Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 89-93)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ولقد صرَّفْنا للناس في هذا القرآن } قد فسَّرناه في هذه السورة [ الاسراء : 41 ] ، والمعنى : من كل مَثَل من الأمثال التي يكون بها الاعتبار { فأبى أكثر الناس } يعني أهل مكة { إِلا كُفوراً } أي : جحوداً للحق وإِنكاراً . قوله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجِّر لنا من الأرض يَنبوعا } سبب نزول هذه الآية وما يتبعها ، " أن رؤساء قريش ، كعُتبة ، وشيبة ، وأبي جهل ، وعبد الله بن أبي أُمية ، والنضر بن الحارث في آخرين ، اجتمعوا عند الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إِلى محمد فكلِّموه وخاصموه حتى تُعذَروا فيه ، فبعثوا إِليه : إِن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلِّموك ، فجاءهم سريعاً ، وكان حريصاً على رشدهم ، فقالوا : يا محمد ، إِنا والله لا نَعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء ، وعبت الدين ، وسفَّهت الأحلام ، وفرَّقت الجماعة ، فإن كنتَ إِنما جئتَ بهذا لتطلب مالاً ، جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً ، وإِن كنتَ إِنما تطلب الشرف فينا ، سوَّدناك علينا ، وإِن كان هذا الرَّئِيُّ الذي يأتيك قد غلب عليك ، بذلنا أموالنا في طلب الطِّب لك حتى نُبْرِئك منه ، أو نُعْذَر فيك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِن تقبلوا مِنِّي [ ما جئتكم به ] ، فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإِن تردُّوه عليَّ ، أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم » . قالوا : يا محمد ، فإن كنتَ غير قابل مِنّا ما عرضنا ، فقد علمتَ أنه ليس من الناس أحد أضيقَ بلاداً ولا أشد عيشاً منا ، سل لنا ربك يُسيِّر لنا هذه الجبال التي ضيِّقت علينا ، ويُجري لنا أنهاراً ، ويبعث من مضى من آبائنا ، ولْيكن فيمن يبعث لنا منهم قصيّ بن كلاب ، فإنه كان شيخاً صدوقاً ، فنسألهم عما تقول : أحق هو ؟ فإن فعلتَ صدَّقناك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما بهذا بُعثتُ ، وقد أبلغتكم ما أُرسلتُ به » ؛ قالوا : فَسَلْ ربَّك أن يبعثَ مَلَكاً يصدِّقك ، وسله أن يجعل لك جِناناً ، وكنوزاً ، وقصوراً من ذهب وفضة تغنيك ؛ قال : « ما أنا بالذي يسأل ربه هذا » ؛ قالوا : فأسقط السماء [ علينا ] كما زعمت بأن ربَّك إِن شاء فعل ؛ فقال : « ذلك إِلى الله عز وجل » ؛ فقال قائل منهم : لن نؤمن لك حتى تأتيَ بالله والملائكة قبيلاً ، وقال عبد الله بن أبي أُمية : لا أؤمن لك حتى تتخذ إِلى [ السماء ] سُلَّماً ، وترقى فيه وأنا أنظر ، وتأتي بنسخة منشورة معك ، ونفرٍ من الملائكة يشهدون لك ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حزيناً لِمَا رأى من مباعدتهم إِياه " ، فأنزل الله تعالى : { وقالوا لن نؤمن لك … } الآيات ، رواه عكرمة عن ابن عباس . قوله تعالى : { حتى تفجر } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : « حتى تُفَجِّرَ » بضم التاء ، وفتح الفاء ، وتشديد الجيم مع الكسرة . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : « حتى تَفْجُرَ » بفتح التاء ، وتسكين الفاء ، وضم الجيم مع التخفيف . فمن ثقَّل ، أراد كثرة الانفجار من الينبوع ، ومن خفَّف ، فلأن الينبوع واحد . فأما الينبوع : فهو عين ينبع الماء منها ؛ قال أبو عبيدة : هو يَفعول ، من نبع الماء ، أي : ظهر وفار . قوله تعالى : { أو تكونَ لك جَنَّة } أي : بستان { فتفجر الأنهار } أي : تفتحها وتجريها { خلالها } أي : وسط تلك الجنة . قوله تعالى : { أو تُسْقطَ السماء } وقرأ مجاهد ، وأبو مجلز ، وأبو رجاء ، وحميد ، والجحدري : « أو تَسقُط » بفتح التاء ، ورفع القاف « السماءُ » بالرفع . قوله تعالى : { كِسفاً } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : « كِسْفاً » بتسكين السين في جميع القرآن إِلا في [ الروم : 48 ] فإنهم حرَّكوا السين . وقرأ نافع ، وأبو بكر عن عاصم بتحريك السين في الموضعين ، وفي باقي القرآن بالتسكين . وقرأ ابن عامر هاهنا بفتح السين ، وفي باقي القرآن بتسكينها . قال الزجاج : من قرأ « كِسَفاً » بفتح السين ، جعلها جمع كِسفة ، وهي : القطعة ، ومن قرأ « كِسْفاً » بتسكين السين ، فكأنهم قالوا : أَسْقِطها طبقاً علينا ؛ واشتقاقه من كسفتُ الشيء : إِذا غطيَّته ، يعنون : أسقطها علينا قطعة واحدة . وقال ابن الأنباري : من سكَّن قال : تأويله : ستراً وتغطية ، من قولهم : قد انكسفت الشمس : إِذا غطاها ما يحول بين الناظرين إِليها وبين أنوارها . قوله تعالى : { أو تأتيَ بالله والملائكة قبيلاً } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : عياناً ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، وابن جريج ، ومقاتل . وقال أبو عبيدة : معناه : مقابلة ، أي : معاينة ، وأنشد للأعشى : @ نُصَالِحُكُمْ حَتَّى تَبُوؤُوا بِمِثْلِهَا كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسَّرَتْهَا قَبِيلُهَا @@ أي : قابِلَتُها . ويروى : وجَّهتْها [ يعني بدل : يسرتها ] . والثاني : كفيلاً أنك رسول الله ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفراء ، قال : القبيل ، والكفيل ، والزعيم ، سواء ؛ تقول : قبلت ، وكفلت ، وزعمت . والثالث : قبيلةً قبيلةً ، كل قبيلة على حِدَتها ، قاله الحسن ، ومجاهد . فأما الزخرف ، فالمراد به الذهب ، وقد شرحنا أصل هذه الكلمة في [ يونس : 24 ] ، و « ترقى » : بمعنى « تصعد » ؛ يقال : رَقِيتُ أرقَى رُقِيَّاً . قوله تعالى : { حتى تُنَزِّل علينا كتاباً } قال ابن عباس : كتاباً من رب العالمين إِلى فلان بن فلان يصبح عند كل واحد منا يقرؤه . قوله تعالى : { قل سبحان ربي } قرأ نافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : « قل » . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر : « قال » ، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة والشام ، { هل كنتُ إِلا بشراً رسولاً } ، أي : أن هذه الأشياء ليست في قوى البشر . فإن قيل : لِم اقتصر على حكاية « قالوا » من غير إِيضاح الرد ؟ فالجواب : أنه لما خصهم بقوله تعالى : { قل لئن اجتمعت الإِنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن } فلم يكن في وسعهم ، عجَّزهم ، فكأنه يقول : قد أوضحت لكم بما سبق من الآيات ما يدل على نبوَّتي ، ومن ذلك التحدِّي بمثل هذا القرآن ، فأما عَنَتُكم فليس في وسعي ، ولأنهم ألحُّوا عليه في هذه الأشياء ، ولم يسألوه أن يسألَ ربه ، فردَّ قولهم بكونه بشراً ، فكفى ذلك في الردِّ .