Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 16-24)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين } أي : لم نخلق ذلك عبثاً ، إِنما خلقناهما دلالة على قدرتنا ووحدانيَّتِنا ليعتبر الناس بخَلْقه ، فيعلموا أن العبادة لا تصلح إِلا لخالقه ، لنجازيَ أولياءنا ، ونعذِّبَ أعداءنا . قوله تعالى : { لو أردنا أن نَتَّخذ لهواً } في سبب نزولها قولان . أحدهما : أن المشركين لما قالوا : الملائكة بنات الله والآلهة بناته ، نزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أن نصارى نجران قالوا : إِن عيسى ابن الله ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل . وفي المراد باللهو ثلاثة أقوال . أحدها : الولد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال السدي . قال الزجاج : المعنى : لو أردنا أن نتخذ ولداً ذا لهوٍ نُلْهَى به . والثاني : المرأة ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة . والثالث : اللعب ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . قوله تعالى : { لاتَّخذناه من لَدُنَّا } قال ابن جريج : لاتَّخذنا نساءً أو ولداً من أهل السماء ، لا من أهل الأرض . قال ابن قتيبة : وأصل اللهو : الجماع ، فكُنِّي عنه باللهو ، كما كُنِّيَ عنه بالسِّرِّ ، والمعنى : لو فعلنا ذلك لاتَّخذناه من عندنا ، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده ، لا عند غيره . وفي قوله { إِنْ كنا فاعلين } قولان . أحدهما : أن « إِنْ » بمعنى « ما » ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة . والثاني : أنها بمعنى الشرط . قال الزجاج : والمعنى : إِن كنا نفعل ذلك ، ولسنا ممن يفعله ؛ قال : والقول الأول قول المفسرين ، والثاني : قول النحويين ، وهم يستجيدون القول الأول أيضاً ، لأن « إِنْ » تكون في موضع النفي ، إِلا أنَّ أكثر ما تأتي مع اللام ، تقول : إِن كنت لَصالحاً ، معناه : ما كنت إِلاَّ صالحاً . قوله تعالى : { بل } أي : دع ذاك الذي قالوا ، فإنه باطل { نقذف بالحق } أي : نسلّط الحق وهو القرآن { على الباطل } وهو كذبهم { فَيَدْمَغُهُ } قال ابن قتيبة : أي : يكسره ، وأصل هذا إِصابة الدماغ بالضرب ، وهو مقتل { فإذا هو زاهق } أي : زائل ذاهب . قال المفسرون : والمعنى : إِنا نبطل كذبهم بما نبيِّن من الحق حتى يضمحلَّ ، { ولكم الويل مما تَصِفُون } أي : من وصفكم الله بما لا يجوز { وله من في السموات والأرض } يعني : هم عبيده ومُلْكه { ومَنْ عنده } يعني : الملائكة . وفي قوله : { ولا يَسْتَحْسِرُون } ثلاثة أقوال . أحدها : لا يرجعون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : لا ينقطعون ، قاله مجاهد . وقال ابن قتيبة : لا يعيَون ، والحَسِر : المنقطع الواقف إِعياءً وكلالاً . والثالث : لا يملُّون ، قاله ابن زيد . قوله تعالى : { لا يَفْتُرون } قال قتادة : لا يسأَمون . وسئل كعب : أما يَشْغَلُهم شأن ؟ أما تَشْغَلُهم حاجة ؟ فقال للسائل : يا ابن أخي ، جُعل لهم التسبيحُ كما جُعل لكم النَّفَسُ ، ألستَ تأكل وتشرب وتقوم وتجلس وتجيء وتذهب وتتكلم وأنت تتنفس ؟ ! فكذلك جُعل لهم التسبيح . ثم إِن الله تعالى عاد إِلى توبيخ المشركين فقال : { أم اتَّخَذوا آلهة من الأرض } لأن أصنامهم من الأرض هي ، سواء كانت من ذهب أو فضة أو خشب أو حجارة { هُمْ } يعني : الآلهة { يُنْشِرون } أي : يُحْيُون الموتى . وقرأ الحسن : « يَنشُرون » بفتح الياء وضم الشين . وهذا استفهام بمعنى الجحد ، والمعنى : ما اتخذوا آلهة تَنْشُر ميتاً . { لو كان فيهما } يعني : السماء والأرض { آلهةٌ } يعني : معبودين { إِلا الله } قال الفراء : سوى الله . وقال الزجاج : غير الله . قوله تعالى : { لفَسَدَتَا } أي : لخربتا وبطلتا وهلكَ من فيهما ، لوجود التمانع بين الآلهة ، فلا يجري أمر العالَم على النظام ، لأن كل أمر صدر عن اثنين فصاعداً لم يَسْلَم من الخلاف . قوله تعالى : { لا يُسأَل عمَّا يَفْعَل } أي : عمَّا يَحْكُم في عباده من هدي وإِضلال ، وإِعزاز وإِذلال ، لأنه المالك للخلق ، والخلق يُسأَلون عن أعمالهم ؛ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم ، ولمَّا أبطل عز وجل أن يكون إِله سواه من حيث العقل بقوله : { لفسدتا } ، أبطل ذلك من حيث الأمر فقال : { أم اتَّخَذوا من دونه آلهة } وهذا استفهام إِنكار وتوبيخ { قل هاتوا برهانكم } على ما تقولون ، { هذا ذِكْر مَنْ معي } يعني : القرآن خبر مَن معي على ديني ممن يتبعني إِلى يوم القيامة بمالهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية { وذِكْر مَنْ قبلي } يعني : الكتب المنزلة ، والمعنى : هذا القرآن ، وهذه الكتب التي أُنزلت قبله ، فانظروا هل في واحد منها أن الله أمر باتخاذ إِله سواه ؟ فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود غيره من حيث الأمر به . قال الزجاج : قيل لهم : هاتوا برهانكم بأن رسولاً من الرسل أخبر أُمَّته بأن لهم إلهاً غير الله ! . قوله تعالى : { بل أكثرهم } يعني : كفار مكة { لا يعلمون الحقَّ } وفيه قولان . أحدهما : أنه القرآن ، قاله ابن عباس . والثاني : التوحيد ، قاله مقاتل . { فهم مُعْرِضُون } عن التفكُّر والتأمُّل وما يجب عليهم من الإِيمان .