Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 127-129)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وإذ يرفع إِبراهيم القواعد من البيت وإِسماعيل } . القواعد : أساس البيت ، واحدها : قاعدة . فأما قواعد النساء ؛ فواحدتها : قاعد ، وهي العجوز . { ربنا تقبل منا } أي : يقولان : ربنا ، فحذف ذلك ، كقوله : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } [ الرعد : 25 ] . أراد : يقولون . و { السميع } بمعنى : السامع ، لكنه أبلغ ، لأن بناء فعيل للمبالغة . قال الخطابي : ويكون السماع بمعنى القبول والاجابة ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أعوذ بك من دعاء لا يسمع " أي : لا يستجاب . وقول المصلي : سمع الله لمن حمده ، أي : قبل الله حمد من حمده وأنشدوا : @ دعوت الله حتى خفت أن لا يكون الله يسمع ما أقول @@ الإشارة إلى بناء البيت روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " كانت الملائكة تحج إِلى البيت قبل آدم " وقال ابن عباس : لما أهبط آدم ؛ قال الله تعالى : يا آدم ! اذهب فابن لي بيتاً فطف به ، واذكرني حوله كما رأيت ملائكتي تصنع حول عرشي . فأقبل يسعى حتى انتهى إلى البيت الحرام ، وبناه من خمسة أجبل : من لبنان ، وطور سيناء ، وطور زيتا ، والجودي ، وحراء ، فكان آدم أول من أسس البيت ، وطاف به ، ولم يزل كذلك حتى بعث الله الطوفان ، فدرس موضع البيت ، فبعث الله إبراهيم وإسماعيل . وقال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : لما أمر الله تعالى إبراهيم ببناء البيت ؛ ضاق به ذرعاً ، ولم يدر كيف يصنع ، فأنزل الله عليه كهيئة السحابة ، فيها رأس يتكلم ، فقال : يا إبراهيم ! علّم على ظلي ، فلما علّم ارتفعت . وفي رواية أنه كان يبني عليها كل يوم ، قال : وحفر إبراهيم من تحت السكينة ، فأبدى عن قواعد ، ما تحرك القاعدة منها دون ثلاثين رجلاً . فلما بلغ موضع الحجر ، قال لإسماعيل : التمس لي حجراً ، فذهب يطلب حجراً ، فجاء جبريل بالحجر الأسود ، فوضعه ، فلما جاء إسماعيل ، قال : من جاءك بهذا الحجر ؟ قال : جاء به من لم يتكل على بنائي وبنائك . وقال ابن عباس ، وابن المسيب ، وأبو العالية : رفعا القواعد التي كانت قواعد قبل ذلك . وقال السدي : لما أمره الله ببناء البيت ؛ لم يدر أين يبني ، فبعث الله له ريحاً ، فكنست حول الكعبة عن الأساس الأول الذي كان البيت عليه قبل الطوفان . قوله تعالى : { ربنا واجعلنا مسلمين لك } قال الزجاج : المسلم في اللغة : الذي قد استسلم لأمر الله ، وخضع . والمناسك : المتعبدات . فكل متعبد منسَك ومنسِك ، ومنه قيل للعابد : ناسك . وتسمى الذبيحة المتقرب بها إلى الله ، عز وجل : النسيكة . وكأن الأصل في النسك إنما هو من الذبيحة لله تعالى . قوله تعالى : { وأرنا مناسكنا } أي : مذابحنا . قاله مجاهد . وقال غيره : هي جميع أفعال الحج . وقرأ ابن كثير : { وأرنا } بجزم الراء . و { رب أرني } [ الاعراف : 143 ] . و { أرنا الَّذَينِ أضلانا } [ فصلت : 29 ] . وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي { أرنا } بكسر الراء في جميع ذلك . وقرأ أبو بكر عن عاصم وابن عامر كذلك ، إلا أنهما أسكنا الراء من { أرنا اللذين } وحدها قال الفراء : أهل الحجاز يقولون : { أرنا } وكثير من العرب يجزم الراء ، فيقول : { أرنا مناسكنا } وقرأ بها بعض الثقات . وأنشد بعضهم : @ قالت سليمى اشتر لنا دقيقاً واشترْ فعجل خادماً لبيقاً @@ وأنشدني الكسائي : @ ومن يتقْ فان الله معه ورزق الله مؤتاب وغادي @@ قال قتادة : أراهما الله مناسكهما : الموقف بعرفات ، والإفاضة من جمع ، ورمي الجمار ، والطواف ، والسعي ، وقال أبو مجلز : لما فرغ إبراهيم من البيت أتاه جبريل ، فأراه الطواف ، ثم أتى به جمرة العقبة ، فعرض له الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات ، وأعطى إبراهيم سبعاً ، وقال له : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان . ثم أتى به جمرة الوسطى ، فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات ، وأعطى إبراهيم سبع حصيات ، فقال : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان . ثم أتى به الجمرة القصوى ، فعرض لهما الشيطان ، فأخذ جبريل سبع حصيات ، وأعطى إبراهيم سبع حصيات . فقال له : ارم وكبر ، فرميا وكبرا مع كل رمية حتى غاب الشيطان ، ثم أتى به منى ، فقال : هاهنا يحلق الناس رؤوسهم ، ثم أتى به جمعاً ، فقال : هاهنا يجمع الناس ، ثم أتى به عرفة ، فقال : أعرفت ؟ قال : نعم . قال : فمن ثم سميت عرفات . قوله تعالى : { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم } في الهاء والميم من { فيهم } قولان . أحدهما : أنها تعود على الذرية ، قاله مقاتل والفراء . والثاني : على أهل مكة في قوله : { وارزق أهله } والمراد بالرسول : محمد صلى الله عليه وسلم . وقد روى أبو أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه " قيل : يا رسول الله ! ما كان بدء أمرك ؟ قال : « دعوة أبي إِبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أُمي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام » " والكتاب : القرآن . والحكمة : السنة ، قاله ابن عباس . وروي عنه : الحكمة : الفقه والحلال والحرام ، ومواعظ القرآن . وسميت الحكمة حكمة ، لأنها تمنع من الجهل . وفي قوله تعالى : { ويزكيهم } ثلاثة أقوال . أحدها : أن معناه : يأخذ الزكاه منهم فيطهرهم بها ، قاله ابن عباس والفراء . والثاني : يطهرهم من الشرك والكفر ، قاله مقاتل . والثالث : يدعوهم إلى ما يصيرون به أزكياء . قوله تعالى : { إِنك أنت العزيز } قال الخطابي : العز في كلام العرب على ثلاثة أوجه . أحدها : بمعنى الغلبة ، يقولون : من عزبزَّ . أي : من غلب سلب . يقال منه : عزَّ يعُزُّ ، بضم العين من يعز ، ومنه قوله تعالى : { وعزَّني في الخطاب } [ ص : 28 ] . والثاني : بمعنى الشدة والقوة ، يقال منه : عز يعَزُّ ، بفتح العين من يعز . والثالث : أن يكون بمعنى نفاسة القدر ، يقال منه : عز يعِزّ بكسر العين ، من يعز . ويتناول معنى العزيز على أنه الذي لا يعادله شيء ، ولا مثل له .