Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 115-127)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ولقد عَهِدْنا إِلى آدم } أي : أمرناه وأوصيناه أن لا يأكل من الشجرة { مِنْ قَبْلُ } أي : مِنْ قبل هؤلاء الذين نقضوا عهدي وتركوا الإِيمان بي ، وهم الذين ذكرهم في قوله : { لعلَّهم يَتَّقون } ، والمعنى : أنهم إِن نقضوا العهد ، فإن آدم قد عَهِدنا إِليه { فَنَسِيَ } . وفي هذا النسيان قولان . أحدهما : أنه التَّرك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والمعنى : ترك ما أُمِر به . والثاني : أنه من النسيان الذي يخالف الذِّكْر ، حكاه الماوردي . وقرأ معاذ القارىء ، وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : « فَنُسّيَ » برفع النون وتشديد السين . قوله تعالى : { ولم نَجِدْ له عَزْماً } العَزْمُ في اللغة : توطينُ النفس على الفعل . وفي المعنى أربعة أقوال . أحدها : لم نجد له حفظاً ، رواه العوفي عن ابن عباس ، والمعنى : لم يحفظ ما أُمِر به . والثاني : صبراً ، قاله قتادة ، ومقاتل ، والمعنى : لم يصبر عمَّا نُهي عنه . والثالث : حزماً ، قاله ابن السائب . قال ابن الأنباري : وهذا لا يُخرج آدم من أُولي العزم . وإِنما لم يكن له عزم في الأكل فحسب . والرابع : عزماً في العَوْد إِلى الذَّنْب ، ذكره الماوردي . وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [ البقرة : 34 ] إِلى قوله تعالى : { فلا يخرجنَّكما من الجَنَّة فتشقى } قال المفسرون : المراد به نَصَب الدُّنيا وتعبها من تكلُّف الحرث والزرع والعجن والخَبزْ وغير ذلك . قال سعيد بن جبير : أُهبط إِلى آدم ثور أحمر ، فكان يعتمل عليه ويمسح العرق عن جبينه ، فذلك شقاؤه . قال العلماء : والمعنى : فتشقَيا ؛ وإِنما لم يقل : فتشقيا ، لوجهين . أحدهما : أن آدم هو المخاطَب ، فاكتفى به ، ومثله : { عن اليمين وعن الشمال قعيد } [ ق : 17 ] ، قاله الفراء . والثاني : أنه لما كان آدم هو الكاسب ، كان التعب في حَقِّه أكثر ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { إِن لكَ ألاَّ تجوع فيها ولا تَعْرى } قرأ أُبيّ بن كعب : « لا تُجاع ولا تُعرى » بالتاء المضمومة والألف . { وأنَّكَ لا تظمأُ } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : « وأَنَّكَ » مفتوحة الألف . وقرأ نافع ، وأبو بكر عن عاصم : « وإِنَّكَ » بكسر الألف . قال أبو علي : من فتح ، حمله على أن لك أن لا تجوع ، وأن لك أن لا تظمأ ، ومن كسر ، استأنف . قوله تعالى : { لا تَظْمَأُ فيها } أي : لا تعطش . يقال : ظمىء الرجل ظَمأً ، فهو ظمآن ، أي : عطشان . ومعنى { لا تَضْحَى } لا تبرز للشمس فيصيبك حَرُّها ، لأنه ليس في الجنة شمس . قوله تعالى : { هل أَدُلُّكَ على شجرة الخُلْد } أي : على شجرةٍ مَنْ أكل منها لم يَمُتْ { ومُلْكٍ لا يَبْلَى } جديده ولا يفنى . وما بعد هذا مفسر في [ الأعراف : 22 ] . وفي قوله تعالى : { فغوى } قولان . أحدهما : ضلَّ طريق الخلود حيث أراده من قِبَل المعصية . والثاني : فسد عليه عيشه ، لأن معنى الغيّ : الفساد . قال ابن الأنباري : وقد غلط بعض المفسرين ، فقال : معنى « غوى » : أكثر مما أكل من الشجرة حتى بشم ، كما يقال : غوى الفصيل : إِذا أكثر من لبن أَمِّه فبشم فكاد يهلك ، وهذا خطأٌ من وجهين . أحدهما : أنه لا يقال من البشم : غَوَى يَغْوِي ، وإِنما يقال : غَوِي يَغْوَى . والثاني : أن قوله تعالى : { فلما ذاقا الشجرة } [ الأعراف : 22 ] يدل على أنهما لم يُكثِرا ، ولم تتأخر عنهما العقوبة حتى يصلا إِلى الإِكثار . قال ابن قتيبة : فنحن نقول في حق آدم : عصى وغوى كما قال الله عز وجل ، ولا