Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 102-102)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { واتبعوا ما تتلوا الشياطين } في سبب نزولها قولان . أحدهما : أن اليهود كانوا لا يسألون النبي عن شيء من التوراة إلا أجابهم ، فسألوه عن السحر وخاصموه به ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو العالية . والثاني : أنه لما ذكر سليمان في القرآن قالت يهود المدينة : ألا تعجبون لمحمد يزعم أن ابن داود كان نبياً ؟ ! والله ما كان إلا ساحراً ، فنزلت هذه الآية . قاله ابن اسحاق . وتتلوا ، بمعنى : تلت ، و « على » بمعنى : « في » قاله المبرد . قال الزجاج : وقوله : { على ملك سليمان } أي : على عهد ملك سليمان . وفي كيفية ما تلت الشياطين على ملك سليمان ستة أقوال . أحدها : أنه لما خرج سليمان عن ملكه ؛ كتبت الشياطين السحر ، ودفنته في مصلاه ، فلما توفي استخرجوه ، وقالوا : بهذا كان يملك الملك ، ذكر هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وهو قول مقاتل . والثاني : أن آصف كان يكتب ما يأمر به سليمان ، ويدفنه تحت كرسيه ، فلما مات سليمان ، استخرجته الشياطين ، فكتبوا بين كل سطرين سحراً وكذباً ، وأضافوه إلى سليمان ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثالث : أن الشياطين كتبت السحر بعد موت سليمان ، ثم أضافته إليه ، قاله عكرمة . والرابع : أن الشياطين ابتدعت السحر ، فأخذه سليمان ، فدفنه تحت كرسيه لئلا يتعلمه الناس ، فلما قبض استخرجته ، فعلمته الناس وقالوا : هذا علم سليمان ، قاله قتادة . والخامس : أن سليمان أخذ عهود الدواب ، فكانت الدابة إذا أصابت إنساناً طلب إليها بذلك العهد ، فتخلّي عنه ، فزاد السحرة السجع والسحر ، قاله أبو مجلز . والسادس : أن الشياطين كانت في عهد سليمان تسترق السمع ، فتسمع من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر ، فيأتون الكهنة فيخبرونهم ، فتحدث الكهنة الناس ، فيجدونه كما قالوا ، حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم [ وأدخلوا فيه غيره ] ، فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة ، فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب ، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب ، فبعث سليمان في الناس ، فجمع تلك الكتب في صندوق ، ثم دفنها تحت كرسيه ، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق [ وقال : لا أسمع أحداً يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه ] ، فلما مات سليمان ؛ جاء شيطان إلى نفر من بني إسرائيل ، فدلهم على تلك الكتب وقال : إنما كان سليمان يضبط أمر الخلق بهذا ، ففشا في الناس أن سليمان كان ساحراً ، واتخذ بنوا إسرائيل تلك الكتب ، فلما جاء محمد ، صلى الله عليه وسلم ، خاصموه بها ، هذا قول السدي . وسليمان : اسم عبراني ، وقد تكلمت به العرب في الجاهلية ، وقد جعله النابغة سليماً ضرورة ، فقال : ونسج سليم كل قضّاء ذائل . واضطر الحطيئة فجعله : سلاَّماً فقال : @ فيه الرماح وفيه كل سابغة جدلاءَ محكمة من نسج سلاَّم @@ وأرادا جميعاً : داود أبا سليمان ، فلم يستقم لهما الشعر ، فجعلاه : سليمان وغيّراه . كذلك قرأته على شيخنا أبي منصور اللغوي . وفي قوله : { وما كفر سليمان } دليل على كفر الساحر ، لأنهم نسبوا إلى السحر ، لا إلى الكفر . قوله تعالى : { ولكنّ الشياطين كفروا } وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم بتشديد نون { ولكنّ } ونصب نون { الشياطين } . وقرأ ابن عامر و حمزة والكسائي بتخفيف النون من { لكنْ } ورفع نون { الشياطين } . قوله تعالى : { وما أُنزل على الملكين } وقرأ ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير والزهري { الملِكين } بكسر اللام ، وقراءة الجمهور أصح . وفي « ما » قولان . أحدهما : أنها معطوفة على « ما » الأولى ، فتقديره : واتبعوا ما تتلوا الشياطين وما أُنزل على الملكين . والثاني : أنها معطوفة على السحر ، فتقديره : يعلّمون الناس السحر ، ويعلمونهم ما أنزل على الملكين . فإن قيل : إذا كان السحر نزل على الملكين ، فلما ذاكره ؟ فالجواب من وجهين ، ذكرهما ، ابن السري ، أحدهما : أنهما كانا يعلمان الناس : ما السحر ، ويأمران باجتنابه ، وفي ذلك حكمة ؛ لأن سائلاً لو قال : ما الزنى ؟ لوجب أن يوقف عليه ، ويعلم أنه حرام . والثاني : أنه من الجائز أن يكون الله تعالى امتحن الناس بالملكين ، فمن قبل التعلم كان كافراً ، ومن لم يقبله فهو مؤمن ، كما امتحن بنهر طالوت . وفي الذي أنزل على الملكين قولان . أحدهما : أنه السحر ، روي عن ابن مسعود والحسن ، وابن زيد . والثاني : أنه التفرقة بين المرء وزوجه ، لا السحر ، روي عن مجاهد وقتادة ، وعن ابن عباس كالقولين . قال الزجاج : وهذا من باب السحر أيضاً . الإشارة إلى قصة الملكين ذكر العلماء أن الملكين إنما أنزلا إلى الأرض لسبب ، وهو أنه لما كثرت خطايا بني آدم ؛ دعت عليهم الملائكة ، فقال الله تعالى : لو أنزلت الشهوة والشياطين منكم منزلتهما من بني آدم ، لفعلتم مثل ما فعلوا ، فحدثوا أنفسهم أنهم إن ابتلوا ، اعتصموا ، فأوحى الله إليهم [ أن ] اختاروا من أفضلكم ملكين ، فاختاروا هاروت وماروت . وهذا مروي عن ابن مسعود ، وابن عباس . واختلف العلماء : ماذا فعلا من المعصية على ثلاثة أقوال . أحدها : أنهما زنيا ، وقتلا ، وشربا الخمرة ، قاله ابن عباس . والثاني : أنهما جارا في الحكم ، قاله عبيد الله بن عتبة . والثالث : أنهما هما بالمعصية فقط . ونقل عن علي ، رضي الله عنه ، أن الزهرة كانت امرأة جميلة ، وأنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت ، فراودها كل واحد منهما على نفسها ، ولم يُعلم صاحبه ، وكانا يصعدان السماء آخر النهار ، فقالت لهما : بم تهبطان وتصعدان ؟ قالا : باسم الله الأعظم ، فقالت : ما أنا بمواتيتكما إلى ما تريدان حتى تعلمانيه ، فعلماها إياه ، فطارت إلى السماء ، فمسخها الله كوكباً . وفي الحديث أن النبي ، صلى الله عليه وسلم " لعن الزهرة ، وقال : إنها فتنت ملَكين " إلا أن هذه الأشياء بعيدة عن الصحة وتأول بعضهم ، هذا فقال : إنه لما رأى الكوكب ، ذكر تلك المرأة ، لا أن المرأة مسخت نجماً . واختلف العلماء في كيفية عذابهما ؛ فروي عن ابن مسعود أنهما معلقان بشعورهما إلى يوم القيامة ، وقال مجاهد : إن جباً ملىء ناراً فجعلا فيه . فأما بابل ؛ فروي عن الخليل أن ألسن الناس تبلبلت بها . واختلفوا في حدها على ثلاثة أقوال . أحدها : أنها : الكوفة وسوادها ، قاله ابن مسعود . والثاني : أنها من نصيبين إلى رأس العين ، قاله قتادة . والثالث : أنها جبل في وهدة من الأرض ، قاله السدي . قوله تعالى : { إنما نحن فتنة } أي : اختبار وابتلاء . قوله تعالى : { إِلا بإذن الله } يريد : بقضائه . { ولقد علموا } : إشارة إلى اليهود { لَمن اشتراه } ، يعني : اختاره ، يريد : السحر . واللام لام اليمين . فأما الخلاق ؛ فقال الزجاج : هو النصيب الوافر من الخير . قوله تعالى : { ولبئس ما شروا به أنفسهم } أي : باعوها به { لو كانوا يعلمون } العقاب فيه . فصل اختلف الفقهاء في حكم الساحر ؛ فمذهب إمامنا أحمد رضي الله عنه يكفر بسحره ، قتل به ، أو لم يقتل ، وهل تقبل توبته ؟ على روايتين . وقال الشافعي : لا يكفر بسحره ، فان قتل بسحره وقال : سحري يقتل مثله ، وتعمدت ذلك قتل قوداً . وإن قال : قد يقتل ، وقد يخطيء ، لم يقتل ، وفيه الدية . فأما ساحر أهل الكتاب ، فانه لا يقتل عند أحمد إلا أن يضر بالمسلمين ، فيقتل لنقض العهد ، وسواء في ذلك الرجل والمرأة . وقال أبو حنيفة : حكم ساحر أهل الكتاب حكم ساحر المسلمين في إيجاب القتل ، فأما المرأة الساحرة ، فقال : تحبس ، ولا تقتل .