Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 101-107)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِن الذين سبقت لهم مِنّا الحسنى } سبب نزولها أنه " لما نزلت « إِنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم » شَقَّ ذلك على قريش ، وقالوا : شتم آلهتنا ، فجاء ابن الزّبعرى ، فقال : ما لكم ؟ قالوا : شتم آلهتنا ، قال : وما قال ؟ فأخبروه ، فقال : ادعوه لي ، فلما دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يا محمد ، هذا شيء لآلهتنا خاصة ، أو لكل من عُبد من دون الله ؟ قال : « لا ، بل لكل من عُبد من دون الله » ، فقال ابن الزِّبعرى : خُصمْتَ وربِّ هذه البنية ، ألستَ تزعم أن الملائكة عباد صالحون ، وأن عيسى عبد صالح ، وأن عزيراً عبد صالح ، فهذه بنو مليح يعبدون الملائكة ، وهذه النصارى تعبد عيسى ، وهذه اليهود تعبد عزيراً ، فضج أهل مكة " ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . وقال الحسين بن الفضل : إِنما أراد بقوله : { وما تعبدون } الأصنام دون غيرها . لأنه لو أراد الملائكة والناس ، لقال : « ومَنْ » ، وقيل : « إِنَّ » بمعنى : « إِلاَّ » ، فتقديره : إِلا الذين سبقت لهم مِنّا الحسنى ، وهي قراءة ابن مسعود ، وأبي نهيك ، فإنهما قرءا : « إِلا الذين » . وروي عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ هذه الآية ، فقال : أنا منهم ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمن . وفي المراد بالحسنى قولان . أحدهما : الجنة ، قاله ابن عباس ، وعكرمة . والثاني : السعادة ، قاله ابن زيد . قوله تعالى : { أولئك عنها } أي : عن جهنم ، وقد تقدم ذكرها { مُبْعَدُون } والبعد : طول المسافة ، والحسيس : الصوت تسمعه من الشيء إِذا مَرَّ قريباً منك . قال ابن عباس : لا يسمع أهل الجنة حسيس أهل النار إِذا نزلوا منازلهم من الجنة . قوله تعالى : { لا يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر } وقرأ أبو رزين ، وقتادة ، وابن أبي عبلة ، وابن محيصن ، وأبو جعفر الشيزري عن الكسائي : « لا يُحْزِنُهُم » بضم الياء وكسر الزاي . وفي الفزع الأكبر أربعة أقوال . أحدها : أنه النفخة الآخرة ، رواه العوفي عن ابن عباس ؛ وبهذه النفخة يقوم الناس من قبورهم ، ويدل على صحة هذا الوجه قوله تعالى : { وتتلقاهم الملائكة } . والثاني : أنه إِطباق النار على أهلها ، رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك . والثالث : أنه ذبح الموت بين الجنة والنار ، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً ، وبه قال ابن جريج . والرابع : أنه حين يؤمر بالعبد إِلى النار ، قاله الحسن البصري . وفي مكان تلقّي الملائكة لهم قولان . أحدهما : إِذا قاموا من قبورهم ، قاله مقاتل . والثاني : على أبواب الجنة ، قاله ابن السائب . قوله تعالى : { هذا يومُكم } فيه إِضمار : « يقولون » هذا يومكم { الذي كنتم توعدون } فيه الجنة . قوله تعالى : { يوم نَطْوي السماءَ } وقرأ أبو العالية ، وابن أبي عبلة ، وأبو جعفر : « تُطْوى » بتاء مضمومة « السماءُ » بالرفع ؛ وذلك بمحو رسومها ، وتكدير نجومها ، وتكوير شمسها ، { كطيِّ السِّجِلِّ للكتاب } قرأ الجمهور : « السِّجِلِّ » بكسر السين والجيم وتشديد اللام . وقرأ الحسن ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، ومحبوب عن أبي عمرو : « السِّجْلِ » بكسر السين وإِسكان الجيم خفيفة . وقرأ أبو السماك كذلك ، إِلا أنه فتح الجيم . قوله تعالى : { للكتاب } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : « للكتاب » . