Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 78-81)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أقم الصلاة } أي : أَدِّها { لِدُلوك الشمس } أي : عند دُلوكها . وذكر ابن الأنباري في « اللام » قولين . أحدهما : أنها بمعنى « في » . والثاني : أنها مؤكِّدة ، كقوله : { رَدِفَ لكم } [ النمل : 72 ] . وقال أبو عبيدة : دُلوكها : من عند زوالها إِلى أن تغيب . وقال الزجاج : مَيْلها وقتَ الظهيرة دُلوك ، ومَيْلها للغروب دُلوك . وقال الأزهري : معنى « الدُّلوك » في كلام العرب : الزوال ، ولذلك قيل للشمس إِذا زالت نصف النهار : دالكة ، وإِذا أفلت : دالكة ، لأنها في الحالين زائلة . وللمفسرين في المراد بالدُّلوك هاهنا قولان . أحدهما : أنه زوالها نصف النهار . " روى جابر بن عبد الله قال : دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شاء من أصحابه ، فطعِموا عندي ، ثم خرجوا حين زالت الشمس ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : « اخرج يا أبا بكر فهذا حين دلكت الشمس » " ؛ وهذا قول ابن عمر ، وأبي برزة ، وأبي هريرة ، والحسن ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعطاء ، وعبيد بن عمير ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، وهو اختيار الأزهري . قال الأزهري : لتكون الآية جامعة للصلوات الخمس ، فيكون المعنى : أقم الصلاة من وقت زوال الشمس إِلى غسق الليل ، فيدخل فيها الأولى ، والعصر ، وصلاتا غسق الليل ، وهما العشاءان ، ثم قال : { وقرآن الفجر } ، فهذه خمس صلوات . والثاني : أنه غروبها ، قاله ابن مسعود ، والنخعي ، وابن زيد ، وعن ابن عباس كالقولين ، قال الفراء : ورأيت العرب تذهب في الدُّلوك إِلى غيبوبة الشمس ، وهذا اختيار ابن قتيبة ، قال : لأن العرب تقول : دَلَكَ النجم : إِذا غاب ؛ قال ذو الرمة : @ مَصَابِيْحُ لَيْسَتْ باللّواتي تَقُوْدُهَا نُجُومٌ وَلاَ بالآفلاتِ الدَّوالِكِ @@ وتقول في الشمس : دلكتْ بَرَاحِ ، يريدون : غربت ، والناظر قد وضع كفَّه على حاجبه ينظر إِليها ، قال الشاعر : @ والشَّمْسُ قَدْ كادَتْ تَكُونُ دَنَفَا أدْفَعُها بالرَّاحِ كَيْ تَزَحْلَفَا @@ فشبهها بالمريض [ في ] الدَّنَف ، لأنها قد همَّت بالغروب كما قارب الدَّنِف الموت ، وإِنما ينظر إِليها من تحت الكف ليعلم كم بقي لها إِلى أن تغيب ، ويتوقى الشعاع بكفِّه . فعلى هذا ، المراد بهذه الصلاة : المغرب . فأما غسق الليل ، فظلامُه . وفي المراد بالصلاة المتعلقة بغسق الليل ثلاثة أقوال . أحدها : العشاء ، قاله ابن مسعود . والثاني : المغرب ، قاله ابن عباس . قال القاضي أبو يعلى : فيحتمل أن يكون المراد بيانَ وقت المغرب ، أنه من غروب الشمس إِلى غسق الليل . والثالث : المغرب والعشاء ، قاله الحسن . قوله تعالى : { وقرآنَ الفجر } المعنى : وأقم قراءة الفجر . قال المفسرون : المراد به : صلاة الفجر . قال الزجاج : وفي هذا فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إِلا بقراءة ، حين سمِّيت الصلاة قرآناً . قوله تعالى : { إِن قرآن الفجر كان مشهوداً } روى أَبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تشهده ملائكة الليل ، وملائكة النهار " . قوله تعالى : { ومن