Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 83-86)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وأيُّوبَ إِذ نادى ربَّه } أي : دعا ربَّه { أنِّي } وقرأ أبو عمران الجوني : « إِني » بكسر الهمزة ، { مَسَّنيَ الضُّرُّ } وقرأ حمزة : « مَسَّنِيْ » بتسكين الياء ، أي : أصابني الجَهْد ، { وأنت أرحم الراحمين } أي : أكثرهم رحمة ، وهذا تعريض منه بسؤال الرحمة إِذ أثنى عليه بأنه الأرحم وسكت . الإِشارة إِلى قصته ذكر أهل التفسير أن أيوب عليه السلام كان أغنى أهل زمانه ، وكان كثير الإِحسان . فقال إِبليس : يا رب سلِّطني على ماله وولده وكان له ثلاثة عشر ولداً فإن فعلتَ رأيتَه كيف يُطيعني ويَعصيكَ ، فقيل له : قد سلَّطْتُكَ على ماله وولده ، فرجع إِبليس فجمع شياطينه ومردته ، فبعث بعضهم إِلى دوابِّه ورعاته ، فاحتملوها حتى قذفوها في البحر ، وجاء إِبليس في صورة قيِّمه ، فقال : يا أيوب ألا أراك تصلِّي وقد أقبلتْ ريح عاصف فاحتملت دوابَّك ورعاتها حتى قذفَتْها في البحر ؟ فلم يردَّ عليه شيئاً حتى فرغ من صلاته ، ثم قال الحمد لله الذي رزقني ثم قبله مِنِّي ، فانصرف خائباً ، ثم أرسل بعض الشياطين إِلى جنانه وزروعه ، فأحرقوها ، وجاء فأخبره ، فقال مثل ذلك ، فأرسل بعض الشياطين فزلزلوا منازل أيوب وفيها ولده وخدمه ، فأهلكوهم ، وجاء فأخبره ، فحمد الله ، وقال لإِبليس وهو يظنه قيِّمه في ماله : لو كان فيكَ خير لقبضكَ معهم ، فانصرف خائباً ، فقيل له : كيف رأيتَ عبدي أيوب ؟ قال : يا ربِّ سلِّطني على جسده فسوف ترى ، قيل له : قد سلَّطْتُكَ على جسده ، فجاء فنفخ في إِبهام قدميه ، فاشتعل فيه مثل النار ، ولم يكن في زمانه أكثر بكاءً منه خوفاً من الله تعالى ، فلما نزل به البلاء لم يبكِ مخافة الجزع ، وبقي لسانُه للذِّكر ، وقلبه للمعرفة والشُّكر ، وكان يرى أمعاءه وعروقه وعظامه ، وكان مرضه أنه خرج في جميع جسده ثآليل كأليات الغنم ، ووقعت به حكّة لا يملكها ، فحكَّ بأظفاره حتى سقطت ، ثم بالمسوح ، ثم بالحجارة ، فأنتن جسمه وتقطَّع ، وأخرجه أهل القرية فجعلوا له عريشاً على كُناسة ، ورفضه الخلق سوى زوجته ، واسمها رحمة بنت إِفراييم بن يوسف بن يعقوب ، فكانت تختلف إِليه بما يصلحه ، وروى أبو بكر القرشي عن الليث بن سعد ، قال : كان ملك يظلم الناس ، فكلَّمه في ذلك جماعة من الأنبياء ، وسكت عنه أيوب لأجل خيل كانت له في سلطانه ، فأوحى الله إِليه : تركتَ كلامَه من أجل خيلك ؟ ! لأطيلنَّ بلاءك . واختلفوا في مدة لبثه في البلاء على أربعة أقوال . أحدها : ثماني عشرة سنة ، رواه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم . والثاني : سبع سنين ، قاله ابن عباس ، وكعب ، ويحيى بن أبي كثير . والثالث : سبع سنين وأشهر ، قاله الحسن . والرابع : ثلاث سنين ، قاله وهب . وفي سبب سؤاله العافية ستة أقوال . أحدها : [ أنه ] اشتهى إِداماً ، فلم تُصبه امرأته حتى باعت قرناً من شعرها ، فلما علم ذلك ، قال : « مسَّني الضُّر » ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : أن الله تعالى أنساه الدعاء مع كثرة ذكره الله ، فلما انتهى أجل البلاء ، يسّر له الدعاء ، فاستجاب له ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث : أن نفراً من بني إِسرائيل مرُّوا به ، فقال بعضهم لبعض : ما أصابه هذا إِلا بذنْب عظيم ، فعند ذلك قال : « مسَّني الضُّر » ، قاله نوف البكالي . وقال عبد الله بن عبيد بن عمير : كان له أخوان ، فأتياه يوماً فوجدا ريحاً ، فقالا : لو كان الله علم منه خيراً ما بلغ به كلّ هذا ، فما سمع شيئاً أشدَّ عليه من ذلك ، فقال : اللهم إِن كنتَ تعلم أنِّي لم أَبِت ليلةً شبعان وأنا أعلم مكان جائع فصدِّقني ، فصُدِّق وهما يسمعان ، ثم قال : اللهم إِن كنتَ تعلم أنِّي لم ألبس قميصاً وأنا أعلم مكان عارٍ فصدِّقني ، فصُدِّق وهما يسمعان ، فخرَّ ساجداً ، ثم قال : اللهم لا أرفع رأسي حتى تكشفَ ما بي ، فكشف الله عز وجل ما به . والرابع : أن إِبليس جاء إِلى زوجته بسخلة ، فقال : ليذبح أيوب هذه لي وقد بَرَأ ، فجاءت فأخبرته ، فقال : إِن شفاني الله لأجلدنَّك مائة جلدة ، أمرتني أن أذبح لغير الله ؟ ! ثم طردها عنه ، فذهبتْ ، فلما رأى أنه لا طعام له ولا شراب ولا صديق ، خرَّ ساجداً وقال : « مسَّني الضُّر » ، قاله الحسن . والخامس : أن الله تعالى أوحى إِليه وهو في عنفوان شبابه : إِني مبتليك ، قال : يا رب ، وأين يكون قلبي ؟ قال : عندي ، فصبَّ عليه من البلاء ما سمعتم ، حتى إِذا بلغ البلاء منتهاه ، أوحى إِليه أني معافيكَ ، قال : يا رب ، وأين يكون قلبي ؟ قال : عندك ، قال : « مسَّني الضُّر » ، قاله إِبراهيم بن شيبان القرميسي فيما حدّثنا به عنه . والسادس : أن الوحي انقطع عنه أربعين يوماً ، فخاف هجران ربِّه ، فقال : « مسَّني الضُّر » ، ذكره الماوردي . فإن قيل : أين الصبر ، وهذا لفظ الشكوى ؟ فالجواب : أن الشكوى إِلى الله لا تنافي الصبر ، وإِنما المذموم الشكوى إِلى الخَلْق ، ألم تسمع قول يعقوب : { إِنما أشكو بَثِّي وحُزْني إِلى الله } [ يوسف : 86 ] . قال سفيان بن عيينة : وكذلك من شكا إِلى الناس ، وهو في شكواه راضٍ بقضاء الله ، لم يكن ذلك جزعاً ، ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل في مرضه : " أجدني مغموماً " و " أجدني مكروباً " ، وقوله : " بل أنا وارأساه " . قوله تعالى : { وآتيناه أهله } يعني : أولاده { ومِثْلَهُمْ معهم } فيه أربعة أقوال . أحدها : أن الله تعالى أحيا له أهله بأعيانهم ، وآتاه مثلهم معهم في الدنيا ، قاله ابن مسعود ، والحسن ، وقتادة . وروى أبو صالح عن ابن عباس : كانت امرأته ولدت له سبعة بنين وسبع بنات ، فنُشِروا له ؛ وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات . والثاني : أنهم كانوا قد غُيِّبوا عنه ولم يموتوا ، فآتاه إِياهم في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة ، رواه هشام عن الحسن . والثالث : آتاه الله أجور أهله في الآخرة ، وآتاه مثلهم في الدنيا ، قاله نوف ، ومجاهد . والرابع : آتاه أهله ومثلهم معهم في الآخرة ، حكاه الزجاج . قوله تعالى : { رحمةً مِنْ عندنا } أي : فعلنا ذلك به رحمةً مِنْ عندنا ، { وذِكرى } أي : عِظةً { للعابدين } قال محمد بن كعب : من أصابه بلاء فليذكر ما أصاب أيوب ، فليقل : إِنه قد أصاب من هو خيرٌ مني . قوله تعالى : { وذا الكفل } اختلفوا هل كان نبيّاً ، أم لا ؟ على قولين . أحدهما : أنه لم يكن نبيّاً ، ولكنه كان عبداً صالحاً ، قاله أبو موسى الأشعري ، ومجاهد . ثم اختلف أرباب هذا القول في علَّه تسميته بذي الكفل على ثلاثة أقوال . أحدها : أن رجلاً كان يصلِّي كلَّ يوم مائة صلاة فتوفي ، فكفل بصلاته ، فسمِّي : ذا الكفل ، قاله أبو موسى الأشعري . والثاني : أنه تكفل للنبيّ بقومه أن يكفيه أمرهم ويقيمه ويقضي بينهم بالعدل ، ففعل ، فسمِّي : ذا الكفل ، قاله مجاهد . والثالث : أن ملِكاً قَتل في يوم ثلاثمائمة نبيٍّ ، وفرَّ منه مائة نبيٍّ ، فكفلهم ذو الكفل ، يطعمهم ويسقيهم حتى أُفلتوا ، فسمِّي : ذا الكفل ، قاله ابن السائب . والقول الثاني : أنه كان نبيّاً ، قاله الحسن ، وعطاء . قال عطاء : أوحى الله تعالى [ إِلى ] نبيّ من الأنبياء : إِني أُريد قبض روحك ، فاعرض مُلكك على بني إِسرائيل ، فمن تكفَّل لك بأنه يصلِّي الليل لا يفتر ، ويصوم النهار لا يفطر ، ويقضي بين الناس ولا يغضب ، فادفع مُلككَ إِليه ، ففعل ذلك ، فقام شابّ فقال : أنا أتكفَّل لك بهذا ، فتكفَّل به ، فوفى ، فشكر اللهُ له ذلك ، ونبَّأه ، وسمِّي : ذا الكفل . وقد ذكر الثعلبي حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكفل : " أنه كان رجلاً لا ينزع عن ذنب ، وأنه خلا بامرأة ليفجر بها ، فبكت ، وقالت : ما فعلتُ هذا قطّ ، فقام عنها تائباً ، ومات من ليلته ، فأصبح مكتوباً على بابه : قد غفر الله للكفل " ؛ والحديث معروف ، وقد ذكرتُه في « الحدائق » ، فجعله الثعلبي أحد الوجوه في بيان ذي الكفل ، وهذا غلط ، لأن ذلك اسمه الكفل ، والمذكور في القرآن يقال له : ذو الكفل ، ولأن الكفل مات في ليلته التي تاب فيها ، فلم يمض عليه زمان طويل يعالج فيه الصبر عن الخطايا . وإِذا قلنا : إِنه نبيّ ، فإن الأنبياء معصومون عن مثل هذا الحال . وذكرت هذا لشيخنا أبي الفضل بن ناصر رحمه الله تعالى ، فوافقني ، وقال : ليس هذا بذاك . قوله تعالى : { كُلٌّ من الصابرين } أي : على طاعة الله وترك معصيته ، { وأدخلناهم في رحمتنا } في هذه الرحمة ثلاثة أقوال . أحدها : أنها الجنة ، قاله ابن عباس . والثاني : النبوَّة ، قاله مقاتل . والثالث : النِّعمة والموالاة ، حكاه أبو سليمان الدمشقي .