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : « للكتب » على الجمع . وفي السّجل أربعة أقوال . أحدها : أنه مَلك ، قاله علي بن أبي طالب ، وابن عمر ، والسدي . والثاني : أنه كاتِب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس . والثالث : أن السجل بمعنى : الرجل ، روى أبو الجوزاء عن ابن عباس ، قال : السجل : هو الرجل . قال شيخنا أبو منصور اللغوي : وقد قيل : « السجل » بلغة الحبشة : الرجل . والرابع : أنه الصحيفة . رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والفراء ، وابن قتيبة . وقرأت على شيخنا أبي منصور ، قال : قال أبو بكر ، يعني ابن دريد ـ : السجل : الكتاب ، والله أعلم ؛ ولا ألتفت إِلى قولهم : إِنه فارسي معرب ، والمعنى : كما يُطوى السجل على ما فيه من كتاب . و « اللام » بمعنى « على » . وقال بعض العلماء : المراد بالكتاب : المكتوب ، فلما كان المكتوب ينطوي بانطواء الصحيفة ، جعل السجل كأنه يطوي الكتاب . ثم استأنف ، فقال تعالى : { كما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْق نُعيده } الخلق هاهنا مصدر ، وليس بمعنى المخلوق . وفي معنى الكلام أربعة أقوال . أحدها : كما بدأناهم في بطون أُمَّهاتهم حفاةً عُراةً غُرلاً ، كذلك نعيدهم يوم القيامة ؛ روي عن ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يحشر الناس يوم القيامة عراةً حفاةً غرلاً كما خُلقوا ، ثم قرأ : كما بدأنا أول خلق نعيده " ؛ وإِلى هذا المعنى ذهب مجاهد . والثاني : أن المعنى : إِنا نُهلك كل شيء كما كان أول مرة ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث : أن السماء تمطر أربعين يوماً كمني الرجال ، فينبتون بالمطر في قبورهم ، كما ينبتون في بطون أُمَّهاتهم ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والرابع : أن المعنى : قُدرتنا على الإِعادة كقُدرتنا على الابتداء ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { وَعْداً } قال الزجاج : هو منصوب على المصدر ، لأن قوله تعالى : « نعيده » بمعنى : وعدنا هذا وعداً ، { إِنّا كُنّا فاعلين } أي : قادرين على فعل ما نشاء . وقال غيره : إِنا كنا فاعلين ما وَعَدْنا . قوله تعالى : { ولقد كَتَبْنَا في الزَّبور من بعد الذِّكْر } فيه أربعة أقوال . أحدها : أن الزَّبور جميع الكتب المنزَلة من السماء ، و « الذِّكْر » : أُمُّ الكتاب الذي عند الله ، قاله سعيد بن جبير في رواية ، ومجاهد ، وابن زيد ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية ابن جبير ، فإنه قال : الزبور : التوارة والإِنجيل والقرآن ، والذِّكر : الذي في السماء . والثاني : أن الزبور : الكتب ، والذِّكر : التوراة ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث : أن الزبور : القرآن ، والذِّكْر : التوراة والإِنجيل ، قاله سعيد بن جبير في رواية . والرابع : أن الزبور : زبور داود ، والذِّكْر : ذِكْر موسى ، قاله الشعبي . وفي الأرض المذكورة هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها : أنها أرض الجنة ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال الأكثرون . والثاني : أرض الدنيا ، وهو منقول عن ابن عباس أيضاً . والثالث : الأرض المقدسة ، قاله ابن السائب . وفي قوله تعالى : { يرثها عباديَ الصالحون } ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . وفي رواية : ترث أُمَّة محمد أرض الدنيا بالفتوح . والثاني : بنو إِسرائيل ، قاله ابن السائب . والثالث : أنه عامّ في كل صالح ، قاله بعض فقهاء المفسرين . قوله تعالى : { إِن في هذا } يعني : القرآن { لَبَلاغاً } أي : لَكِفاية ؛ والمعنى : أن من اتَّبع القرآن وعمل به ، كان القرآن بلاغه إِلى الجنة . وقوله تعالى : { لقوم عابدين } قال كعب : هم أُمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين يصلُّون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان . قوله تعالى : { وما أرسلناكَ إِلا رحمة للعالَمين } قال ابن عباس : هذا عامّ للبَرِّ والفاجر ، فمن آمن به تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة ، ومن كفر به صُرفت عنه العقوبة إِلى الموت والقيامة . وقال ابن زيد : هو رحمة لمن آمن به خاصة .