Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 195-196)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وأنفقوا في سبيل الله } هذه الآية نزلت على سبب ، وفيه قولان . أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما أمر بالتجهز إلى مكة ، قال ناسٌ من الأعراب : يا رسول الله ! بماذا نتجهز ؟ فوالله مالنا زاد ولا مال ! فنزلت ، قاله ابن عباس . والثاني : أن الأنصار كانوا ينفقون ويتصدقون ، فأصابتهم سنة ، فأمسكوا ؛ فنزلت ، قاله أبو جبيرة بن الضحاك . والسبيل في اللغة : الطريق . وإنما استعملت هذه الكلمة في الجهاد ، لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين . والتهلكة : بمعنى الهلاك ، يقال : هلك الرجل يهلك هلاكاً وهُلكاً وتهلكة . قال المبرد : وأراد بالأيدي : الأنفس ، فعبر بالبعض عن الكل . وفي المراد بالتهلكة هاهنا أربعة أقوال . أحدها : أنها ترك النفقة في سبيل الله ، قاله حذيفة ، وابن عباس ، والحسن ، وابن جبير ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك . والثاني : أنها القعود عن الغزو شغلاً بالمال ، قاله أبو أيوب الأنصاري . والثالث : أنها القنوط من رحمة الله ، قاله البراء ، والنعمان بن بشير ، وعبيدة . والرابع : أنها عذاب الله ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . قوله تعالى : { وَأَحسِنوا } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أن معناه : أحسنوا الإنفاق ، وهو قول أصحاب القول الأول . والثاني : أحسنوا الظن بالله ، قاله عكرمة ، وسفيان ، وهو يخرّج على قول من قال : التهلكة : القنوط ، والثالث : أن معناه : أدوا الفرائض ، رواه سفيان عن أبي إسحاق . قوله تعالى : { وأَتموا الحَجَّ والعُمْرةَ للهِ } قال ابن فارس : الحج في اللغة : القصد ، والاعتمار في الحج أصله : الزيارة . قال ثعلب : الحج بفتح الحاء : المصدر ، وبكسرها : الاسم . قال : وربما قال الفراء : هما لغتان . وذكر ابن الأنباري في العمرة قولين . أحدهما : الزيارة . والثاني : القصد . وفي إتمامها أربعة أقوال . أحدها : أن معنى إتمامها : أن يفصل بينهما ، فيأتي بالعمرة في غير أشهر الحج ، قاله عمر بن الخطاب ، والحسن ، وعطاء . والثاني : أن يحرم الرجل من دويرة أهله ، قاله علي بن أبي طالب ، وطاووس ، وابن جبير ، والثالث : أنه إذا شرع في أحدهما لم يفسخه حتى يتم ، قاله ابن عباس . والرابع : أنه فعل ما أمر الله فيهما ، قاله مجاهد . وجمهور القراء على نصب « العمرة » بايقاع الفعل عليها . وقرأ الأصمعي عن نافع والقزاز عن أبي عمرو ، والكسائي عن أبي جعفر برفعها ، وهي قراءة ابن مسعود ، وأبي رزين ، والحسن ، والشعبي . وقراءة الجمهور تدل على وجوبها . وممن ذهب إلى أن العمرة واجبة ، عليّ ، وابن عمر ، وابن عباس ، والحسن ، وابن سيرين ، وعطاء ، وطاووس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأحمد ، والشافعي ، وروي عن ابن مسعود ، وجابر ، والشعبي ، وإبراهيم ، وأبي حنيفة ، ومالك ، أنها سنة وتطوع . قوله تعالى { فإن أُحصرتم } قال ابن قتيبة : يقال : أحصره المرض والعدو : إذا منعه من السفر ، ومنه هذه الآية . وحصره العدو : إذا ضيق عليه . وقال الزجاج : يقال للرجل إذا حبس : قد حصر ، فهو محصور . وللعلماء في هذا الإحصار قولان . أحدهما : أنه لا يكون إلا بالعدو ، ولا يكون المريض محصراً . وهذا مذهب ابن عمر ، وابن عباس ، وأنس ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد . ويدل عليه قوله : { فاذا أمنتم } . والثاني : أنه يكون بكل حابس من