Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 126-128)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وإِن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } في سبب نزولها قولان : أحدهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف على حمزة ، فرآه صريعاً ، فلم ير شيئاً كان أوجع لقلبه منه ، فقال : « والله لأمثلن بسبعين منهم » ، فنزل جبريل ، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف ، بقوله : { وإِن عاقبتم … } إِلى آخرها ، فصبر رسول الله وكفَّر عن يمينه ، قاله أبو هريرة . وقال ابن عباس : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة قد شُق بطنه ، وجُدِعت أذناه ، فقال : « لولا أن تحزن النساء ؛ أو تكون سنَّة بعدي لتركته حتَّى يبعثه الله من بطون السباع والطير ، ولأقتلنَّ مكانه سبعين رجلا منهم » ، فنزل قوله : { ادع إِلى سبيل ربك } إِلى قوله : { وما صبرك إِلا بالله } . وروى الضحاك عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال يومئذٍ : « لَئِن ظفرتُ بقاتل حمزة لأمثلنَّ به مثلة تتحدث بها العرب » ، وكانت هند وآخرون معها قد مثّلوا به ، فنزلت هذه الآية . والثاني : أنه أصيب من الأنصار يوم أُحدٍ أربعة وستون ، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة ، ومثَّلوا بقتلاهم ، فقالت الأنصار : لَئِن أصبنا منهم يوماً من الدهر ، لنزيدنَّ على عِدَّتهم مرتين ، فنزلت هذه الآية ، قاله أُبيُّ بن كعب . وروى أبو صالح عن ابن عباس أن المسلمين قالوا : لَئِن أمكننا الله منهم ، لنمثِّلنَّ بالأحياء فضلا عن الأموات ، فنزلت هذه الآية . يقول : إِن كنتم فاعلين ، فمثِّلوا بالأموات ، كما مثَّلوا بأمواتكم . قال ابن الأنباري : وإِنما سمى فعل المشركين معاقبةً وهم ابتدؤوا بالمثلة ، ليزدوج اللفظان ، فيخف على اللسان ، كقوله : { وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها } [ الشورى : 40 ] . فصل واختلف العلماء ، هل هذه [ الآية ] منسوخة ، أم لا ؟ على قولين : أحدهما : أنها نزلت قبل { براءة } فأُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل من قاتله ، ولا يبدأ بالقتال ، ثم نُسخ ذلك ، وأُمر بالجهاد ، قاله ابن عباس ، والضحاك ، فعلى هذا يكون المعنى : { ولئن صبرتم } عن القتال ، ثم نسخ هذا بقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] . والثاني : أنها محكمة ، وإِنما نزلت فيمن ظُلِم ظُلامة ، فلا يحلُّ له أن ينال من ظالمه أكثر مما ناله الظالم منه ، قاله مجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، وابن سيرين ، والثوري ، وعلى هذا يكون المعنى : ولئن صبرتم عن المثلة ، لا عن القتال . قوله تعالى : { واصبر وما صبرك إِلاَّ بالله } أي : بتوفيقه ومعونته . وهذا أمر بالعزيمة . وفي قوله : { ولا تحزن عليهم } قولان : أحدهما على كفار مكة إِن لم يُسلموا ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : ولا تحزن على قتلى أُحُد ، فانهم أفضَوا إِلى رحمة الله ، ذكره علي بن أحمد النيسابوري . قوله تعالى : { ولا تك في ضَيق } قرأ الأكثرون بنصب الضاد ، وقرأ ابن كثير : « في ضِيق » بكسر الضاد هاهنا وفي [ النمل : 70 ] . قال الفراء : الضَيق بفتح الضاد : ما ضاق عنه صدرك ، والضيّق : ما يكون في الذي يضيق ويتسع ، مثل الدار والثوب وأشباه ذلك . وقال ابن قتيبة : الضَّيْق : تخفيف ضَيِّق ، مثل : هَيْن ولَيْن ، وهو ، إِذا كان على هذا التأويل : صفة ، كأنه قال : لا تك في أمر ضَيِّقٍ من مكرهم . قال : ويقال : مكان ضَيْق وضِيق ، بمعنى واحد ، كما يقال : رَطْلٌ ورِطْلٌ ، وهذا أعجب إِليَّ . فأما مكرهم المذكور هاهنا ، فقال أبوصالح عن ابن عباس : فعلهم وعملهم . قوله تعالى : { إِن الله مع الذين اتَّقَوا } ما نهاهم عنه ، وأحسنوا فيما أمرهم به ، بالعون والنصر .