Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 25-25)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ويصدُّون عن سبيل الله } أي : يمنعون الناس من الدخول في الإِسلام . قال الزجاج : ولفظ « يصدون » لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي ، لأن معنى « الذين كفروا » : الذين هم كافرون ، فكأنه قال : إِن الكافرين والصَّادِّين ؛ فأما خبر « إِنَّ » فمحذوف ، فيكون المعنى : إِن الذين هذه صفتهم هلكوا . وفي « المسجد الحرام » قولان . أحدهما : جميع الحرم . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : كانوا يرون الحرم كلَّه مسجداً . والثاني : نفس المسجد ، حكاه الماوردي . قوله تعالى : { الذي جعلناه للناس } هذا وقف التمام . وفي معناه قولان . أحدهما : جعلناه للنَّاس كلِّهم ، لم نخصَّ به بعضهم دون بعض ، هذا على أنه جميع الحرم . والثاني : جعلناه قبلةً لصلاتهم ، ومنسكاً لحجِّهم ، وهذا على أنه نفس المسجد . وقرأ ابراهيم النخعي ، وابن أبي عبلة ، وحفص عن عاصم : « سواءً » بالنصب ، فيتوجه الوقف على « سواء » ، وقد وقف بعض القراء كذلك . قال أبو علي الفارسي : أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم ، فصار المعنى : الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء . فأما العاكف : فهو المقيم ، والبادي : الذي يأتيه من غير أهله ، وهذا من قولهم : بدا القوم : إِذا خرجوا من الحضر إِلى الصحراء . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : « البادي » بالياء ، غير أن ابن كثير وقف بياء ، وأبو عمرو بغير ياء . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، والمسيّبي عن نافع بغير ياء في الحالتين . ثم في معنى الكلام قولان . أحدهما : أن العاكف والبادي يستويان في سكنى مكة والنزول بها ، فليس أحدهما أحقَّ بالمنزل من الآخر ، غير أنه لا يُخرَج أحدٌ من بيته ، هذا قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ؛ وإِلى نحو هذا ذهب أبو حنيفة ، وأحمد ؛ ومذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام ، هذا على أن المسجد : الحرم كلّه . والثاني : أنهما يستويان في تفضيله وحرمته وإِقامة المناسك به ، هذا قول الحسن ، ومجاهد . و [ منهم ] من أجاز بيع دور مكة ، وإِليه يذهب الشافعي . وعلى هذا يجوز أن يراد بالمسجد الحرم ، ويجوز أن يراد نفس المسجد . قوله تعالى : { ومن يرد فيه بالحاد } الإِلحاد في اللغة : العدول عن القصد ، والباء زائدة ، كقوله تعالى : { تنبت بالدهن } [ المؤمنون : 20 ] ، وأنشدوا : @ بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ وأسْفَلُهُ بالمَرْخِ والشَّبَهانِ @@ المعنى : وأسفله ينبت المرخ ؛ وقال آخر : @ هُنَّ الحرائر لا ربَّاتُ أَخْمِرَةٍ سودُ المحاجرِ لا يَقْرأْنَ بالسُّوَرِ @@ وقال آخر : @ نحن بَنو جَعْدة أربابُ الفَلَج نَضرِب بالسَّيف ونرجو بالفَرَج @@ هذا قول جمهور اللغويين . قال ابن قتيبة : والباء قد تزاد في الكلام ، كهذه الآية ، وكقوله تعالى : { اقرأ باسم ربك } [ العلق : 1 ] { وهزِّي إِليك بجذع النخلة } [ مريم : 24 ] { بأيِّكم المفتون } [ القلم : 6 ] { تُلْقُون إِليهم بالمودَّة } [ الممتحنة : 1 ] { عيناً يشرب بها } [ الانسان : 6 ] أي : يشربها ؛ وقد تزاد « من » ، كقوله تعالى : { ما أُريد منهم من رزق } [ الذاريات : 57 ] ، وتزاد « اللام » كقوله تعالى : { الذين هم لربهم يرهبون } [ الأعراف : 154 ] ، والكاف ، كقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } [ الشورى : 11 ] ، و « عن » ، كقوله تعالى : { يخالِفون عن أمره } [ النور : 63 ] ، و « إِنَّ » ، كقوله تعالى : { فإنَّه ملاقيكم } [ الجمعة : 8 ] ، و « إِنْ » الخفيفة ، كقوله تعالى : { فيما إِن مكنَّاكم فيه } [ الأحقاف : 26 ] ، و « ما » ، كقوله تعالى : { عما قليل ليصبحنَّ نادمين } [ المؤمنون : 40 ] ، و « الواو » كقوله تعالى : { وتَلَّه للجبين ، وناديناه } [ الصافات : 103 ، 104 ] . وفي المراد بهذا الإِلحاد خمسة أقوال . أحدها : أنه الظلم ، رواه العوفي عن ابن عباس . وقال مجاهد : هو عمل سيئة ؛ فعلى هذا تدخل فيه جميع المعاصي ، وقد روي عن عمر ابن الخطاب أنه قال : لا تحتكروا الطعام بمكة ، فإن احتكار الطعام بمكة إِلحاد بظلم . والثاني : أنه الشرك ، رواه ابن ابي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة . والثالث : الشرك والقتل ، قاله عطاء . والرابع : أنه استحلال محظورات الإِحرام ، وهذا المعنى محكيٌّ عن عطاء أيضاً . والخامس : استحلال الحرام تعمُّداً ، قاله ابن جريج . فإن قيل : هل يؤاخذ الإِنسان إِن أراد الظلم بمكة ، ولم يفعله ؟ فالجواب من وجهين . أحدهما : أنه إِذا همَّ بذلك في الحرم خاصَّة ، عوقب ، هذا مذهب ابن مسعود ، فإنه قال : لو أن رجلاً همَّ بخطيئة ، لم تكتب عليه ما لم يعملها ، ولو أن رجلاً همَّ بقتل مؤمن عند البيت ، وهو بـ « عَدَنِ أَبْيَن » ، أذاقه الله في الدنيا من عذاب أليم . وقال الضحاك : إِن الرجل ليهمُّ بالخطيئة بمكة وهو بأرضٍ أخرى ، فتكتب عليه ولم يعملها . وقال مجاهد : تضاعف السيئات بمكة ، كما تضاعف الحسنات . وسئل الإِمام أحمد : هل تكتب السيئة أكثر من واحدة ؟ فقال : لا ، إِلا بمكة لتعظيم البلد . وأحمد على هذا يرى فضيلة المجاورة بها ؛ وقد جاور جابر بن عبد الله ، وكان ابن عمر يقيم بها . والثاني : أن معنى : « ومن يرد » : من يعمل . قال أبو سليمان الدمشقي : هذا قول سائر من حفظنا عنه .