مرض أو عدو أو عذر ، وهو قول عطاء ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبي حنيفة . وفي الكلام اختصار وحذف ، والمعنى : فإن أُحصرتم دون تمام الحج والعمرة فحللتم ؛ فعليكم ما استيسر من الهدي . ومثله { أو به أذىً من رأسه ففدية } تقديره : فحلق ، ففدية . والهدي : ما أهدي إلى البيت . وأصله : هديّ مشدد ، فخفف ، قاله ابن قتيبة . وبالتشديد يقرأ الحسن ، ومجاهد . وفي المراد { بما استيسر من الهدي } ثلاثة أقوال . أحدها : أنه شاة ، قاله علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، والحسن ، وعطاء ، وابن جبير ، وإبراهيم ، وقتادة ، والضحاك . والثاني : أنه ما تيسر من الإبل والبقر لا غير ، قاله ابن عمر ، وعائشة ، والقاسم . والثالث : أنه على قدر الميسرة ، رواه طاووس عن ابن عباس . وروي عن الحسن ، وقتادة قالا : أعلاه بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخسه شاة . وقال أحمد : الهدي من الأصناف الثلاثة ، من الإبل والبقر ، والغنم ، وهو قول أبي حنيفة ، رحمه الله ، ومالك ، والشافعي ، رحمهما الله . قوله تعالى : { حتى يبلغ الهدي محله } قال ابن قتيبة : المحل : الموضع الذي يحل به نحره ، وهو من : حل يحل . وفي المحل قولان . أحدهما : أنه الحرم ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد ، وابن سيرين ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والثاني : أنه الموضع الذي أُحصر به فيذبحه ويحل ، قاله مالك ، والشافعي ، وأحمد . قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ } هذا نزل على سبب ، وهو أن كعب بن عجرة كثر قمل رأسه حتى تهافت على وجهه ، فنزلت هذه الآية فيه فكان يقول : فيَّ نزلت خاصة . فصل قال شيخنا علي ابن عبيد الله : اقتضى قوله : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } تحريم حلق الشعر ، سواء وجد به الأذى ، أو لم يجد ، حتى نزل : { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية } فاقتضى هذا إباحة حلق الشعر عند الأذى مع الفدية ، فصار ناسخاً لتحريمه المتقدم . ومعنى الآية : فمن كان منكم - أي : من المحرمين ، محصراً كان أو غير محصر - مريضاً ، واحتاج إلى لبس أو شيء يحظره الإحرام ، ففعله ، أو به أذىً من رأسه فحلق ؛ ففدية من صيام . وفي الصيام قولان . أحدهما : أنه ثلاثة أيام ، روي في حديث كعب ابن عجرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قول الجمهور . والثاني : أنه صيام عشرة أيام ، روي عن الحسن وعكرمة ، ونافع ، وفي الصدقة قولان . أحدهما : أنه إطعام ستة مساكين ، روي في حديث كعب ، وهو قول من قال : الصوم ثلاثة أيام . والثاني : أنها إطعام عشرة مساكين ، وهو قول من أوجب صوم عشرة أيام . والنسك : ذبح شاة ، يقال : نسكت لله ، أي : ذبحت له ، وفي النسك لغتان : ضم النون والسين ، وبها قرأ الجمهور ، وضم النون مع تسكين السين ، وهي قراءة الحسن . قوله تعالى : { فاذا أمنتم } ، أي : من العدو . إذ المرض لا تؤمن معاودته وقال علقمة في آخرين : فاذا أمنتم من الخوف والمرض . { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } معناه : من بدأ بالعمرة في أشهر الحج ، وأقام الحج ، من عامه ذلك ؛ فعليه ما استيسر من الهدي . وهذا قول ابن عمر ، وابن المسيب ، وعطاء ، والضحاك . وقد سبق الكلام فيما استيسر من الهدي . { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج } قال الحسن : هي قبل التروية بيوم و [ يوم ] التروية ، و [ يوم ] عرفة ، وهذا قول عطاء ، والشعبي ، وأبي العالية ، وابن جبير ، وطاووس ، وإبراهيم ، وقد نقل عن علي رضي الله عنه ، وقد روي عن الحسن ، وعطاء قالا : في أي العشر شاء صامهن . ونقل عن طاووس ، ومجاهد ، وعطاء ، أنهم قالوا : في أي أشهر الحج شاء فليصمهن . ونقل عن ابن عمر أنه قال : من حين يحرم إلى يوم عرفة . فصل فإن لم يجد الهدي ، ولم يصم الثلاثة أيام قبل يوم النحر ، فماذا يصنع ؟ قال عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وابن جبير ، وطاووس ، وإبراهيم : لا يجزئه إلا الهدي ولا يصوم . وقال ابن عمر وعائشة : يصوم أيام منى . ورواه صالح عن أحمد ، وهو قول مالك . وذهب آخرون إلى أنه لا يصوم أيام التشريق ، بل يصوم بعدهن . روي عن عليّ . ورواه المرّوذي عن أحمد ، وهو قول الشافعي . فصل فان وجد الهدي بعد الدخول في صوم الثلاثة أيام ، لم يلزمه الخروج منه ، وهو قول مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : يلزمه الخروج ، وعليه الهدي . وقال عطاء : إن صام يومين ثم أيسر ؛ فعليه الهدي . وإن صام ثلاثة أيام ثم أيسر ؛ فليصم السبعة ، ولا هدي عليه . وفي معنى قوله : { في الحج } قولان . أحدهما : أن معناه : في أشهر الحج والثاني : في زمان الإحرام بالحج . وفي قوله تعالى : { وسبعة إِذا رجعتم } قولان . أحدهما : إذا رجعتم إلى أمصاركم ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وأبو العالية ، والشعبي ، وقتادة . والثاني : إذا رجعتم من حجكم ، وهو قول عطاء ، وسعيد بن جبير ، وأبي حنيفة ، ومالك . قال الأثرم : قلت لأبي عبيد الله ، يعني : أحمد ابن حنبل : فصيام السبعة أيام إذا رجع متى يصومهن ؟ أفي الطريق ، أم في أهله ؟ قال : كل ذلك قد تأوله الناس . قيل لأبي عبد الله : ففرّق بينهن ، فرخص في ذلك . قوله تعالى : { تلك عشرة كاملة } فيه خمسة أقوال . أحدها : أن معناه : كاملة في قيامها مقام الهدي ، وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس ، والحسن . قال القاضي أبو يعلى : وقد كان يجوز أن يظن ظان أن الثلاثة قد قامت مقام الهدي في باب استكمال الثواب ، فأعلمنا الله تعالى أن العشرة بكمالها هي القائمة مقامه . والثاني : أن الواو قد تقوم مقام « أو » في مواضع ، منها قوله : { فانحكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع } فأزال الله ، عز وجل احتمال التخيير في هذه الآية ، بقوله : { تلك عشرة كاملة } وإلى هذا المعنى ذهب الزجاج . والثالث : أن ذلك للتوكيد . وأنشدوا للفرزدق : @ ثلاث واثنتان فهن خمس وسادسة تميل إلى شمامي @@ وقال آخر : @ هلا سألت جموع كندة يوم ولوا أين أينا @@ وقال آخر : @ كم نعمة كانت له كم كم وكم @@ والقرآن نزل بلغة العرب ، وهي تكرر الشيء لتوكيده . والرابع : أن معناه : تلك عشرة كاملة في الفصل ، وإن كانت الثلاثة في الحج ، والسبعة بعد ، لئلا يسبق إلى وهم أحد أن السبعة دون الثلاثة ، قاله أبو سليمان الدمشقي . والخامس : أنها لفظة خبر ومعناها : الأمر ، فتقديره : تلك عشرة فأكملوها . قوله تعالى : { ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } في المشار إليه بذلك قولان . أحدهما : أنه التمتع بالعمرة إلى الحج . والثاني : أنه الجزاء بالنسك والصيام . واللام من « لمن » في هذا القول بمعنى : « على » . فأما حاضروا المسجد الحرام ؛ فقال ابن عباس ، وطاووس ، ومجاهد : هم أهل الحرم . وقال عطاء : من كان منزله دون المواقيت . قال ابن الأنباري : ومعنى الآية : إن هذا الفرض لمن كان من الغرباء . وإنما ذكر أهله ، وهو المراد بالحضور ، لأن الغالب على الرجل أن يسكن حيث أهله ساكنون .