Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 9-12)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أم حسبت أن أصحاب الكهف والرَّقيم } نزلت على سبب قد ذكرناه عند قوله تعالى : { ويسألونك عن الروح } [ الإسراء : 85 ] . وقال ابن قتيبة : ومعنى « أم حسبت » : أحسبت . فأما « الكهف » فقال المفسرون : هو المغارة في الجبل ، إِلا أنه واسع ، فاذا صغر ، فهو غار . قال ابن الأنباري : قال اللغويون : الكهف بمنزلة الغار في الجبل . فأما الرقيم ، ففيه ستة أقوال . أحدها : أنه لوح من رصاص كانت فيه أسماء الفتية مكتوبة ليعلم من اطّلَع عليهم يوماً من الدهر ما قصتهم ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال وهب بن منبِّه ، وسعيد بن جبير في رواية ، ومجاهد في رواية . وقال السدي : الرقيم : صخرة كُتب فيها أسماء الفتية ، وجُعلت في سُور المدينة . وقال مقاتل : الرقيم : كتاب كتبه رجلان صالحان ، وكانا يكتمان إِيمانَهما من الملك الذي فرَّ منه الفتية ، كتبا أمر الفتية في لوح من رصاص ، ثم جعلاه في تابوت من نحاس ، ثم جعلاه في البناء الذي سَدُّوا به باب الكهف ، فقالا : لعل الله أن يُطْلِعَ على هؤلاء الفتية أحداً ، فيعلمون أمرهم إِذا قرؤوا الكتاب . وقال الفراء : كُتب في اللوح أسماؤهم ، وأنسابهم ، ودينهم ، وممن كانوا . قال أبو عبيدة : وابن قتيبة : الرقيم : الكتاب ، وهو فعيل بمعنى مفعول ، ومنه : كتاب مرقوم ، أي : مكتوب . والثاني : أنه اسم القرية التي خرجوا منها ، قاله كعب . والثالث : اسم الجبل ، قاله الحسن ، وعطية . والرابع : أن الرقيم : الدواة ، بلسان الروم ، قاله عكرمة ومجاهد في رواية . والخامس : اسم الكلب ، قاله سعيد بن جبير . والسادس : اسم الوادي الذي فيه الكهف ، قاله قتادة ، والضحاك . قوله تعالى : { كانوا من آياتنا عجباً } قال المفسرون : معنى الكلام : أحسبتَ أنهم كانوا أعجبَ آياتنا ؟ ! قد كان في آياتنا ما هو أعجب منهم ، فإن خلق السموات والأرض وما بينهما أعجب من قصتهم . وقال ابن عباس الذي آتيتك من الكتاب والسنَّة والعلم ، أفضل من شأنهم . قوله تعالى : { إِذ أوى الفتية } قال الزجاج : معنى : أوَوْا إِليه ، صاروا إِليه ، وجعلوه مأواهم . والفتية : جمع فتى ، مثل غُلام وغِلمة ، وصبي وصبية . و « فِعلة » من أسماء الجمع ، وليس ببناء يقاس عليه ؛ لا يجوز غُراب وَغِرْبة ، ولا غنيٌّ وغِنية . وقال بعض المفسرين : الفتية : بمعنى الشبان . وقد ذكرنا عن القتيبي أن الفتى : بمعنى الكامل من الرجال ، وبيَّنَّاه في قوله تعالى : { من فتياتكم المؤمنات } [ النساء : 25 ] . قوله تعالى : { فقالوا ربنا آتنا من لدنك } أي : من عندك { رحمة } أي : رزقاً { وهيِّىءْ لنا } أي : أصلح لنا { من أمرنا رشداً } أي : أرشدنا إِلى ما يقرِّبنا منك . والمعنى : هيِّىءْ لنا من أمرنا ما نصيب به الرشد . والرُّشد والرَّشد ، والرشاد : نقيض الضلال . تلخيص قصة أصحاب الكهف اختلف العلماء في بُدُوِّ أمرهم ، وسبب مصيرهم إِلى الكهف ، على ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم هربوا ليلاً من ملكهم حين دعاهم إِلى عبادة الأصنام ، فمروا براعٍ له كلب ، فتبعهم على دينهم ، فأوَوا إِلى الكهف يتعبَّدون ، ورجل منهم يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة ، إِلى أن جاءهم يوماً فأخبرهم أنهم قد ذُكِروا ، فبَكوا وتعَّوذوا بالله من الفتنة ، فضرب الله تعالى على آذانهم ، وأمر الملك فسدَّ عليهم الكهف ، وهو يظنهم أيقاظاً ، وقد توفَّى الله أرواحهم وفاة النَّوم ، وكلبُهم قد غشيه ما غشيهم . ثم إِن رجلين مؤمنَيْن يكتمان إِيمانهما كتبا أسماءهم وأنسابهم وخبرهم في لوح من رصاص ، وجعلاه في تابوت من نحاس في البنيان ، وقالا : لعل الله يُطْلع عليهم قوماً مؤمنين ، فيعلمون خبرهم ، هذا قول ابن عباس . وقال عبيد بن عمير : فَقَدهم قومهم فطلبوهم ، فعمَّى الله عليهم أمرهم ، فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح : فلان وفلان أبناء ملوكنا فَقَدْنَاهم في شهر كذا ، في سنة كذا ، في مملكة فلان ، ووضعوا اللوح في خزانة الملك ، وقالوا : لَيَكُونَنَّ لهذا شأن . والثاني : أن أحد الحواريِّين جاء إِلى مدينة أصحاب الكهف ، فأراد أن يدخلها ، فقيل له : إِن على بابها صنماً لا يدخلها أحد إِلا سجد له ، فكره أن يدخلها ، فأتى حمَّاماً قريباً من المدينة ، فكان يعمل فيه بالأجْر ، وعلقه فتية من أهل المدينة ، فجعل يخبرهم عن خبر السماء والأرض ، وخبر الآخرة ، فآمنوا به وصدَّقوه ، حتى جاء ابن الملك يوماً بامرأة ، فدخل معها الحمَّام ، فأنكر عليه الحواريُّ ذلك ، فسبَّه ودخل ، فمات وماتت المرأة في الحمام ، فأتى الملك ، فقيل له : إِن صاحب الحمام قتل ابنك ، فالْتُمِس فهرب ، فقال : من كان يصحبه ؟ فسُمي له الفتيةُ ، فالْتُمِسوا فخرجوا من المدينة ، فمروا على صاحب لهم في زرع ، وهو على مثل أمرهم ، فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إِلى الكهف ، فدخلوه فقالوا : نبيت هاهنا ، ثم نصبح إِن شاء الله فتَرَون رأيكم ، فضرب الله على آذانهم فناموا ؛ وخرج الملك ، وأصحابه يتبعونهم ، فوجدوهم قد دخلوا الكهف ، فكلما أراد رجل أن يدخل [ الكهف ] أُرعب ، فقال قائل للملك : أليس قلتَ : إِن قدرتُ عليهم قتلتُهم ؟ قال : بلى ، قال : فابن عليهم باب الكهف حتى يموتوا جوعاً وعطشاً ، ففعل ، هذا قول وهب بن منبِّه . والثالث : أنهم كانوا أبناء عظماء المدينة وأشرافهم ، خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد ، فقال رجل منهم ، هو أسنهم : إِني لأجد في نفسي شيئاً ما أظن أحداً يجده ، فقالوا : ما تجد ؟ قال : أجد في نفسي أن ربي ربُّ السموات والأرض ، فقاموا جميعاً فقالوا : ربُّنا ربُّ السموات والأرض ، فأجمعوا أن يدخلوا الكهف ، فدخلوا ، فلبثوا ما شاء الله ، هذا قول مجاهد . وقال قتادة : كانوا أبناء ملوك الروم ، فتفرَّدوا بدينهم في الكهف ، فضرب الله على آذانهم . فصل فأما سبب بعث أصحاب الكهف من نومهم ، فقال عكرمة : جاءت أمّةٌ مسلمةٌ ، وكان ملكهم مسلماً ، فاختلفوا في الروح والجسد ، فقال قائل : يُبعث الروح والجسد . وقال قائل : يبعث الروح وحده ، والجسد تأكله الأرض فلا يكون شيئاً ، فشق اختلافهم على الملك ، فانطلق فلبس المسوح ، وقعد على الرماد ، ودعا الله أن يبعث لهم آية تبين لهم ، فبعث الله أصحاب الكهف . وقال وهب بن منبه : جاء راعٍ قد أدركه المطر إِلى الكهف ، فقال : لو فتحت هذا الكهف ، وأدخلته غنمي من المطر ، فلم يزل يعالجه حتى فتحه ، ورد الله إِليهم