم يكن فيها حرث ولا ماء . عند { بيتك المحرَّم } إِنما سمي محرَّماً ، لأنه يحرم استحلال حرماته والاستخفاف بحقه . فإن قيل : ما وجه قوله : { عند بيتك المحرَّم } ولم يكن هناك بيت حينئذ ، إِنما بناه إِبراهيم بعد ذلك بمُدَّة ؟ فالجواب من ثلاثة وجوه . أحدها : أن الله تعالى حرَّم موضع البيت منذ خلق السموات والأرض ، قاله ابن السائب . والثاني : عند بيتك الذي كان قبل أن يُرفَع أيام الطوفان . والثالث : عند بيتك الذي قد جرى في سابق علمك أنه يحدث هاهنا ، ذكرهما ابن جرير . وكان أبو سليمان الدمشقي يقول : ظاهر الكلام يدل على أن هذا الدعاء إِنما كان بعد أن بُني البيت وصارت مكة بلداً . والمفسرون على خلاف ما قال . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن إِبراهيم خرج من الشام ومعه ابنه إِسماعيل وأمّه هاجر ومعه جبريل حتى قدم مكة وبها ناس يقال لهم : العماليق ، خارجاً من مكة ، والبيت يومئذ ربوة حمراء ، فقال إِبراهيم لجبريل : أهاهنا أُمرتُ أن أضعهما ؟ قال : نعم ؛ فأنزلهما في مكانٍ من الحِجر ، وأمر هاجر أن تتخذ فيه عريشاً ، ثم قال : { ربنا إِني أسكنت من ذريتي … } الآية . وفتح أهل الحجاز ، وأبو عمرو ياء « إِنيَ أسكنت » . قوله تعالى : { ربنا ليُقيموا الصلاة } في متعلَّق هذه اللام قولان : أحدهما : أنها تتعلق بقوله : { واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام } ، فالمعنى : جنَبهم الأصنام ليُقيموا الصلاة ، هذا قول مقاتل . والثاني : أنها تتعلق بقوله : { أسكنت } ، فالمعنى : أسكنتُهم عند بيتك ليُقيموا الصلاة ، لأن البيت قِبلة الصلوات ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { فاجعل أفئدة من الناس } أي : قلوب جماعة من الناس . قال ابن الأنباري : وإِنما عبَّر عن القلوب بالأفئدة ، لقُرب القلب من الفؤاد ومجاورته ، قال امرؤ القيس : @ رَمَتْني بَسَهْمٍ أَصَابَ الفُؤَادَ غَدَاةَ الرَّحِيلِ فَلَمْ أَنْتَصِر @@ وقال آخر : @ كَأَنَّ فُؤادِي كُلمَّا مَرَّ رَاكِبٌ جَنَاحُ غُرَابٍ رَامَ نَهْضَاً إِلى وِكْرِ @@ وقال آخر : @ وإِنَّ فُؤَادَاً قَادَني لِصَبَابَةٍ إِلَيْكِ عَلَى طُوْلِ الهَوى لَصَبُورُ @@ يعنون بالفؤاد : القلب . قوله تعالى : { تهوي إِليهم } قال ابن عباس : تَحِنُّ إِليهم . وقال قتادة : تنزع إِليهم وقال الفراء : تريدهم ، كما تقول : رأيت فلاناً يَهوي نحوك ، أي : يريدك . وقرأ بعضهم : « تهوَى إِليهم » بمعنى : تهواهم ، كقوله : { ردفَ لكم } [ النمل 72 ] أي : ردفكم . « وإِلى » توكيد للكلام . وقال ابن الأنباري : « تَهوي إِليهم » : تنحط إِليهم وتنحدر . وفي معنى هذا المَيل قولان : أحدهما : أنه المَيل إِلى الحج ، قاله الأكثرون . والثاني : أنه حُبُّ سُكنى مكة ، رواه عطية عن ابن عباس . وروى سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال : لو كان إِبراهيم قال : فاجعل أفئدة الناس تهوي إِليهم ، لحجَّه اليهود والنصارى ، ولكنه قال : من الناس .