الليل فتهجَّد به } قال ابن عباس : فَصَلَِّ بالقرآن . قال مجاهد ، وعلقمة ، والأسود : التهجُّد بعد النوم . قال ابن قتيبة : تهجَّدت : سَهِرت ، وهَجَدت : نِمْت . وقال ابن الأنباري : التهجُّد هاهنا بمعنى : التيقُّظ والسَّهَر ، واللغويون يقولون : هو من حروف الأضداد ؛ يقال للنائم : هاجِد ومتهجِّد ، وكذلك للساهر ، قال النابغة : @ وَلَو انَّها عَرَضَتْ لأشْمَطَ رَاهِبٍ عَبَد الإِلهَ صَرُوْرَةٍ مُتَهَجِّدِ لَرَنَا لِبَهْجَتِهَا وَحُسْنِ حَدِيْثِهَا وَلَخَالَهُ رَشَداً وَإِنْ لَمْ يَرْشُدِ @@ يعني بالمتهجد : الساهر ، وقال لبيد : @ قَال هَجِدْنَا فَقَد طَالَ السُّرَى [ وقَدَرْنا إِن خَنَا الدَّهْرِ غَفَلْ @@ أي : نَوِّمْنا . وقال الأزهري : المتهجِّد : القائم إِلى الصلاة من النَّوم . وقيل له : متهجد ، لإِلقائه الهُجُود عن نفسه ، كما يقال : تَحَرَّج وتأثَّم . قوله تعالى : { نافلةً لك } النافلة في اللغة : ما كان زائداً على الأصل . وفي معنى هذه الزيادة في حقه قولان . أحدهما : أنها زائدة فيما فُرِض عليه ، فيكون المعنى : فريضة عليك ، وكان قد فرض عليه قيام الليل ، هذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير . والثاني : أنها زائدة على الفرض ، وليست فرضاً ؛ فالمعنى : تطوعاً وفضيلة . قال أبو أُمامة ، والحسن ، ومجاهد : إِنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة . قال مجاهد : وذلك أنه قد غُفِرَ له ما تقدَّم من ذَنْبه وما تأخَّر ، فما زاد على فرضه فهو نافلة له وفضيلة ، وهو لغيره كفارة . وذكر بعض أهل العلم : أن صلاة الليل كانت فرضاً عليه في الابتداء ، ثم رخِّص له في تركها ، فصارت نافلة . وذكر ابن الأنباري في هذا قولين . أحدهما : يقارب ما قاله مجاهد ، فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا تنفَّل لا يقدر له أن يكون بذلك ماحياً للذنوب ، لأنه قد غُفر له ما تقدم من ذَنْبه وما تأخَّر ، وغيره إِذا تنفَّل كان راجياً ، ومقدّراً محو السيئات عنه بالتنفل ، فالنافلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة على الحاجة ، وهي لغيره مفتقَر إِليها ، ومأمول بها دفع المكروه . والثاني : أن النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته ، والمعنى : ومن الليل فتهجدوا به نافله لكم ، فخوطب النبي صلى الله عليه وسلم بخطاب أمته . قوله تعالى : { عسى أن يبعثكَ ربُّك } « عسى » من الله واجبه ، ومعنى « يبعثك » يقيمك { مقاماً محموداً } وهو الذي يحمَده لأجله جميع أهل الموقف . وفيه قولان . أحدهما : أنه الشفاعة للناس يوم القيامة ، قاله ابن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وابن عمر ، وسلمان الفارسي ، وجابر بن عبد الله ، والحسن ، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد . والثاني : يجلسه على العرش يوم القيامة . روى أبو وائل عن عبد الله أنه قرأ هذه الآية ، وقال : يُقعده على العرش ، وكذلك روى الضحاك عن ابن عباس ، وليث عن مجاهد . قوله تعالى : { وقل رب أدخلني مدخل صدق } وقرأ الحسن ، وعكرمة ، والضحاك ، وحميد بن قيس ، وقتادة ، وابن أبي عبلة بفتح الميم في « مَدخل » و « مَخرج » . قال الزجاج : المدخل ، بضم الميم : مصدر أدخلته