أرواحهم حين أصبحوا من الغد . وقال ابن السائب : احتاج صاحب الأرض التي فيها الكهف أن يبني حظيرة لغنمه ، فهدم ذلك السدَّ ، فبنى به ، فانفتح باب الكهف . وقال ابن إِسحاق : ألقى الله في نفس رجل من أهل البلد أن يهدم ذلك البنيان فيبني به حظيرة لغنمه ، فاستأجر عاملين ينزعان تلك الحجارة ، فنزعاها ، وفتحا باب الكهف ، فجلسوا فرحين ، فسلَّم بعضهم على بعض لا يرون في وجوههم ولا أجسادهم شيئاً يكرهونه ، إِنما هم على هيئتهم حين رقدوا وهم يرون أن ملكهم في طلبهم ، فصلّوا ، وقالوا ليمليخا صاحب نفقتهم : انطلق فاستمع ، ما نُذكَر به ، وابتغ لنا طعاماً ، فوضع ثيابه ، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها ، وخرج فرأى الحجارة قد نزعت عن باب الكهف ، فعجب ، ثم مَرَّ مستخفياً متخوِّفاً أن يراه أحد فيذهب به إِلى الملك ، فلما رأى باب المدينة رأى عليه علامة تكون لأهل الإِيمان ، فعجب ، وخُيِّل إِليه أنها ليست بالمدينة التي يعرف ، ورأى ناساً لا يعرفهم ، فجعل يتعجب ويقول : لعلِّي نائم ؛ فلما دخلها رأى قوماً يحلفون باسم عيسى ، فقام مسنداً ظهره إِلى جدار ، وقال في نفسه : والله ما أدري ما هذا ، عشية أمس لم يكن على [ وجه ] الأرض من يذكر عيسى إِلا قُتل ، واليوم أسمعهم يذكرونه ، لعل هذه ليست المدينة التي أعرف ، والله ما أعرف مدينة قرب مدينتنا ، فقام كالحيران ، وأخرج وَرِقاً فأعطاه رجلاً وقال : بعني طعاماً ، فنظر الرجل إِلى نقشه فعجب ، ثم ألقاه إِلى آخر ، فجعلوا يتطارحونه بينهم ، ويتعجبون ، ويتشاورون ، وقالوا : إِن هذا قد أصاب كنزاً ، فَفَرق منهم ، وظنَّهم قد عرفوه ، فقال : أمسكوا طعامكم فلا حاجة بي إِليه ، فقالوا له : من أنت يا فتى ؟ والله لقد وجدتَ كنزاً وأنت تريد أن تخفيه ، شاركنا فيه وإِلا أتينا بك إِلى السلطان فيقتلك ، فلم يدر ما يقول ، فطرحوا كساءه في عنقه وهو يبكي ويقول : فُرِّقَ بيني وبين إِخوتي ، يا ليتهم يعلمون ما لقيتُ ، فأتَوا به إِلى رجلين كانا يدبِّران أمر المدينة ، فقالا : أين الكنز الذي وجدتَ ؟ قال : ما وجدتُ كنزاً ، ولكن هذه وَرِق آبائي ، ونقش هذه المدينة وضربها ، ولكن والله ما أدري ما شأني ، ولا ما أقول لكم ، قال مجاهد : وكان وَرِق أصحاب الكهف مثل أخفاف الإِبل ، فقالوا : من أنت ، وما اسم أبيك ؟ فأخبرهم ، فلم يجدوا من يعرفه ، فقال له أحدهما : أتظن أنك تسخر مِنّا وخزائن هذه البلدة بأيدينا ، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار ؟ ! إني سآمر بك فتعذَّب عذاباً شديداً ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز ، فقال يمليخا : أنبؤني عن شيء أسالكم عنه ، فإن فعلتم صَدَقتكم ، قالوا : سل ، قال : ما فعل الملك دقيانوس ؟ قالوا : لا نعرف اليوم على وجه الأرض مَلِكاً يسمى دقيانوس ، وإِنما هذا ملك كان منذ زمان طويل ، وهلكت بعده قرون كثيرة ، فقال : والله ما يصدِّقني أحد بما أقوله ، لقد كُنّا فتيةً ، وأكرهنا الملكُ على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت ، فهربنا منه عشية أمسِ فنمنا ، فلما انتبهنا خرجتُ أشتري لأصحابي طعاماً ، فإذا أنا كما ترون ، فانطلقوا معي إِلى الكهف أُريكم أصحابي ، فانطلقوا معه وسائر أهل المدينة ، وكان أصحابه قد ظنوا لإِبطائه عليهم