Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 87-88)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وذا النُّون } يعني : يونس بن متّى . والنون : السمكة ؛ أُضيف إِليها لابتلاعها إِياه . قوله تعالى : { إِذ ذهب مغاضِباً } قال ابن قتيبة : المُغاضَبة : مُفاعَلة ، وأكثر المفاعَلة من اثنين ، كالمناظَرة والمجادَلة والمخاصَمة ، وربما تكون من واحد ، كقولك : سافرت ، وشارفت الأمر ، وهي هاهنا من هذا الباب . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : « مُغْضَباً » باسكان الغين وفتح الضاد من غير ألف . واختلفوا في مغاضبته لمن كانت ؟ على قولين . أحدهما : أنه غضب على قومه ، قاله ابن عباس ، والضحاك . وفي سبب غضبه عليهم ثلاثة أقوال . أحدها : أن الله تعالى أوحى إِلى نبي يقال له : شعيا : أن ائت فلاناً الملك ، فقل له : يبعث نبيّاً أميناً إِلى بني إِسرائيل ، وكان قد غزا بني إِسرائيل ملك ، وسبا منهم الكثير ، فأراد النبي والملك أن يبعثا يونس إِلى ذلك الملك ليكلِّمه حتى يرسلَهم ، فقال يونس لشعيا : هل أمرك الله باخراجي ؟ قال : لا ، قال : فهل سماني لك ؟ قال : لا ، قال : فهاهنا غيري من الأنبياء ، فألَحُّوا عليه ، فخرج مغاضباً للنبيّ والملك ولقومه ، هذا مروي عن ابن عباس ؛ وقد زدناه شرحاً في [ يونس : 98 ] . والثاني : أنه عانى من قومه أمراً صعباً من الأذى والتكذيب ، فخرج عنهم قبل أن يؤمنوا ضجراً ، وما ظنَّ أن هذا الفعل يوجب عليه ما جرى من العقوبة ، ذكره ابن الأنباري . وقد روي عن وهب بن منبه ، قال : لما حُملت عليه أثقالُ النبوَّة ، ضاق بها ذرعاً ولم يصبر ، فقذفها من يده وخرج هارباً . والثالث : أنه لمَّا أوعدهم العذاب ، فتابوا ورُفع عنهم ، قيل له : ارجع إِليهم ، فقال : كيف أرجع فيجدوني كاذباً ؟ فانصرف مغاضباً لقومه ، عاتباً على ربِّه . وقد ذكرنا هذا في [ يونس : 98 ] . والثاني : أنه خرج مغاضباً لربِّه ، قاله الحسن ، وسعيد بن جبير ، والشعبي ، وعروة . وقال أبو بكر النقاش : المعنى : مغاضباً من أجل ربِّه ، وإِنما غضب لأجل تمرُّدهم وعصيانهم . وقال ابن قتيبة : كان مَغِيظاً عليهم لطول ما عاناه من تكذيبهم ، مشتهياً أن ينزل العذاب بهم ، فعاقبه الله على كراهيته العفو عن قومه . قوله تعالى : { فظَنَّ أن لن نَقْدِرَ عليه } وقرأ يعقوب : « يُقَدَّر » بضم الياء وتشديد الدال وفتحها . وقرأ سعيد بن جبير ، وأبو الجوزاء ، وابن أبي ليلى : « يُقْدَرَ » بياء مرفوعة مع سكون القاف وتخفيف الدال وفتحها . وقرأ أبو عمران الجوني : « يَقْدِرَ » بياء مفتوحة وسكون القاف وكسر الدال خفيفة . وقرأ الزهري ، وابن يعمر ، وحميد بن قيس : « نُقَدِّرَ » بنون مرفوعة وفتح القاف وكسر الدال وتشديدها . ثم فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أن لن نقضي عليه بالعقوبة ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وقتادة ، والضحاك . قال الفراء : معنى الآية : فظن أن لن نقدر عليه ما قدرنا من العقوبة ، والعرب تقول : قَدَر ، بمعنى : قَدَّر ، قال أبو صخر : @ ولا عَائداً ذاكَ الزمانُ الذي مضى تباركتَ مَا تَقْدِرْ يَكُنْ ولكَ الشُّكرُ @@ أراد : ما تقدِّر ، وهذا مذهب الزجاج . والثاني : فظن أن لن نضيِّق عليه ، قاله عطاء . قال ابن قتيبة : يقال : فلان مُقَدَّر عليه ، ومُقَتَّر عليه ، ومنه قوله تعالى : { فَقَدَرَ عليه رِزقَه } [ الفجر : 16 ] أي : ضيَّق عليه فيه . قال النقاش : والمعنى : فظن أن لن يضيّق عليه الخروج ، فكأنَّه ظن أن الله قد وسّع له ، إِن شاء أن يقيم ، وإِن شاء أن يخرج ، ولم يؤذّن له في الخروج . والثالث : أن المعنى : فظن أنه يعجز ربه ، فلا يقدر عليه ، رواه عوف عن الحسن . وقال ابن زيد ، وسليمان التيمي : المعنى : أفظنَّ أن لن نَقْدِر عليه ؛ فعلى هذا الوجه يكون استفهاماً قد حُذفت ألفه ؛ وهذا الوجه يدل على أنه من القدرة ، ولا يتصوّر إِلا مع تقدير الاستفهام ، ولا أعلم له وجهاً إِلا أن يكون استفهام إِنكار ، تقديره : ما ظنّ عجزنا ، فأين يهرب منا ؟ ! . قوله تعالى : { فنادى في الظلمات } فيها ثلاثة أقوال . أحدها : أنها ظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل ، قاله سعيد ابن جبير ، وقتادة ، والأكثرون . والثاني : أن حوتاً جاء فابتلع الحوت الذي هو في بطنه ، فنادى في ظلمة حوت ، ثم في ظلمة حوت ، ثم في ظلمة البحر ، قاله سالم ابن أبي الجعد . والثالث : أنها ظلمة الماء ، وظلمة مِعى السمكة ، وظلمة بطنها ، قاله ابن السائب . وقد روى سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إِلا فرج الله عنه ، كلمة أخي يونس : فنادى في الظلمات أن لا إِله إِلا أنت ، سبحانك إِني كنت من الظالمين " قال الحسن : وهذا اعتراف [ من ] يونس بذنْبه وتوبة من خطيئته . قوله تعالى : { فاستجبنا له } أي : أجبناه { ونجَّيناه من الغَمِّ } أي : من الظلمات { وكذلك نُنْجِي المؤمنين } إِذا دعونا . وروى أبو بكر عن عاصم أنه قرأ : « نُجّي المؤمنين » بنون واحدة مشددة الجيم ؛ قال الزجاج : وهذا لَحْنٌ لا وجه له ، وقال أبو علي الفارسي : غلط الراوي عن عاصم ، ويدل على هذا إِسكانه الياء من « نُجّي » ونصب « المؤمنين » ، ولو كان على ما لم يُسم فاعله ما سكّن الياء ، ولرفع « المؤمنين » .