Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 9-16)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وهل أتاكَ حديث موسى } هذا استفهام تقرير ، ومعناه : قد أتاك . قال ابن الأنباري : وهذا معروف عند اللغويين أن تأتي « هل » معبرة عن « قد » ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفصح العرب : " اللهم هل بلَّغتُ " يريد : قد بلَّغت . قال وهب بن منبِّه : استأذن موسى شعيباً عليهما السلام في الرجوع إِلى والدته ، فأذن له ، فخرج بأهله ، فوُلد له في الطريق في ليلة شاتية ، فقدح فلم يُور الزِّناد ، فبينا هو في مزاولة ذلك ، أبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق ؛ وقد ذكرنا هذا الحديث بطوله في كتاب « الحدائق » فكرهنا إِطالة التفسير بالقصص ، لأن غرضنا الاقتصار على التفسير ليسهل حفظه . قال المفسرون : رأى نوراً ، ولكن أخبر بما كان في ظن موسى . { فقال لأهله } يعنى : امرأته { امكثوا } اي : أقيموا مكانكم . وقرأ حمزة : « لأَهْلِهُ امْكُثُوا » بضم الهاء هاهنا وفي [ القصص : 29 ] . { إِنِّي آنستُ ناراً } قال الفراء : إِني وجدت ، يقال : هل آنستَ أحداً ، أي : وجدتَ ؟ وقال ابن قتيبة : « آنستُ » بمعنى أبصرتُ . فأما القَبَس ، فقال الزجاج : هو ما أخذته من النار في رأس عود أو في رأس فتيلة . قوله تعالى : { أو أَجِدُ على النّار هدىً } قال الفراء : أراد : هادياً ، فذكره بلفظ المصدر . قال ابن الأنباري : يجوز أن تكون « على » هاهنا بمعنى « عند » ، وبمعنى « مع » ، وبمعنى الباء . وذكر أهل التفسير أنه كان قد ضَلَّ الطريق ، فعلم أن النار لا تخلو من مُوقِد . وحكى الزجاج : أنه ضل عن الماء ، فرجا أن يجد من يهديه الطريق أو يدلّه على الماء . قوله تعالى : { فلما أتاها } يعني : النار { نودي يا موسى إِنّي أنا ربُّك } إِنما كرَّر الكناية ، لتوكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإِزالة الشبهة ، ومثله { إِنّي أنا النذير المبين } [ الحجر : 89 ] . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر : « أَنِّيَ » بفتح الألف والياء . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : « إِنِّي » بكسر الألف ، إِلا أن نافعاً فتح الياء . قال الزجاج : من قرأ : « أَنِّي أنا » بالفتح ، فالمعنى : نودي [ بأني أنا ربك ، ومن قرأ بالكسر ، فالمعنى : نودي ] يا موسى ، فقال الله : إِنِّي أنا ربُّك . قوله تعالى : { فاخلع نعليكَ } في سبب أمره بخلعهما قولان . أحدهما : أنهما كانا من جلدِ حمارٍ ميت ، رواه ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه قال علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ، وعكرمة . والثاني : أنهما كانا من جلد بقرة ذُكِّيتْ ، ولكنه أُمر بخلعهما ليباشر تراب الأرض المقدسة ، فتناله بركتها ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة . قوله تعالى : { إِنَّكَ بالواد المقدَّس } فيه قولان قد ذكرناهما في [ المائدة : 21 ] عند قوله : { الأرضَ المقدسةَ } . قوله تعالى : { طُوى } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : « طُوى وأنا » غير مُجْراة . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : « طُوىً » مُجْراة ؛ وكلُّهم ضم الطاء . وقرأ الحسن ، وأبو حيوة : « طِوىً » بكسر الطاء مع التنوين . وقرأ عليّ بن نصر عن أبي عمرو : « طِوى » بكسر الطاء من غير تنوين . قال الزجاج : في « طُوى » أربعة أوجه . طُوى ، بضم أوَّله من غير تنوين وبتنوين . فمن نوَّنه ، فهو اسم للوادي . وهو مذكَّر سمي بمذكَّر على فُعَلٍ نحو حُطَمٍ وصُرَدٍ ، ومن لم ينوِّنه ترك صرفه من جهتين . إِحداهما : أن يكون معدولاً عن طاوٍ ، فيصير مثل « عُمَرَ » المعدول عن عامر ، فلا ينصرف كما لا ينصرف « عُمَر » . والجهة الثانية : أن يكون اسماً للبقعة ، كقوله : { في البقعة المباركة } [ القصص : 30 ] ، وإِذا كُسِر ونوِّن فهو مثل مِعىً . والمعنى : المقدَّس مَرَّة بعد مَرَّة ، كما قال عدي بن زيد : @ أَعاذِلَ ، إِنَّ اللَّومَ في غَيْرِ كُنْهِهِ عليَّ طوىً مِن غَيِّك المُتَردِّد @@ أي : اللوم المكرَّر عليَّ ؛ ومن لم ينوِّن جعله اسماً للبقعة . [ وللمفسرين في معنى « طوىً » ثلاثة أقوال . أحدها : أنه اسم الوادي ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : أن معنى « طوى » : طأِ الوادي ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وعن مجاهد كالقولين . والثالث : أنه قدِّس مرتين ، قاله الحسن ، وقتادة ] . قوله تعالى : { وأنا اخترتُك } أي : اصطفيتُك . وقرأ حمزة ، والمفضل : « وأنَّا » بالنون المشددة « اخترناكَ » بألف . { فاستمع لِما يوحى } أي : للذي يوحى . قال ابن الأنباري : الاستماع هاهنا محمول على الإِنصات ، المعنى : فأنصت لوحيي ، والوحي هاهنا قوله : { إِنني أنا الله لا إِله إِلا أنا فاعبدني } أي : وحِّدني ، { وأقم الصلاة لِذِكْرِي } فيه قولان . أحدهما : أقم الصلاة متى ذكرتَ أن عليكَ صلاةً ، سواء كنتَ في وقتها أو لم تكن ، هذا قول الأكثرين . وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من نسي صلاة فليصلها إِذا ذكرها ، لا كفارة لها غير ذلك ، وقرأ : { أَقِم الصَّلاة لذِكْرِي } " . والثاني : أقم الصلاة لتَذْكُرَني فيها ، قاله مجاهد . وقيل : إِن الكلام مردود على قوله : { فاستمع } ، فيكون المعنى : فاستمع لما يوحى ، واستمع لذِكْري . وقرأ ابن مسعود ، وأُبيُّ بن كعب ، وابن السميفع : « وأقم الصلاة للذِّكْرى » بلامين وتشديد الذال . قوله تعالى : { أكادُ أخفيها } أكثر القراء على ضم الألف . ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها : أكاد أخفيها من نفسي ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد في آخرين . وقرأ ابن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، ومحمد بن عليّ : أكاد أخفيها من نفسي ، قال الفراء : المعنى : فكيف أُظهركم عليها ؟ ! قال المبرِّد : وهذا على عادة العرب ، فإنهم يقولون إِذا بالغوا في كتمان الشيء : كتمتُه حتى مِنْ نَفْسي ، أي : لم أُطلع عليه أحداً . والثاني : أن الكلام تم عند قوله : « أكاد » ، وبعده مضمر تقديره : أكاد آتي بها ، والابتداء : أخفيها ، قال ضابىء البرجمي : @ هَمَمْتُ ولَم أَفْعَلْ وكِدْتُ ولَيْتَنِي تَرَكْتُ على عُثْمانَ تَبْكِي حَلاَئِلُهْ @@ أراد : كدتُ أفعل . والثالث : أن معنى « أكاد » : أريد ، قال الشاعر : @ كادَتْ وكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ لَوْ عَادَ مِنْ لَهْو الصَّبابَة مَا مَضَى @@ معناه : أرادت وأردتُ ، ذكرهما ابن الأنباري . فإن قيل : فما فائدة هذا الإِخفاء الشديد ؟ فالجواب : أنه للتحذير والتخويف ، ومن لم يعلم متى يهجم عليه عدوُّه كان أشد حذراً . وقرأ سعيد بن جبير ، وعروة ابن الزبير ، وأبو رجاء العطاردي ، وحميد بن قيس ، « أَخفيها » بفتح الألف . قال الزجاج : ومعناه : أكاد أظهرها ، قال امرؤ القيس : @ فإنْ تَدفِنُوا الدَّاءَ لا نَخْفِهِ وإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ @@ أي : إِن تدفنوا الداء لا نُظهره . قال : وهذه القراءة أَبْيَن في المعنى ، لأن معنى « أكاد أُظهرها » : قد أخفيتُها وكدت أُظهرها . { لتُجزى كُلُّ نَفْسٍ بما تسعى } أي : بما تعمل . و « لتُجزى » متعلق بقوله : « إِن الساعة آتية » لتجزى ، ويجوز أن يكون على « أقم الصلاة لذكري » لتجزى . قوله تعالى : { فلا يصدَّنَّك عنها } أي : عن الإِيمان بها { من لا يؤمِنُ بها } أي : من لا يُؤمِن بكونها ؛ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لجميع أُمَّته ، { واتَّبَعَ هواه } أي : مُراده وخالف أمر الله عز وجل ، { فتردى } أي : فتَهلِك ؛ قال الزجاج : يقال : رَدِي يَرْدَى : إِذا هلك .