أنه قد أُخذ ، فبينما هم يتخوّفون ذلك ، إِذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل ، فظنوا أنهم رُسُل دقيانوس ، فقاموا إِلى الصلاة ، وسلَّم بعضهم على بعض ، فسبق يمليخا إِليهم وهو يبكي ، فبكَوا معه ، وسألوه عن شأنه ، فأخبرهم خبره ، وقصّ عليهم النبأَ كلَّه ، فعرفوا أنهم كانوا نياماً بأمر الله تعالى ، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس ، وتصديقاً للبعث ؛ ونظر الناس في المسطور الذي فيه أسماؤهم وقصتهم ، فعجبوا ، وأرسلوا إِلى ملكهم ، فجاء ، واعتنق القومَ ، وبكى ، فقالوا له : نستودعك الله ونقرأ عليك السلام ، حفظك الله ، وحفظ ملكك ، فبينا الملك قائم ، رجعوا إِلى مضاجعهم ، وتوفَّى الله عزَّ وجلَّ أنفسهم ، فأمر الملك أن يُجعل لكل واحد منهم تابوت من ذهب ، فلما أَمْسَواْ رآهم في المنام ، فقالوا : إِنا لم نُخلَق من ذهب وفضة ، ولكن خُلقنا من تراب ، فاتركنا كما كُنّا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله عز وجل منه ، وحجبهم الله عز وجل حين خرجوا من عندهم بالرُّعْب ، فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم ، وأمر المَلِك فجُعِل على باب الكهف مسجدٌ يصلَّى فيه ، وجعل لهم عيداً عظيماً يؤتَى كلَّ سنة . وقيل : إِنه لما جاء يمليخا ومعه الناس ، قال : دعوني أدخل إِلى أصحابي فأبشِّرهم ، فانهم إِن رأَوْكم معي أرعبتموهم ، فدخل فبشّرهم ، وقبض الله روحه وأرواحهم ، فدخل الناس ، فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئاً ، غير أنها لا أرواح فيها ، فقال الملك : هذه آيةٌ بعثها الله لكم . قوله تعالى : { فضربنا على آذانهم } قال الزجاج : المعنى : أنمناهم ومنعناهم السمع ، لأن النائم إِذا سمع انتبه . و { عدداً } منصوب على ضربين . أحدهما : على المصدر ، المعنى : تُعَدُّ عدداً . والثاني : أن يكون نعتاً للسنين ، المعنى : سنين ذات عدد ، والفائدة في ذِكْر العدد في الشيء المعدود ، توكيد كثرة الشيء ، لأنه إِذا قَلَّ فُهِم مقداره ، وإِذا كَثُر احتيج إِلى أن يُعَدَّ العدد الكثير . { ثم بعثناهم } من نومهم ، يقال لكُلِّ مَنْ خرج من الموت إِلى الحياة ، أو من النوم إِلى الانتباه : مبعوث ، لأنه قد زال عنه ما كان يحبسه عن التصرِّف والانبعاث . وقيل : معنى { سنين عدداً } : أنه لم يكن فيها شهور ولا أيام ، إِنما هي كاملة ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { لنعلم أيُّ الحزبين } قال المفسرون : أي : لنرى . وقال بعضهم : المعنى : لتعلموا أنتم . وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو عمران ، والنخعي : « ليُعلَم » بضم الياء ، على ما لم يُسمَّ فاعله « أيُّ الحزبين » ، ويعني بالحزبين : المؤمنين والكافرين من قوم أصحاب الكهف . { أحصى لما لبثوا } أي : لنعلم أهؤلاء أحصى للأمد أو هؤلاء ، فكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف بعد خروجهم من بينهم ، فبعثهم الله ليبين ذلك ويظهر . قال قتادة : لم يكن للفريقين عِلم بلبثهم ، لا لمؤمنيهم ، ولا لكافريهم . قال مقاتل : لما بُعثوا زال الشك وعُرفت حقيقة اللبث . وقال القاضي أبو يعلى : معنى الكلام : بعثناهم ليظهر المعلوم في اختلاف الحزبين في مدة لبثهم ، لما في ذلك من العبرة .