Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 92-98)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ثم أتبع سبباً } أي : طريقاً ثالثاً بين المَشْرِق والمَغْرِب { حتى إِذا بلغ بين السدين } قال وهب بن منبه : هما جبلان منيفان في السماء ، من ورائهما البحر ، ومن أمامهما البلدان ، وهما بمنقطَع أرض التُّرك مما يلي بلاد أرمينية . وروى عطاء الخراساني عن ابن عباس قال : الجبلان من قِبَل أرمينية وأذربيجان . واختلف القراء في « السدّين » فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم بفتح السين . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وحمزة ، والكسائي بضمها . وهل المعنى واحد ، أم لا ؟ فيه قولان . أحدها : أنه واحد . قال ابن الأعرابي : كل ما قابلك فسَدَّ ما وراءه ، فهو سَدٌّ ، وسُدٌّ ، نحو : الضَّعف والضُّعف ، والفَقر والفُقر . قال الكسائي ، وثعلب : السَّد والسُّد لغتان بمعنى واحد ، وهذا مذهب الزجاج . والثاني : أنهما يختلفان . وفي الفرق بينهما قولان . أحدهما : أن ما هو من فعل الله تعالى فهو مضموم ، وما هو من فعل الآدميين فهو مفتوح ، قاله ابن عباس ، وعكرمة ، وأبو عبيدة . قال الفراء : وعلى هذا رأيت المشيخة وأهل العلم من النحويين . والثاني : أن السَّد ، بفتح السين : الحاجز بين الشيئين ، والسُدُّ ، بضمها : الغشاوة في العَيْن ، قاله أبو عمرو بن العلاء . قوله تعالى : { وَجَد من دونهما } يعني : أمام السدين { قوماً لا يكادون يفقهون قولاً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر : « يَفْقَهُون قولاً » بفتح الياء ، أي : لا يكادون يفهمونه . قال ابن الأنباري : قال اللغويون : معناه أنهم يفهمون بعد إِبطاءٍ ، وهو كقوله : { وما كادوا يفعلون } [ البقرة : 71 ] . قال المفسرون : وإِنما كانوا كذلك لأنهم لا يعرفون غير لغتهم . وقرأ حمزة ، والكسائي : « يُفْقِهُون » بضم الياء ، أراد : يُفْهِمُون غيرهم . وقيل : كلَّم ذا القرنين عنهم مترجِمون ترجموا . قوله تعالى : { إِن يأجوج ومأجوج } هما : اسمان أعجميان ، وقد همزهما عاصم . قال الليث : الهمز لغة رديئة . قال ابن عباس : يأجوج رجل ، ومأجوج رجل ، وهما ابنا يافث بن نوح عليه السلام ، فيأجوج ومأجوج عشرة أجزاء ، وولد آدم كلُّهم جزء ، وهم شِبْر وشِبْران وثلاثة أشبار . وقال عليّ عليه السلام : منهم مَنْ طوله شِبْر ، ومنهم من هو مُفْرِط في الطُّول ، ولهم من الشَّعر ما يواريهم من الحَرِّ والبَرْد . وقال الضحاك : هم جيل من التُّرك . وقال السدي : التُرك سريّة من يأجوج ومأجوج خرجت تُغِير ، فجاء ذو القرنين فضرب السَّد ، فبقيت خارجه . وروى شقيق عن حذيفة ، قال : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يأجوج ومأجوج ، فقال : « يأجوج أُمَّة ، ومأجوج أُمَّة ، كل أُمَّة أربعمائة [ ألف ] أُمَّة ، لا يموت الرجُل منهم حتى ينظر إِلى ألف ذَكَر بين يديه من صُلْبه كُلٌّ قد حمل السلاح ؛ قلت : يا رسول الله ، صِفْهُم لنا ، قال : « هم ثلاثة أصناف ، صنف منهم أمثال الأرز » ؛ قلت : يا رسول الله : وما الأرز ؟ قال : « شجر بالشام ، طول الشجرة عشرون ومائة ذراع في السماء ؛ وصنف منهم عرضه وطوله سواء ، عشرون ومائة ذراع ، وهؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد ، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ، ويلتحف بالأخرى ولا يمرُّون بفيل ولا وحش ولا جمل ولا خنزير إِلا أكلوه ، ومن مات منهم أكلوه ، مقدِّمتهم بالشام ، وساقّهم بخراسان ، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية » " . قوله تعالى : { مُفْسِدون في الأرض } في هذا الفساد أربعة أقوال . أحدها : أنهم كانوا يفعلون فِعْل قوم لوط ، قاله وهب بن منبِّه . والثاني : أنهم كانوا يأكلون الناس ، قاله سعيد بن عبد العزيز . والثالث : يُخرِجون إِلى الأرض الذين شَكَوْا منهم أيام الربيع ، فلا يَدَعون شيئاً أخضر إِلا أكلوه ، ولا يابساً إِلا احتملوه إِلى أرضهم ، قاله ابن السائب . والرابع : كانوا يقتلون الناس ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { فهل نَجْعَلُ لكَ خَرْجاً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم : « خَرجاً » بغير ألف . وقرأ حمزة ، والكسائي : « خراجاً » بألف . وهل بينهما فرق ؟ فيه قولان . أحدهما : أنهما لغتان بمعنى واحد ، قاله أبو عبيدة ، والليث . والثاني : أن الخَرْجَ : ما تبرعت به ، والخراج : ما لزمك أداؤه ، قاله أبو عمرو بن العلاء . قال المفسرون : المعنى : هل نُخرج إِليك من أموالنا شيئاً كالجُعل لك ؟ قوله تعالى : { ما مكَّنّي } وقرأ ابن كثير : « مكَّنَني » بنونين ، وكذلك هي في مصاحف مكة . قال الزجاج : من قرأ : « مكَّنِّي » بالتشديد ، أدغم النون في النون لاجتماع النونين . ومن قرأ : « مكَّنني » أظهر النونين ، لأنهما من كلمتين ، الأولى من الفعل ، والثانية تدخل مع الاسم المضمر . وفي الذي أراد بتمكينه منه قولان . أحدهما : أنه العِلْم بالله ؛ وطلب ثوابه . والثاني : ما ملك من الدنيا . والمعنى : الذي أعطاني الله خير مما تبذلون لي . قوله تعالى : { فأعينوني بِقُوَّة } فيها قولان . أحدهما : أنها الرجال ، قاله مجاهد ، ومقاتل . والثاني : الآلة ، قاله ابن السائب . فأما الرَّدْم ، فهو : الحاجز ؛ قال الزجاج : والرَّدْم في اللغة أكبر من السدِّ ، لأن الرَّدْم : ما جُعل بعضه على بعض ، يقال : ثوب مُرَدَّم : إِذا كان قد رقِّع رقعة فوق رقعة . قوله تعالى : { آتوني زُبَرَ الحديد } قرأ الجمهور : « ردماً آتوني » أي : أعطوني . وروى أبو بكر عن عاصم : « ردمٍ ايتوني » بكسر التنوين ، أي : جيئوني بها . قال ابن عباس : احملوها إِليَّ . وقال مقاتل : أعطوني . وقال الفراء : المعنى : إِيتوني بها ، فلما ألقيت الياء زيدت ألف . فأما الزُّبُر ، فهي : القِطَع ، واحدتها : زُبْرَة ؛ والمعنى : فأَتَوه بها فبناه ، { حتى إِذا ساوى } وروى أبان « إِذا سوَّى » بتشديد الواو من غير ألف . قال الفراء : ساوى وسوَّى سواء . واختلف القراء في { الصَّدَفَين } فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر : « الصُّدُفَين » بضم الصاد والدال ، وهي : لغة حِمْيَر . وروى أبو بكر والمفضل عن عاصم : « الصُّدْفين » بضم الصاد وتسكين الدال . وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وخلف ، بفتح الصاد والدال جميعاً ، وهي لغة تميم ، واختارها ثعلب . وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء ، وابن يعمر : « الصَّدُفين » بفتح الصاد ورفع الدال . وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران ، والزهري ، والجحدري برفع الصاد وفتح الدال . قال ابن الأنباري : ويقال : صُدَف ، على مثال نُغَر ، وكل هذه لغات في الكلمة . قال أبو عبيدة : الصَّدَفان : جَنْبا الجبل . قال الأزهري : يقال لجانبي الجبل : صَدَفان ، إِذا تحاذيا ، لتصادفهما ، أي : لتلاقيهما . قال المفسرون : حشا ما بين الجبلين بالحديد ، ونسج بين طبقات الحديد الحطب والفحم ، ووضع عليها المنافيخ ، ثم { قال انفخوا } فنفخوا { حتى إِذا جعله } يعني : الحديد ، وقيل : الهاء ترجع إِلى ما بين الصدفين { ناراً } أي : كالنار ، لأن الحديد إِذا أحمي بالفحم والمنافيخ صار كالنار ، { قال آتوني } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي : « آتوني » ممدودة ؛ والمعنى : أعطوني . وقرأ حمزة ، وأبو بكر عن عاصم : « إِيتوني » مقصورة ؛ والمعنى : جيئوني به أُفرغه عليه . وفي القِطْر أربعة أقوال . أحدها : أنه النحاس ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والفراء ، والزجاج . والثاني : أنه الحديد الذائب ، قاله أبو عبيدة . والثالث : الصُّفْر المُذاب ، قاله مقاتل . والرابع : الرصاص ، حكاه ابن الأنباري . قال المفسرون : أذاب القِطْر ثم صبَّه عليه ، فاختلط والتصق بعضه ببعض حتى صار جبلاً صلداً من حديد وقِطْر . قال قتادة : فهو كالبرد المحبر ، طريقة سوداء وطريقة حمراء . قوله تعالى : { فما اسطاعوا } أصله : فما « استطاعوا » فلما كانت التاء والطاء من مخرج واحد أحبُّوا التخفيف فحذفوا . قال ابن الأنباري : إِنما تقول العرب : اسطاع ، تخفيفاً ، كما قالوا : سوف يقوم ، وسيقوم ، فأسقطوا الفاء . قوله تعالى : { أن يَظْهَروه } أي : يعلوه ؛ يقال : ظهر فلان فوق البيت : إِذا علاه ، والمعنى : ما قدروا أن يعلوه لارتفاعه وامِّلاسه { وما استطاعوا له نقباً } من أسفله ، لشدته وصلابته . وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِن يأجوج ومأجوج ليَحفرون السدَّ كل يوم ، حتى إِذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال الذي عليهم : ارجعوا ، فستحفرونه غداً ، فيعودون إِليه ، فيرونه كأشد ما كان ، حتى إِذا بلغت مدتهم ، وأراد الله عز وجل أن يبعثهم على الناس ، حفروا ، حتى إِذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال الذي عليهم : ارجعوا ، فستحفرونه غداً إِن شاء الله ، ويستثني ، فيعودون إِليه وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ويخرجون على الناس " وذكر باقي الحديث ؛ وقد ذكرت هذا الحديث بطوله وأشباهه في كتاب « الحدائق » فكرهت التطويل هاهنا . قوله تعالى : { قال هذا رحمة من ربِّي } لمّا فرغ ذو القرنين من بنيانه قال هذا . وفيما أشار إِليه قولان . أحدهما : أنه الرَّدم ، قاله مقاتل ؛ قال : فالمعنى : هذا نِعْمة من ربِّي على المسلمين لئلا يخرجوا إِليهم . والثاني : أنه التمكين الذي أدرك به عمل السد ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { فإذا جاء وعد ربِّي } فيه قولان . أحدهما : القيامة . والثاني : وعده لخروج يأجوج ومأجوج . قوله تعالى : { جعله دكّاً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : « دكّاً » منوناً غير مهموز ولا ممدود . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : « دكّاء » ممدودة مهموزة بلا تنوين . وقد شرحنا معنى الكلمة في [ الأعراف : 143 ] . قوله تعالى : { وكان وعد ربي حقاً } أي : بالثواب والعقاب .