Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 73-77)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وإِن كادوا ليفتنونك } في سبب نزولها أربعة أقوال . أحدها : أن وفد ثَقيف أتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : متِّعنا باللات سَنة ، وحرِّمْ وادينا كما حرَّمْتَ مكة ، فأبى ذلك ، فأقبلوا يُكثرون مسألتهم ، وقالوا : إِنا نحب أن تعرِّف العرب فضلنا عليهم ، فإن خشيتَ أن يقول العرب : أعطيتهم مالم تعطنا ، فقل : الله أمرني بذلك ؛ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عنهم ] ، وداخلهم الطمع ، فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء عن ابن عباس . وروى عطية عن ابن عباس أنهم قالوا : أجِّلنا سنة ، ثم نُسلم ونكسر أصنامنا ، فهمَّ أن يؤجِّلهم ، فنزلت هذه الآية . والثاني : " أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لا نكفُّ عنك إِلا بأن تُلِمَّ بآلهتنا ، ولو بأطراف أصابعك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما علَيَّ لو فعلت والله يعلم إِني لَكاره » ؟ " فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير ، وهذا باطل لا يجوز أن يُظَنَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا ما ذكرنا عن عطية من أنه همَّ أن يُنْظِرهم سنة ، وكل ذلك مُحال في حَقِّه وفي حق الصحابة أنهم رَوَواْ عنه . والثالث : أن قريشاً خَلَواْ برسول الله ليلةً إِلى الصباح يكلِّمونه ويفخِّمونه ، ويقولون : أنت سيدنا وابن سيدنا ، وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون ، ثم عصمه الله من ذلك ، ونزلت هذه الآية ، قاله قتادة . والرابع : أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : اطرد عنك سُقَاط الناس ، ومواليهم ، وهؤلاء الذين رائحتهم رائحة الضأن ، وذلك أنهم كانوا يلبَسون الصوف ، حتى نجالسَك ونسمعَ منك ، فهمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ما يستدعي به إِسلامهم ، فنزلت هذه الآيات ، حكاه الزجاج ؛ قال : ومعنى الكلام : كادوا يفتنونك ، ودخلت « إِن » واللام للتوكيد . قال المفسرون : وإِنما قال : « لَيفتنونك » ، لأن في إِعطائهم ما سألوا مخالفةً لحكم القرآن . قوله تعالى : { لتفتريَ } أي : لتختلقَ { علينا غيرَه } وهو قولهم : قل الله أمرني بذلك ، { وإِذاً } لو فعلت ذلك { لاتخذوك خليلاً } أي : والَوْكَ وصافَوْكَ . قوله تعالى : { ولولا أن ثبَّتناك } على الحق ، لِعِصمتنا إِياك { لقد كدتَ تركَن إِليهم } أي : هممتَ وقاربتَ أن تَميل إِلى مرادهم { شيئاً قليلاً } قال ابن عباس : وذلك حين سكت عن جوابهم ، والله أعلم بنيَّته . وقال ابن الأنباري : الفعل في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الباطن للمشركين ، وتقديره : لقد كادوا يُركنونك إِليهم ، وينسبون إِليك ما يشتهونه مما تكرهه ، فنسب الفعل إِلى غير فاعله عند أمن اللَّبْس ، كما يقول الرجل للرجل : كدت تقتل نفسَك اليوم ، يريد : كدت تفعل فعلاً يقتلك غيرُك من أجله ؛ فهذا من المجاز والاتساع . وشبيه بهذا قولُه : { فلا تموتُنَّ إِلا وأنتم مسلمون } [ البقرة : 132 ] ، وقول القائل : لا أرينّكَ في هذا الموضع . قوله تعالى : { إِذاً لأذقناك } المعنى : لو فعلت ذلك الشيء القليل { لأذقناك ضعف الحياة } أي : ضِعف عذاب الحياة { وضِعف } عذاب { الممات } ، ومثله قول الشاعر : @ [ نُبِّئْتُ أنَّ النَّارَ بَعْدَكَ أُوقِدَتْ ] واسْتَبَّ بَعْدَكَ يا كُلَيْبُ المَجْلِسُ @@ أي : أهل المجلس . وقال ابن عباس : ضِعْفَ عذاب الدنيا والآخرة . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوماً ، ولكنه تخويف لأُمَّته ، لئلا يركن أحد من المؤمنين إِلى أحد من المشركين في شيء من أحكام الله وشرائعه . قوله تعالى : { وإِن كادوا ليَسْتَفِزُّونك من الأرض } في سبب نزولها قولان . أحدهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قَدِم المدينة ، حسدته اليهود على مُقامه بالمدينة ، وكرهوا قربه ، فأتَوه ، فقالوا : يا محمد أنبيٌ أنت ؟ قال : نعم ، قالوا : فوالله لقد علمتَ ما هذه بأرض الأنبياء ، وإن أرض الأنبياء الشام ، فان كنتَ نبياً فائت الشام ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقال سعيد بن جبير : همَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشخص عن المدينة ، فنزلت هذه الآية . وقال عبد الرحمن بن غَنْم : لمّا قالت له اليهود هذا : صدَّق ما قالوا ، وغزا غزوة تبوك لا يريد إِلا الشام ، فلما بلغ تبوكَ ، نزلت هذه الآية . والثاني : أنهم المشركون أهل مكة هَمُّوا باخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ، فأمره الله بالخروج ، وأنزل هذه الآية إِخباراً عما هَمُّوا به ، قاله الحسن ، ومجاهد . وقال قتادة : هم أهل مكة باخراجه من مكة ، ولو فعلوا ذلك ما نُوظِروا ، ولكنَّ الله كفَّهم عن إِخراجه حتى أمره بالخروج . وقيل : ما لبثوا بعد ذلك حتى بعث الله عليهم القتل ببدر . فعلى القول الأول ، المشار إِليهم : اليهود ، والأرض : المدينة . وعلى الثاني : هم المشركون ، والأرض : مكة . وقد ذكرنا معنى « الاستفزاز » آنفاً [ الاسراء : 64 ] ، وقيل : المراد به هاهنا : القتل ، ليخرجوه من الأرض كلِّها ؛ روي عن الحسن . قوله تعالى : { وإِذاً لا يَلْبَثون خَلفك } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم : « خلفك » . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : « خلافك » . قال الأخفش « خلافك » في معنى خلفك ، والمعنى : لا يلبثون بعد خروجك { إِلا قليلاً } أي : لو أخرجوك لاستأصلناهم بعد خروجك بقليل ، وقد جازاهم الله على ما همُّوا به ، فقتل صناديد المشركين ببدر ، وقتل من اليهود بني قريظة ، وأجلى النضير . وقال ابن الأنباري : معنى الكلام : لا يَلْبَثون على خِلافك ومخالفتك ، فسقط حرف الخفض . وقرأ أبو رزين ، وأبو المتوكل : « خُلاَّفُكَ » بضم الخاء ، وتشديد اللام ، ورفع الفاء . قوله تعالى : { سُنَّة مَنْ قد أَرسلْنا } قال الفراء : نصب السُّنَّة على العذاب المُضْمَر ، أي : يعذَّبوَن كسُنَّتنا فيمن أَرسلْنا . وقال الأخفش : المعنى : سَنّها سُنَّةً . وقال الزجاج : انتصب بمعنى « لا يلبثون » وتأويله : إِنّا سَنَنَّا هذه السُنَّة فيمن أَرسَلْنا قبلك أنهم إِذا أَخرجوا نبيَّهم أو قتلوه ، لم يلبث العذاب أن ينزل بهم .