Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 48-50)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يروا } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : « أولم يروا » بالياء ، وقرأ حمزة ، والكسائي : « تروا » بالتاء ، واختلف عن عاصم . قوله تعالى : { إِلى ما خلق الله من شيء } أراد من شيء له ظل ، من جبل ، أو شجر ، أو جسم قائم { يتفيَّأُ } قرأ الجماعة بالياء ، وقرأ أبو عمرو ، ويعقوب بالتاء { ظلالُه } وهو جمع ظل ، وإِنما جمع وهو مضاف إِلى واحد ، لأنه واحدٌ يُراد به الكثرة ، كقوله تعالى : { لتستووا على ظهوره } [ الزخرف : 13 ] قال ابن قتيبة : ومعنى يتفيَّأُ ظلاله : يدور ويرجع من جانب ، إِلى جانب ، والفيء : الرجوع ، ومنه قيل للظل بالعشيِّ : فيىءٌ ، لأنه فاء عن المغرب إِلى المشرق . قال المفسرون : إِذا طلعتْ الشمس وأنت متوجه إِلى القبلة ، كان الظل قُدَّامك ، فإذا ارتفعتْ كان عن يمينك ، فإذا كان بعد ذلك كان خلفك ، وإِذا دنتْ للغروب كان على يسارك ، وإِنما وحّد اليمين ، والمراد به : الجمع ، إيجازاً في اللفظ ، كقوله تعالى : { ويولُّون الدُّبُر } [ القمر : 45 ] ، ودلّت « الشمائل » على أن المراد به الجميع ، وقال الفراء : إِنما وحد اليمين ، وجمع الشمائل ، ولم يقل : الشمال ، لأن كل ذلك جائز في اللغة ، وأنشد : @ الوَارِدُوْنَ وَتَيْم في ذَرَىَ سَبَأٍ قد عضّ أعناقَهُم جِلْدُ الجوامِيْسِ @@ ولم يقل : جلود ، ومثله : @ كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُم تَعِيْشُوا فإنَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيْصُ @@ وإِنما جاز التوحيد ، لأن أكثر الكلام يواجَه به الواحد . وقال غيره : اليمين راجعة إِلى لفظٍ ما ، وهو واحد ، والشمائل راجعة إِلى المعنى . قوله تعالى : { سُجَّداً لله } قال ابن قتيبة : مستسلمة ، منقادة ، وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى : { وظلالهم بالغدو والآصال } [ الرعد : 15 ] . وفي قوله تعالى : { وهم داخرون } قولان : أحدهما : والكفار صاغرون . والثاني : وهذه الأشياء داخرة مجبولة على الطاعة . قال الأخفش : إِنما ذكر مَن ليس من الإِنس ، لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا الإِنس في الفعل . قوله تعالى : { ولله يسجد مافي السموات … } الآية . الساجدون على ضربين : أحدهما : مَن يعقل ، فسجوده عبادة . والثاني : مَن لا يعقل ، فسجوده بيان أثر الصَّنعة فيه ، والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق ، هذا قول جماعة من العلماء ، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر : @ بِجَيْشٍ تضِلُّ البُلْق في حَجَراتِهِ تَرىَ الأُكْمَ فيه سُجَّداً لِلْحَوافِرِ @@ قال ابن قتيبة : حَجَرَاتُهُ ، أي : جوانبه ، يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأُكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت . فأما الشمس والقمر والنجوم ، فألحقها جماعة بمن يعقل ، فقال أبو العالية : سجودها حقيقة ، ما منها غارب إِلاَّ خَرَّ ساجداً بين يدي الله عز وجل ، ثم لا ينصرف حتى يُؤذَن له ، ويشهد لقول أبي العالية ، حديث أبي ذر قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس ، فقال : " يا أبا ذر ! تدري أين ذهبت الشمس » قلت الله ورسوله أعلم ، قال : « فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربّها عز وجل ، فتستأذن في الرجوع ، فيؤذَن لها فكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جِئتِ ، فترجع إِلى مطلعها فذلك مستقرها " ، ثم قرأ : { والشَّمْسُ تَجْري لِمُسْتَقَرٍّ لها } [ يس : 38 ] أخرجه البخاري ومسلم . وأمّا النبات والشجر ، فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء . أحدها : أن يكون سجوداً لا نعلمه ، وهذا إِذا قلنا : إِن الله يُودِعه فهماً . والثاني : أنه تفيُّؤ ظلاله . والثالث : بيان الصنعة فيه . والرابع : الانقياد لما سُخِّر له . قوله تعالى : { والملائكة } إِنما أخرج الملائكة من الدوابّ ، لخروجهم بالأجنحة عن صفة الدبيب . وفي قوله : { وهم لا يستكبرون . يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون } قولان : أحدهما : أنه من صفة الملائكة خاصة ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . والثاني : أنه عامّ في جميع المذكورات ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وفي قوله : { من فوقهم } قولان ذكرهما ابن الأنباري . أحدهما : أنه ثناءٌ على الله تعالى ، وتعظيم لشأنه ، وتلخيصه : يخافون ربهم عالياً رفيعاً عظيماً . والثاني : أنه حال ، وتلخيصه : يخافون ربهم معظِّمين له عالِمين بعظيم سلطانه .