Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 1-6)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كهيعص } قرأ ابن كثير : « كهيعص ذِكْر » بفتح الهاء والياء وتبيين الدال التي في هجاء « صاد » . وقرأ أبو عمرو : « كهيعص » بكسر الهاء وفتح الياء ويدغم الدال في الذال ، وكان نافع يلفظ بالهاء والياء بين الكسر والفتح ، ولا يدغم الدال التي في هجاء « صاد » في الذال من « ذِكْر » . وقرأ أبو بكر عن عاصم ، والكسائي ، بكسر الهاء والياء ، إِلا أن الكسائي لا يبيِّن الدال ، وعاصم يُبيِّنها . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، بفتح الهاء وكسر الياء ويدغمان . وقرأ أُبيّ بن كعب : « كهيعص » برفع الهاء وفتح الياء . وقد ذكرنا في أول « البقرة » ما يشتمل على بيان هذا الجنس . وقد خصَّ المفسرون هذه الحروف المذكورة هاهنا بأربعة أقوال . أحدها : أنها حروف من أسماء الله تعالى ، قاله الأكثرون . ثم اختلف هؤلاء في الكاف من أي اسم هو ، على أربعة أقوال . أحدها : أنه من اسم الله الكبير . والثاني : من الكريم . والثالث : من الكافي ، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس . والرابع : أنه من الملك ، قاله محمد بن كعب . فأما الهاء ، فكلُّهم قالوا : هي من اسمه الهادي ، إِلا القرظي فإنه قال : من اسمه الله . وأما الياء ، ففيها ثلاثة أقوال . أحدها : أنها من حكيم . والثاني : من رحيم . والثالث : من أمين ، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس . فأما العين ، ففيها أربعة أقوال . أحدها : أنها من عليم . والثاني : من عالم . والثالث : من عزيز ، رواها أيضاً سعيد [ بن جبير ] عن ابن عباس . والرابع : أنها من عدل ، قاله الضحاك . وأما الصاد ، ففيها ثلاثة أقوال . أحدها : أنها من صادق . والثاني : من صدوق ، رواهما سعيد [ بن جبير ] أيضاً عن ابن عباس . والثالث : من الصمد ، قاله محمد بن كعب . والقول الثاني : أن « كهيعص » قَسَم أقسم الله به ، وهو من أسمائه ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس . وروي عن عليّ عليه السلام أنه قال : هو اسم من اسماء الله تعالى . وروي عنه أنه كان يقول [ يا ] كهيعص اغفر لي . قال الزجاج : والقَسَم بهذا والدعاء لا يدل على أنه اسم واحد ، لأن الداعي إِذا علم أن الدعاء بهذه الحروف يدل على صفات الله فدعا بها ، فكأنه قال : يا كافي ، يا هادي ، يا عالم ، يا صادق ، وإِذا أقسم بها ، فكأنه قال : والكافي الهادي العالم الصادق ، وأُسكنت هذه الحروف لأنها حروف تهجٍّ ، النيَّة فيها الوقف . والثالث : أنه اسم للسورة ، قاله الحسن ، ومجاهد . والرابع : اسم من أسماء القرآن ، قاله قتادة . فإن قيل : لم قالوا : ها يا ، ولم يقولوا في الكاف : كا ، وفي العين : عا ، وفي الصاد : صا ، لتتفق المباني كما اتفقت العلل ؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : حروف المعجم التسعة والعشرون تجري مجرى الرسالة والخطبة ، فيستقبحون فيها اتفاق الألفاظ واستواء الأوزان ، كما يستقبحون ذلك في خطبهم ورسائلهم ، فيغيِّرون بعض الكِلَم ليختلف الوزن وتتغيَّر المباني ، فيكون ذلك أعذب على الألسن وأحلى في الأسماع . قوله تعالى : { ذِكْر رحمة ربك } قال الزجاج : الذِّكر مرفوع بالمُضمَر ، المعنى : هذا الذي نتلو عليك ذِكْر رحمة ربِّك عبدَه . قال الفراء : وفي الكلام تقديم وتأخير ؛ المعنى : ذِكْر ربِّك عبده بالرحمة ، و « زكريا » في موضع نصب . قوله تعالى : { إِذ نادى ربَّه } النداء هاهنا بمعنى الدعاء . وفي علة إِخفائه لذلك ثلاثة أقوال . أحدها : ليبعد عن الرياء ، قاله ابن جريج . والثاني : لئلا يقول الناس : انظروا إِلى هذا الشيخ يسأل الولد على الكِبَر ، قاله مقاتل . والثالث : لئلا يعاديه بنو عمه ، ويظنوا أنه كره أن يلوا مكانه بعده ، ذكره أبو سليمان الدمشقي . وهذه القصة تدل على أن المستحب إِسرار الدعاء ، ومنه الحديث : " إِنكم