Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 26-29)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وإِذ بوَّأْنا لإِبراهيم } قال ابن عباس : جعلنا . وقال مقاتل : دللناه عليه . وقال ثعلب : وإِنما أدخل اللام ، على أنَّ « بوَّأْنا » في معنى : جعلنا ، فيكون بمعنى : { ردف لكم } [ النمل : 72 ] أي : ردفكم . وقد شرحنا كيفية بناء البيت في [ البقرة : 129 ] . قوله تعالى : { أن لا تشرك بي شيئاً } المعنى : وأوحينا إِليه ذلك ، { وطهر بيتيَ } حرَّك هذه الياء ، نافع وحفص عن عاصم . وقد شرحنا الآية في [ البقرة : 125 ] . وفي المراد بـ « القائمين » قولان . أحدهما : القائمون في الصلاة ، قاله عطاء ، والجمهور . والثاني : المقيمون بمكة ، حكي عن قتادة . قوله تعالى : { وأذِّن في الناس بالحج } قال المفسرون : لما فرغ إِبراهيم من بناء البيت ، أمره الله تعالى أن يؤذِّن في الناس بالحج ، فقال إِبراهيم : يا رب ، وما يبلغ صوتي ؟ قال أذِّن ، وعليَّ البلاغ ، فعلا على جبل أبي قبيس ، وقال يا أيها الناس : إِن ربكم قد بنى بيتاً ، فحجُّوه ، فأسمع مَنْ في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم الله أن يحج ، فأجابوه : لبيك اللهم لبيك . والأذان بمعنى النداء والإِعلام ، والمأمور بهذا الأذان ، إِبراهيم في قول الجمهور ، إِلا ماروي عن الحسن أنه قال : المأمور به محمد صلى الله عليه وسلم . والناس هاهنا : اسم يعم جميع بني آدم عند الجمهور ، إِلا ما روى العوفي عن ابن عباس أنه قال : عنى بالناس أهل القبلة . واعلم أن من أتى البيت الذي دعا إِليه إِبراهيم ، فكأنه قد أتى إِبراهيم ، لأنه أجاب نداءه . وواحد الرجال هاهنا : راجل ، مثل صاحب ، وصحاب ، والمعنى : يأتوك مشاةً . وقد روي أن إِبراهيم وإِسماعيل حجّا ماشيين ، وحج الحسن بن علي خمساً وعشرين حجة ماشياً من المدينة إِلى مكة ، والنجائب تُقَاد معه . وحج الإِمام أحمد ماشياً مرتين أو ثلاثاً . قوله تعالى : { وعلى كل ضامرٍ } أي : ركباناً على ضُمَّر من طول السفر . قال الفراء : و « يأتين » فعل للنوق . وقال الزجاج : « يأتين » على معنى الإِبل . وقرأ ابن مسعود ، وابن أبي عبلة : « يأتون » بالواو . قوله تعالى : { من كل فج عميق } أي : طريق بعيد . وقد ذكرنا تفسير الفجِّ عند قوله تعالى : { وجعلنا فيها فجاجاً } [ الانبياء : 31 ] . قوله تعالى : { ليشهدوا } أي : ليحضروا { منافع لهم } وفيها ثلاثة أقوال . أحدها : التجارة ، قاله ابن عباس ، والسدي . والثاني : منافع الآخرة ، قاله سعيد بن المسيب ، والزجاج في آخرين . والثالث : منافع الدارين جميعاً ، قاله مجاهد . وهو أصح ، لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة ، وإِنما الأصل قصدُ الحج ، والتجارة تَبَع . وفي الأيام المعلومات ستة أقوال . أحدها : أنها أيام العشر ، رواه مجاهد عن ابن عمر ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، والشافعي . والثاني : تسعة أيام من العشر ، قاله أبو موسى الأشعري . والثالث : يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده ، رواه نافع عن ابن عمر ، ومقسم عن ابن عباس . والرابع : أنها أيام التشريق ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال عطاء الخراساني ، والنخعي ، والضحاك . والخامس : أنها خمسة