مُدخلاً ، ومن قال : مَدخل صدق ، فهو على أدخلته ، فدخل مَدخل صدق ، وكذلك شرح « مَخرج » مثله . وللمفسرين في المراد بهذا المدخل والمخرج أحد عشر قولاً . أحدها : أدخلني المدينة مدخل صدق ، وأخرجني من مكة مخرج صدق . روى أبو ظبيان عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، ثم أمر بالهجرة ، فنزلت عليه هذه الآية . وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن في رواية سعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن زيد . والثاني : أدخلني القبر مُدخل صدق ، وأخرجني منه مُخرج صدق ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث : أدخلني المدينة ، وأخرجني إِلى مكة ، يعني : لفتحها ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والرابع : أدخلني مكة مدخل صدق ، وأخرجني منها مخرج صدق ، فخرج منها آمناً من المشركين ، ودخلها ظاهراً عليها يوم الفتح ، قاله الضحاك . والخامس : أدخلني مُدخل صدقٍ الجنةَ ، وأخرجني مخرج صدق من مكة إِلى المدينة ، رواه قتادة عن الحسن . والسادس : أدخِلني في النبوَّة والرسالة ، وأخرجني منها مخرج صدق ، قاله مجاهد ، يعني : أخرجني مما يجب عليَّ فيها . والسابع : أدخِلني في الإِسلام ، وأخرجني منه ، قاله أبو صالح ؛ يعني : من أداء ما وجب عليَّ فيه إِذا جاء الموت . والثامن : أدخِلني في طاعتك ، وأخرجني منها ، أي : سالماً غير مقصِّر في أدائها ، قاله عطاء . والتاسع : أدخِلني الغار ، وأخرجني منه ، قاله محمد بن المنكدر . والعاشر : أدخلني في الدِّين ، وأخرجني من الدنيا وأنا على الحق ، ذكره الزجاج . والحادي عشر : أدخلني مكة ، وأخرجني إِلى حُنَين ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . وأما إِضافة الصدق إِلى المُدخل والمُخرج ، فهو مدح لهما . وقد شرحنا هذا المعنى في سورة [ يونس : 2 ] . قوله تعالى : { واجعل لي من لدنك } أي : من عندك { سلطاناً } وفيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنه التسلُّط على الكافرين بالسيف ، وعلى المنافقين باقامة الحدود ، قاله الحسن . والثاني : أنه الحُجة البيِّنة ، قاله مجاهد . والثالث : المُلك العزيز الذي يُقهَر به العصاة ، قاله قتادة . وقال ابن الأنباري : وقوله : { نصيراً } يجوز أن يكون بمعنى مُنْصَراً ، ويصلح أن يكون تأويله ناصراً . قوله تعالى : { وقل جاء الحق وزَهَق الباطل } فيه أربعة أقوال . أحدها : أن الحق : الإِسلام ، والباطل : الشرك ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أن الحق : القرآن ، والباطل : الشيطان ، قاله قتادة . والثالث : أن الحق : الجهاد ، والباطل : الشرك ، قاله ابن جريج . والرابع : الحق : عبادة الله ، والباطل : عبادة الأصنام ، قاله مقاتل . ومعنى « زهق » : بَطَل واضمحلَّ . وكلُّ شيء هلك وبَطَل فقد زَهَق . وزَهَقت نفسُه : تلفت . وروى ابن مسعود أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنماً ، فجعل يطعنها ويقول : جاء الحق وزهق الباطل إِن الباطل كان زهوقاً . فإن قيل : كيف قلتم : إِنّ « زهق » بمعنى بَطَل ، والباطل موجود معمول عليه عند أهله ؟ فالجواب : أن المراد من بطلانه وهلكته : وضوح عيبه ، فيكون هالكاً عند المتدبِّر الناظر .