لا تدعون أصمّ " . قوله تعالى : { قال ربِّ إِني وهن العظم منِّي } وقرأ معاذ القارىء ، والضحاك : « وَهُن » بضم الهاء ، أي : ضَعُف . قال الفراء : وغيره : وَهَن العظم ، ووَهِن ، بفتح الهاء وكسرها ؛ والمستقبل على الحالين كليهما : يَهِن . وأراد أن قوَّة عظامه قد ذهبت لِكبَره ؛ وإِنما خصّ العظم ، لأنه الأصل في التركيب . وقال قتادة : شكا ذهاب أضراسه . قوله تعالى : { واشتعل الرأس شيباً } يعني : انتشر الشيب فيه ، كما ينتشر شعاع النار في الحطب ، وهذا من أحسن الاستعارات . { ولم أكن بدعائك } أي : بدعائي إِياكَ { ربِّ شقياً } أي : لم أكن أتعب بالدعاء ثم أُخيَّب ، لأنك قد عودتَني الإِجابة ؛ يقال : شقي فلان بكذا : إِذا تعب بسببه ، ولم ينل مراده . قوله تعالى : { وإِني خِفتُ الموالي } يعني : الذين يلونه في النسب ، وهم بنو العم والعَصبة { من ورائي } أي : من بعد موتي . وفي ما خافهم عليه قولان . أحدهما : أنه خاف أن يَرِثوه ، قاله ابن عباس . فإن اعترض عليه معترض ، فقال : كيف يجوز لنبيّ أن يَنْفَس على قراباته بالحقوق المفروضة لهم بعد موته ؟ فعنه جوابان . أحدهما : أنه لما كان نبيّاً ، والنبيّ لا يورث ، خاف أن يرِثوا ماله فيأخذوا ما لا يجوز لهم . والثاني : أنه غلب عليه طبع البشر ، فأحبَّ أن يتولَّى مالَه ولدُه ، ذكرهما ابن الأنباري . قلت : وبيان هذا أنه لا بد أن يتولَّى ماله وإِن ولم يكن ميراثاً ، فأحبَّ أن يتولاه ولده . والقول الثاني : أنه خاف تضييعهم للدِّين ونبذهم إِيّاه ، ذكره جماعة من المفسرين . وقرأ عثمان ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمرو ، وابن جبير ، ومجاهد ، وابن أبي شريح عن الكسائي : « خَفَّت » بفتح الخاء وتشديد الفاء على معنى « قلَّت » ؛ فعلى هذا يكون إِنما خاف على عِلْمه ونبوَّته ألاَّ يُورَثا فيموت العِلْم . وأسكن ابن شهاب الزهري ياء « المواليْ » . قوله تعالى : { من ورائي } أسكن الجمهور هذه الياء ، وفتحها ابن كثير في رواية قنبل . وروى عنه شبل : « ورايْ » مثل « عصايْ » . قوله تعالى : { فَهَبْ لي من لدنك } أي : من عندك { وليّاً } أي : ولداً صالحاً يتولاَّني . قوله تعالى : { يَرِثني ويرث من آل يعقوب } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة : « يَرِثُني ويَرِثُ » برفعهما . وقرا أبو عمرو ، والكسائي : « يَرِثْني ويَرِثْ » بالجزم فيهما . قال أبو عبيدة : من قرأ بالرفع ، فهو على الصفة للوليّ ؛ فالمعنى : هب لي وليّاً وارثاً ، ومن جزم ، فعلى الشرط والجزاء ، كقولك : إِن وهبتَه لي ورثني . وفي المراد بهذا الميرث أربعة أقوال . أحدها : يَرِثني مالي ، ويرث من آل يعقوب النبوَّة ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال أبو صالح . والثاني : يَرِثني العِلْم ، ويَرِث من آل يعقوب المُلْكَ ، فأجابه الله تعالى إِلى وراثة العِلْم دون المُلْك ، وهذا مرويّ عن ابن عباس أيضاً . والثالث : يَرِثني نبوَّتي وعِلْمي ، ويَرِث من آل يعقوب النبوَّة أيضاً ، قاله الحسن . والرابع : يَرِثني النبوَّة ، ويرث من آل يعقوب الأخلاق ، قاله عطاء . قال مجاهد : كان زكريا من ذرية يعقوب ، وزعم الكلبي أن آل يعقوب كانوا أخواله ، وأنه ليس بيعقوب أبي يوسف . وقال مقاتل : هو يعقوب بن ماثان ، وكان يعقوب هذا وعمران أبو مريم أخوين . والصحيح : أنه لم يُرِد ميراثَ المال لوجوه . أحدها : أنه قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نحن معاشر الأنبياء لا نورَث ، ما تركناه صدقة " . والثاني : [ أنه ] لا يجوز أن يتأسَّف نبيّ الله على مصير ماله بعد موته إِذا وصل إِلى وارثه المستحق له شرعاً . والثالث : أنه لم يكن ذا مال . وقد روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن زكريا كان نجاراً . قوله تعالى : { واجعله ربّ رضيّاً } قال اللغويون : أي : مرضيّاً ، فصُرِف عن مفعول إِلى فَعيل ، كما قالوا : مقتول وقتيل .