أيام ، أولها يوم التروية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والسادس : ثلاثة أيام ، أولها يوم عرفة ، قاله مالك بن أنس . وقيل : إِنما قال : « معلومات » ، ليحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها . قال الزجاج : والذِّكْر هاهنا يدل على التسمية على ما يُنحَر ، لقوله تعالى : { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } ؛ قال القاضي أبو يعلى : ويحتمل أن يكون الذِّكر المذكور هاهنا : هو الذِّكر على الهدايا الواجبة ، كالدم الواجب لأجل التمتع والقران ، ويحتمل أن يكون الذِّكر المفعول عند رمي الجمار وتكبير التشريق ، لأن الآية عامَّة في ذلك . قوله تعالى : { فكلوا منها } يعني : الأنعام التي تُنحر ؛ وهذا أمر إِباحة . وكان أهل الجاهلية لا يستحلُّون أكل ذبائحهم ، فأعلم الله عز وجل أن ذلك جائز ، غير أن هذا إِنما يكون في الهدي المتطوَّع به ، فأما دم التمتع والقران ، فعندنا أنه يجوز أن يأكل منه ، وقال الشافعي : لا يجوز ، وقد روى عطاء عن ابن عباس أنه قال : من كل الهدي يؤكل ، إِلا ما كان من فداءٍ أو جزاءٍ أو نذر . فأما « البائس » فهو ذو البؤس ، وهو شدة الفقر . قوله تعالى : { ثم ليقضوا تفثهم } فيه أربعة أقوال . أحدها : حلق الرأس ، وأخذ الشارب ، ونتف الإِبط ، وحلق العانة ، وقص الأظفار ، والأخذ من العارضين ، ورمي الجمار ، والوقوف بعرفة ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثاني : مناسك الحج ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وهو قول ابن عمر . والثالث : حلق الرأس ، قاله مجاهد . والرابع : الشعر ، والظفر ، قاله عكرمة . والقول الأول أصح . لأن التفث : الوسخ ، والقذارة : من طول الشعر والأظفار والشعث . وقضاؤه : نقضه ، وإِذهابه . والحاج مغبَّر شعث لم يدَّهن ، ولم يستحدَّ ، فإذا قضى نسكه ، وخرج من إِحرامه بالحلق ، والقلم ، وقص الأظفار ، ولبس الثياب ، ونحو ذلك ، فهذا قضاء تفثه . قال الزجاج : وأهل اللغة لا يعرفون التفث إِلا من التفسير ، وكأنه الخروج من الإِحرام إِلى الإِحلال . قوله تعالى : { وليوفوا نذورهم } وروى أبو بكر عن عاصم : « ولْيوفّوا » بتسكين اللام وتشديد الفاء . قال ابن عباس : هو نحر ما نذروا من البُدن . وقال غيره : ما نذروا من أعمال البرِّ في أيام الحج ، فإن الإِنسان ربما نذر أن يتصدق إِن رزقه الله رؤية الكعبة ، وقد يكون عليه نذور مطلقة ، فالأفضل أن يؤدِّيَها بمكة . قوله تعالى : { وليطوَّفوا بالبيت العتيق } هذا هو الطواف الواجب ، لأنه أُمر به بعد الذبح ، والذبح إِنما يكون في يوم النحر ، فدل على أنه الطواف المفروض . وفي تسمية البيت عتيقاً أربعة أقوال . أحدها : لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة . روى عبد الله بن الزبير ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِنما سمى الله البيت : العتيق ، لأن الله أعتقه من الجبابرة ، فلم يظهر عليه جبَّار قط " وهذا قول مجاهد ، وقتادة . والثاني : أن معنى العتيق : القديم ، قاله الحسن ، وابن زيد . والثالث : لأنه لم يملك قط ، قاله مجاهد في رواية ، وسفيان بن عيينة . والرابع : لأنه أُعتق من الغرق زمان الطوفان ، قاله ابن السائب . وقد تكلَّمنا في هذه السورة في « ليقضوا » « وليوفوا » « وليطوفوا » .