Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 36-42)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قال قد أُوتِيتَ سؤلك } قال ابن قتيبة : أي : طَلِبَتَكَ ، وهو « فُعْل » من « سَأَلْت » ، أي : أُعطيتَ ما سألتَ . قوله تعالى : { ولقد مَنَنّا عليكَ } أي : أنعمنا عليكَ { مَرَّة أخرى } قبل هذه المَرَّة . ثم بيَّن متى كانت بقوله : { إِذ أَوحينا إِلى أُمِّك ما يوحى } أي : ألهمناها ما يُلهم مما كان سبباً لنجاتك ، ثم فسر ذلك بقوله : { أن اقذفيه في التابوت } وقذف الشيء : الرمي به . فإن قيل : ما فائدة قوله : « ما يوحى » وقد علم ذلك ؟ فقد ذكر عنه ابن الأنباري جوابين . أحدهما : أن المعنى : أوحينا إِليها الشيء الذي يجوز أن يوحى إِليها ، إِذ ليس كل الأمور يصلح وحيه إِليها ، لأنها ليست بنبيّ ، وذلك أنها أُلهمت . والثاني : أن « ما يوحى » أفاد توكيداً ، كقوله : { فغشّاها ما غشّى } [ النجم : 54 ] . قوله تعالى : { فَلْيُلقِه اليمُّ } قال ابن الأنباري : ظاهر هذا الأمرُ ، ومعناه معنى الخبر ، تأويله : يلقيه [ اليمُّ ] ، ويجوز أن يكون البحر مأموراً بآلة ركَّبها الله تعالى فيه ، فسمع وعقل ، كما فعل ذلك بالحجارة والأشجار . فأما الساحل ، فهو : شط البحر . { يأخذْه عدوٌّ لي وعدوٌّ له } يعني : فرعون . قال المفسرون : اتخذت أُمُّه تابوتاً وجعلت فيه قطناً محلوجاً ، ووضعت فيه موسى وأَحكمت بالقار شقوق التابوت ، ثم ألقته في النيل ، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون ، فبينا هو جالس على رأس البركة مع امرأته آسية ، إِذا بالتابوت ، فأمر الغلمان والجواري بأخذه ، فلما فتحوه رأَوا صبياً من أصبح الناس وجهاً ؛ فلما رآه فرعون أحبَّه حُبّاً شديداً ، فذلك قوله : { وألقيتُ عليكَ محبَّة مِنِّي } ، [ قال أبو عبيدة : ومعنى « ألقيتُ عليكَ » أي : جعلتُ لكَ مَحَبَّة مِنّي ] . قال ابن عباس : أَحَبَّه وحبَّبَه إِلى خَلْقه ، فلا يلقاه أحد إِلا أحبَّه من مؤمن وكافر . وقال قتادة : كانت في عينيه مَلاحة ، فما رآه أحد إِلا حبَّه . قوله تعالى : { ولِتُصْنَع على عيني } وقرأ أبو جعفر : « ولْتُصنعْ » بسكون اللام والعين والإِدغام . قال قتادة : لتُغذى على محبتي وإِرادتي . قال أبو عبيدة : على ما أُريد وأُحِبّ . قال ابن الأنباري : هو من قول العرب : غُذي فلان على عيني ، أي : على المَحَبَّة مِنّي . وقال غيره : لتُرَبَّى وتغذى بمرأىً مني ، يقال : صنع الرَّجل جاريته : إِذا ربَّاها ؛ وصنع فرسه : إِذا داوم على علفه ومراعاته ، والمعنى : ولِتُصْنَعَ على عيني ، قدَّرنا مشي أختك وقولها : { هل أَدُلُّكم على من يَكْفُلُه } لأن هذا كان من أسباب تربيته على ما أراد الله عز وجل . فأما أُخته ، فقال مقاتل : اسمها مريم . قال الفراء : وإِنما اقتصر على ذِكْر المشي ، ولم يذكر أنها مشت حتى دخلت على آل فرعون فدلَّتهم على الظِّئر ، لأن العرب تجتزىء بحذف كثير من الكلام ، وبقليله ، إِذا كان المعنى معروفاً ، ومثله قوله : { أنا أُنبِّئكم بتأويله فأرسلون } [ يوسف : 45 ] ، ولم يقل : فأُرسل حتى دخل على يوسف . قال المفسرون : سبب مشي أُخته أن أُمَّه قالت لها : قُصِّيه ، فاتَّبعت موسى على أثر الماء ، فلما التقطه آل فرعون جعل لا يقبل ثدي امرأة ، فقالت لهم أُخته : « هل أدُلُّكم على من يَكْفُلُه » أي : يُرْضِعه ويضمه إِليه ، فقيل لها : ومن هي ؟ فقالت : أُمي ، قالوا : وهل لها لبن ؟ قالت : لبن أخي هارون ، وكان هارون أسنَّ من موسى بثلاث سنين ، فأرسلوها ، فجاءت بالأم فقبل ثديها ، فذلك قوله : { فرجعناك إِلى أُمِّك } أي : رددناك إِليها { كي تَقَرَّ عينها } بك وبرؤيتك . { وقتلتَ نَفْساً } يعني : القبطي الذي وكزه فقضى عليه ، وسيأتي ذِكْره إِن شاء الله تعالى { فنجَّيناك من الغَمِّ } وكان مغموماً مخافةَ أن يُقْتَل به ، فنجّاه الله بأن هرب إِلى مَدْيَن ، { وفَتَنَّاكَ فُتُوناً } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : اختبرناك اختباراً ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : أخلصناك إِخلاصاً ، رواه الضحاك عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد . والثالث : ابتليناك ابتلاءً ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال قتادة . وقال الفراء : ابتليناك بغم القتيل ابتلاءً . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الفتون : وقوعُه في محنة بعد محنة خلَّصه الله منها ، أولها أن أُمَّه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال ، ثم إِلقاؤه في البحر ، ثم منعه الرضاع إِلا من ثدي أمه ، ثم جرُّه لحية فرعون حتى همَّ بقتله ، ثم تناوله الجمرة بدل الدُّرَّة ، ثم قتله القبطيّ ، ثم خروجه إِلى مَدْيَن خائفاً ؛ وكان ابن عباس يقصُّ هذه القصص على سعيد بن جبير ، ويقول له عند كل ثلاثة : وهذا من الفُتون يا ابن جبير ؛ فعلى هذا يكون « فتنَّاكَ » خلَّصناكَ من تلك المحن كما يُفْتَن الذهب بالنار فيخلص من كل خبث . والفتون : مصدر . قوله تعالى : { فلبثتَ سنين } تقدير الكلام : فخرجتَ إِلى أهل مدين . ومدين : بلد شعيب ، وكان على ثمان مراحل من مصر ، فهرب إِليه موسى . وقيل مدين اسم رجل ، وقد سبق هذا [ الأعراف : 86 ] . وفي قدر لبثه هناك قولان . أحدهما : عشر سنين ؛ قاله ابن عباس ، ومقاتل . والثاني : ثمان وعشرون سنة ، عشر منهنَّ مهر امرأته ، وثمان عشرة أقام حتى وُلد له ، قاله وهب . قوله تعالى : { ثم جئتَ على قَدَر } أي : جئتَ لميقاتٍ قدَّرتُه لمجيئكَ قبل خَلْقِك ، وكان ذلك على رأس أربعين سنة ، وهو الوقت الذي يوحى فيه إِلى الأنبياء ، هذا قول الأكثرين . وقال الفراء : « على قَدَرٍ » أي : على ما أراد الله به من تكليمه . قوله تعالى : { واصطنعتُكَ لنفسي } أي : اصطفيتُك واختصصتك ، والاصطناع : اتخاذ الصنيعة ، وهو الخير تسديه إِلى إِنسان . وقال ابن عباس : اصطفيتك لرسالتي ووحيي { اذهب أنت وأخوك بآياتي } وفيها ثلاثة أقوال . أحدها : أنها العصا واليد . وقد يُذْكَر الاثنان بلفظ الجمع . والثاني : العصا واليد وحَلُّ العُقدة التي ما زال فرعون وقومه يعرفونها ، ذكرهما ابن الأنباري . والثالث : الآيات التسع . والأول أصح . قوله تعالى : { ولا تَنِيَا } قال ابن قتيبة : لا تَضْعُفا ولا تفْتُرا ؛ يقال : ونَى يني في الأمر ؛ وفيه لغة أخرى : وَنَيَ ، يونى . وفي المراد بالذِّكْر هاهنا قولان . أحدهما : أنه الرسالة إِلى فرعون . والثاني : أنه القيام بالفرائض والتسبيحُ والتهليل .