Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 23-25)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وقضى ربك } روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : أمَر ربك . ونقل عنه الضحاك أنه قال : إِنما هي « ووصى ربك » فالتصقت إِحدى الواوين بـ « الصاد » ، وكذلك قرأ أُبيُّ بن كعب ، وأبو المتوكل ، وسعيد بن جبير : « ووصى » ، وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإِجماع ، فلا يلتفت إِليه . وقرأ أبو عمران ، وعاصم الجحدري ، ومعاذ القارىء : « وقضاءُ ربك » بقاف وضاد بالمد والهمز والرفع وخفض اسم الرب . قال ابن الأنباري : هذا القضاء ليس من باب الحتم والوجوب ، لكنه من باب الأمر والفرض ، وأصل القضاء في اللغة : قطع الشيء باحكام وإِتقان ، قال الشاعر يرثي عمر : @ قَضَيْتُ أُمُوْراً ثُمَّ غَادَرْتَ بَعْدَهَا بَوائِقَ في أكْمَامِهَا لَمْ تُفَتَّقِ @@ أراد : قطعتَها محكِماً لها . قوله تعالى : { وبالوالدين إِحساناً } أي : وأمر بالوالدين إِحسانا ، وهو البِرُّ والإِكرام ، وقد ذكرنا هذا في [ البقرة : 83 ] . قوله تعالى : { إِما يبلغن } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : « يبلغنَّ » على التوحيد . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف : « يبلغانِّ » على التثنية . قال الفراء : جعلت « يبلغن » فعلاً لأحدهما وكرَّت عليهما « كلاهما » . ومن قرأ « يبلغانِّ » فإنه ثنَّى ، لأن الوالدين قد ذُكرا قبل هذا ، فصار الفعل على عددهما ، ثم قال : { أحدهما أو كلاهما } على الاستئناف ، كقوله : { فعموا وصموا } [ المائدة : 71 ] ثم استأنف فقال : { كثيرٌ منهم } . قوله تعالى : { فلا تقل لهما أفٍّ } قرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : « أُفٍ » بالكسر من غير تنوين . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، ويعقوب ، والمفضل : « أُفَّ » بالفتح من غير تنوين . وقرأ نافع ، وحفص عن عاصم : « أُفٍّ » بالكسر والتنوين . وقرأ أبو الجوزاء ، وابن يعمر : « أُفٌّ » بالرفع والتنوين وتشديد الفاء . وقرأ معاذ القارىء ، وعاصم ، الجحدري ، وحميد بن قيس : « أَفّاً » مثل « تعساً » . وقرأ أبو عمران الجوني ، وأبو السماك العدوي : « أُفُّ » بالرفع من غير تنوين مع تشديد الفاء ، وهي رواية الأصمعي عن أبي عمرو . وقرأ عكرمة ، وأبو المتوكل ، وأبو رجاء ، وأبو الجوزاء : « أُفْ » باسكان الفاء وتخفيفها ؛ قال الأخفش : وهذا لأن بعض العرب يقول : أفْ لك ، على الحكاية ، والرفع قبيح ، لأنه لم يجيء بعده لام . وقرأ أبو العالية ، وأبو حصين الأسدي : « أُفِّي » بتشديد الفاء وبياء . وروى ابن الأنباري أن بعضهم قرأها : « إِفِ » بكسر الهمزة . وقال الزجاج : فيها سبع لغات ، الكسر بلا تنوين ، وبتنوين ، والضم بلا تنوين ، وبتنوين ، والفتح بلا تنوين ، وبتنوين ، واللغة السابعة لا تجوز في القراءة : « أُفي » بالياء ، هكذا قال الزجاج . وقال ابن الأنباري : في « أُفٍّ » عشرة أوجه . « أُفَّ » لك ، بفتح الفاء ، و « أُفِّ » بكسرها ، « وأُفٍّ » ، و « أُفَّا » لك بالنصب والتنوين على مذهب الدعاء كما تقول : « وَيْلاً » للكافرين ، و « أُفٌّ » لك ، بالرفع والتنوين ، وهو رفع باللام ، كقوله تعالى : { ويل للمطففين } [ المطففون : 1 ] ، و « أفهٍ » لك ، بالخفض والتنوين ، تشبيهاً بالأصوات ، كقولك : « صهٍ » و « مهٍ » ، و « أفهاً » لك ، على مذهب الدعاء أيضاً ، و « أُفّي » لك ، على الإِضافة إِلى النفس ، و « أُفْ » لك ، بسكون الفاء ، تشبيهاً بالأدوات ، مثل : « كم » و « هل » و « بل » ، و « إِفْ » لك ، بكسر الألف . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال : وتقول : « أُفِ » منه ، و « أُفَ » ، و « أُفُ » ، و « أُفٍ » ، و « أُفاً » ، و « أفٌ » ، و « أُفّي » مضاف ، و « أفهاً » ، و « أفاً » بالألف ، ولا تقل : « أُفي » بالياء فانه خطأٌ . فأما معنى « أف » ففيه خمسة أقوال . أحدها : أنه وسخ الظفر ، قاله الخليل . والثاني : وسخ الأذن ، قاله الأصمعي . والثالث : قلامة الظفر ، قاله ثعلب . والرابع : أن « الأف » الاحتقار والاستصغار ، من « الأَفف » ، والأَفف عند العرب : القِلَّة ، ذكره ابن الأنباري . والخامس : أن « الأُفَّ » ما رفعته من الأرض من عود أو قصبة ، حكاه