Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 15, Ayat: 16-18)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ولقد جعلنا في السماء بروجاً } في البروج ثلاثة أقوال : أحدها : أنها بروج الشمس والقمر ، أي : منازلهما ، قاله ابن عباس ، وأبوعبيدة في آخرين . قال ابن قتيبة : وأسماؤها : الحَمَل ، والثَّور ، والجَوْزاء ، والسَّرَطان ، والأسد ، والسُّنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجَدْي ، والدلو ، والحوت . والثاني : أنها قصور ، روي عن ابن عباس أيضاً . وقال عطية : هي قصور في السماء فيها الحرس . وقال ابن قتيبة : أصل البروج : الحصون . والثالث : أنها الكواكب ، قاله مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل . قال أبو صالح : هي النجوم العِظام . قال قتادة : سُميت بروجاً ، لظهورها . قوله تعالى : { وزيَّنَّاها } أي : حسَّنّاها بالكواكب . وفي المراد بالناظرين قولان . أحدهما : أنهم المبصرون . والثاني : المعتبِرون . قوله تعالى : { وحفِظناها من كل شيطان رجيم } أي : حفِظناها أن يصل إِليها شيطان أو يعلم من أمرها شيئاً إِلا استراقاً ، ثم يتبعه الشهاب . والرجيم مشروح في [ آل عمران : 36 ] . واختلف العلماء : هل كانت الشياطين تُرمى بالنجوم قبل مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم ، أم لا ؟ على قولين : أحدهما : أنها لم تُرْمَ حتى بُعث صلى الله عليه وسلم ، وهذا المعنى : مذكور في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس . وقد أخرج في « الصحيحين » من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إِلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، وأُرسلت عليهم الشهب » ، وظاهر هذا الحديث أنها لم تكن قبل ذلك . قال الزجاج : ويدل على أنها إِنما كانت بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن شعراء العرب الذين يمثِّلون بالبرق والأشياء المسرعة ، لم يوجد في أشعارها ذِكر الكواكب المنقضَّة ، فلما حدثت بعد مولد نبينا صلى الله عليه وسلم ، استعملت الشعراء ذِكرها ، فقال ذو الرُّمَّة : @ كأنَّه كوكبٌ في إِثْرِ عِفْرِيَةٍ مُسَوَّم في سوادِ الليل مُنْقَضِبُ @@ والثاني : أنه قد كان ذلك قبل نبينا صلى الله عليه وسلم ، فروى مسلم في « صحيحه » من حديث علي بن الحسين عن ابن عباس قال : " بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه ، إِذ رمي بنجم ، فاستنار ، فقال : « ما كنتم تقولون إِذا كان مثل هذا في الجاهلية » ؟ قالوا كنا نقول : يموت عظيم ، أو يولد عظيم ، قال : « فإنها لا يُرمى بها لموت أحد ولا لحياته ، ولكنْ ربُّنا إِذا قضى أمراً ، سبَّح حملة العرش ، ثم سبَّح أهل السماء الذين يلونهم ، حتى يبلغ التسبيح أهلَ هذه السماء ، ثم يستخبر أهل السماء السابعة حملةَ العرش : ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ، ثم يستخبر أهلُ كل سماءٍ أهلَ سماءٍ ، حتى ينتهي الخبر إِلى هذه السماء ، وتخطف الجن ويُرمَون ، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يقرِفون فيه ويزيدون » " وروي عن ابن عباس أن الشاطين كانت لا تُحجب عن السموات ، فلما وُلد عيسى ، مُنعتْ من ثلاث سموات ، فلما وُلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مُنعوا من السموات كلِّها . وقال الزهري : قد كان يرمى بالنجوم قبل مبعث رسول الله ، ولكنها غُلِّظت حين بُعث صلى الله عليه وسلم ، وهذا مذهب ابن قتيبة ، قال : وعلى هذا وجدنا الشعر القديم ، قال بشر بن أبي خازم ، وهو جاهلي : @ والعَيْرُ يَرْهَقُها الغُبارُ وجَحْشُها يَنْقَضُّ خلفهما انقضاضَ الكوكبِ @@ وقال أوس بن حَجَر ، وهو جاهلي : @ فانقض كالدِّرِّيء يتبعه نقع يثور تخالهُ طُنُبا @@ قوله تعالى : { إلا من استرق السمع } أي : اختطف ما سمعه من كلام الملائكة . قال ابن فارس : استرق السمع : إِذا سمع مستخفياً . { فأتبعه } أي : لحقه { شهاب مبين } قال ابن قتيبة : كوكب مضيء . وقيل : « مبين » بمعنى : ظاهر يراه أهل الأرض . وإِنما يسترق الشيطان ما يكون من أخبار الأرض ، فأما وحي الله عز وجل ، فقد صانه عنهم . واختلفوا ، هل يَقتل الشهاب ، أم لا ؟ على قولين : أحدهما : أنه يُحرق ويخبِّل ولا يقتُل ، قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني : أنه يقتُل ، قاله الحسن . فعلى هذا القول ، هل يُقتَل الشيطان قبل أن يخبِر بما سمع ، فيه قولان : أحدهما : أنه يُقْتَل قبل ذلك ، فعلى هذا ، لاتصل أخبار السماء إِلى غير الأنبياء . قال ابن عباس : ولذلك انقطعت الكِهانة . والثاني : أنه يُقتَل بعد إِلقائه ما سمع إِلى غيره من الجن ، ولذلك يعودون إِلى الاستراق ، ولو لم يصِل ، لقطعوا الاستراق .