نقول : آدم عاصٍ وغاوٍ ، كما تقول لرجل قطع ثوبه وخاطه : قد قطعه وخاطه ، ولا تقول : هذا خياط ، حتى يكون معاوداً لذلك الفعل ، معروفاً به . قوله تعالى : { ثم اجتباه ربُّه } قد بيَّنَّا الاجتباء في [ الأنعام : 87 ] . { فتاب عليه وهدى } أي : هداه للتوبة . { قال اهْبِطا } في المشار إِليهما قولان . أحدهما : آدم وإِبليس ، قاله مقاتل . والثاني : آدم وحواء ، قاله أبو سليمان الدمشقي . ومعنى قوله تعالى : { بعضكم لبعض عدوٌ } آدم وذريته ، وإِبليس وذريته ، والحية أيضاً ؛ وقد شرحنا هذا في [ البقرة : 36 ] . قوله تعالى : { فمن اتَّبَعَ هُدَاي } أي : رسولي وكتابي { فلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى } قال ابن عباس : من قرأ القرآن واتَّبَع ما فيه ، هداه الله من الضلالة ، ووقاه سوء الحساب ، ولقد ضمن الله لمن اتَّبع القرآن أن لا يَضِلَّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ، ثم قرأ هذه الآية . قوله تعالى : { ومن أعرض عن ذِكْري } قال عطاء : عن موعظتي . وقال ابن السائب : عن القرآن ولم يؤمن به ولم يتَّبعه . قوله تعالى : { فإنَّ له معيشةً ضَنْكاً } قال أبو عبيدة : معناه : معيشة ضيِّقة ، والضَّنك يوصَف به الأنثى والذكر بغير هاءٍ ، وكل عيش أو مكان أو منزل ضيِّق ، فهو ضَنك ، وأنشد : @ وإِنْ نَزَلُوا بِضَنْكٍ فانْزلِ @@ وقال الزجاج : الضَّنْك أصله في اللغة : الضِّيق والشدَّة . وللمفسرين في المراد بهذه المعيشة خمسة أقوال . أحدها : أنها عذاب القبر ، روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أتدرون ما المعيشة الضنك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : عذاب الكافر في قبره ، والذي نفسي بيده إِنه ليسلَّط عليه تسعة وتسعون تِنِّيناً ينفخون في جسمه ويلسعونه ويخدشونه إِلى يوم القيامة " وممن ذهب إِلى أنه عذاب القبر ابن مسعود ، وأبو سعيد الخدري ، والسدي . والثاني : أنه ضغطة القبر حتى تختلف أضلاعه فيه ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثالث : شِدَّة عيشه في النار ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . قال ابن السائب : وتلك المعيشة من الضريع والزقُّوم . والرابع : أن المعيشة الضَّنْك : كسب الحرام ، روى الضحاك عن ابن عباس قال : المعيشة الضَّنْك : أن تضيق عليه أبواب الخير فلا يهتدى لشيء منها ، وله معيشة حرام يركض فيها . قال الضحاك : فهذه المعيشة هي الكسب الخبيث ، وبه قال عكرمة . والخامس : أن المعيشة الضَّنْك : المال الذي لا يتَّقي اللهَ صاحبُه فيه ، رواه العوفي عن ابن عباس . فخرج في مكان المعيشة ثلاثة أقوال . أحدها : القبر . والثاني : الدنيا . والثالث : جهنم . وفي قوله تعالى : { ونحشره يوم القيامة أعمى } قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : « أعمى » « حشرتَني أعمى » بفتح الميمين . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم بكسرهما . وقرأ نافع بين الكسر والفتح . ثم في هذا العمى للمفسرين قولان . أحدهما : أعمى البصر ، روى أبو صالح عن ابن عباس قال : إِذا أُخرج من القبر خرج بصيراً ، فإذا سيق إِلى المحشر عمي . والثاني : أعمى عن الحُجَّة ، قاله مجاهد ، وأبو صالح . قال الزجاج : معناه : فلا حُجَّة له يهتدي بها ، لأنه ليس للناس على الله حُجَّة بعد الرسل . قوله تعالى : { كذلك } أي : الأمر كذلك كما ترى { أتتكَ آياتنا فنسيتَها } أي : فتركتَها ولم تؤمن بها ؛ وكما تركتَها في الدنيا تُترَك اليوم في النار . { وكذلك } أي : وكما ذكرنا { نجزي من أسرف } أي : أشرك ، { ولَعذاب الآخرة أشدُّ } من عذاب الدنيا ومن عذاب القبر { وأبقى } لأنه يدوم .