ابن فارس اللغوي . وقرأت على شيخنا أبي منصور قال : معنى « الأف » : النَّتَن ، والتضجر ، وأصلها : نفخك الشيء يسقط عليك من تراب ورماد ، وللمكان تريد إِماطة الأذى عنه ، فقيلت لكل مستثقَل . قال المصنف : وأما قولهم : « تُف » ، فقد جعلها قوم بمعنى « أف » ، فروي عن أبي عبيد أنه قال : أصل « الأُفِّ » و « التُفِّ » : الوسخ على الأصابع إِذا فتلته . وحكى ابن الأنباري فرقاً ، فقال : قال اللغويون : أصل « الأُفِّ » في اللغة : وسخ الأذن ، و « التُّفّ » : وسخ الأظفار ، فاستعملتهما العرب فيما يكره ويستقذرُ ويُضجر منه . وحكى الزجاج فرقاً آخر ، فقال : قد قيل : إِن « أف » : وسخ الأظفار ، و « التف » : الشيء الحقير ، نحو وسخ الأذن ، أو الشظية تؤخذ من الأرض ، ومعنى « أُف » : النَّتْنُ ، ومعنى الآية : لا تقل لهما كلاماً تتبرَّم فيه بهما إِذا كَبِرَا وأسَنَّا ، فينبغي أن تتولَّى من خدمتهما مثل الذي توليا من القيام بشأنك وخدمتك ، { ولا تنهرهما } أي : لا تكلمهما ضَجِراً صائحاً في وجوههما . وقال عطاء بن أبي رباح : لا تنفض يدك عليهما ، يقال : نَهَرْتُهُ أنْهَرهُ نَهْراً ، وانتهَرْتُه انتهاراً ، بمعنى واحد . وقال ابن فارس : نهرتُ الرجُل وانتهرتُه ، مثل : زجرتُه . قال المفسرون : وإِنما نهى عن أذاهما في الكِبَر ، وإِن كان منهياً عنه على كلِّ حالة ، لأن حالة الكِبَر يظهر فيها منهما ما يُضجِر ويؤذي ، وتكثر خدمتهما . قوله تعالى : { وقل لهما قولاً كريماً } أي : ليِّناً لطيفاً أحسن ما تجد . وقال سعيد بن المسيّب : قولَ العبد المذنِب للسَّيد الفظّ . قوله تعالى : { واخفض لهما جناح الذل من الرحمة } أي : ألِنْ لهما جانبك متذللاً لهما من رحمتك إِياهما . وخفضُ الجَناح قد شرحناه في [ الحجر : 88 ] . قال عطاء : جناحك : يداك ، فلا ترفعهما على والديك . والجمهور يضمون الذال من « الذُّلّ » . وقرأ أبو رزين ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وعاصم الجحدري ، وابن أبي عبلة : بكسر الذال . قال الفراء : الذِّل : أن تتذلَّلَ لهما ، من الذِّل ، والذُّل : أن تتذلل ولست بذليل في الخدمة ، والُّذل والذلة : مصدر الذليل ، والذِّل ، بالكسر : مصدر الذَّلول ، مثل الدابة والأرض . قال ابن الأنباري : من قرأ « الذّل » ، بكسر الذال ، جعله بمعنى الذُّل ، بضم الذال ، والذي عليه كُبَراء أهل اللغة أن الذُّل من الرجل : الذليل ، والذِّل من الدابة : الذَّلول . قوله تعالى : { وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً } أي : مثل رحمتهما إِياي في صغري حتى ربياني . وقد ذهب قوم إِلى أن هذا الدعاء المطلق نُسخ منه الدعاء لأهل الشرك بقوله تعالى : { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } [ التوبة : 113 ] ، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، ومقاتل . قال المصنف : ولا أرى هذا نسخاً عند الفقهاء ، لأنه عامّ دخله التخصيص ، وقد ذَكَرَ قريباً مما قلتُه ابن جرير . قوله تعالى : { ربكم أعلم بما في نفوسكم } أي : بما تُضمرون من اْلبِرِّ والعقوق ، فمن بدرت منه بادرة وهو لا يُضمِر العقوق ، غفر له ذلك ، وهو قوله : { إِن تكونوا صالحين } أي : طائعين لله ، [ وقيل ] بارِّين ، وقيل : توَّابين ، { فإنه كان للأوابين غفوراً } في الأوّاب عشرة أقوال : أحدها : أنه المسلِم ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أنه التواب ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وأبو عبيدة . وقال ابن قتيبة : هو التائبُ مَرَّة بعد مَرَّة . وقال الزجاج : هو التوَّاب المُقْلِع عن جميع ما نهاه الله عنه ، يقال : قد آب يؤوب أَوْباً : إِذا رجع . والثالث : أنه المسبِّح ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والرابع : أنه المطيع لله تعالى ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . والخامس : أنه الذي يَذْكر ذَنْبه في الخلاء ، فيستغفر اللهَ منه ، قاله عُبيد بن عُمير . والسادس : أنه المُقْبل إلى الله تعالى بقلبه وعمله ، قاله الحسن . والسابع : المصلِّي ، قاله قتادة . والثامن : هو الذي يصلِّي بين المغرب والعشاء ، قاله ابن المنكدِر . والتاسع : الذي يصلّي صلاة الضُّحى ، قاله عَون العُقيلي . والعاشر : أنه الذي يُذْنِب سِرّاً ويتوب سِرّاً ، قاله السُّدِّي .