Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 12-16)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ولقد خَلَقْنَا الإِنسانَ } فيه قولان . أحدهما : أنه آدم عليه السلام . وإِنما قيل : « مِنْ سُلالة » لأنه استُلَّ من كل الأرض ، هذا مذهب سلمان الفارسي ، وابن عباس في رواية ، وقتادة . والثاني : أنه ابن آدم ، والسُّلالة : النطفة استُلَّت من الطين ، والطين : آدم عليه السلام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال الزجاج : والسُّلالة : فُعالة ، وهي القليل مما يُنْسَل ، وكل مبنيٍّ على « فُعالة » يراد به القليل ، من ذلك : الفُضالة ، والنُّخَالة ، والقُلامة . قوله تعالى : { ثُمَّ جعلناه } يعني : ابن آدم { نُطْفَةً في قَرار } وهو الرَّحِم { مكين } أي : حريز ، قد هُيِّىءَ لاستقراره فيه . وقد شرحنا في سورة [ الحج : 5 ] معنى النُّطفة والعَلقة والمُضغة . قوله تعالى : { فخَلَقْنا المُضغة عظاماً } قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : « عظاماً فكسونا العظام » على الجمع . وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : « عَظْماً فكسونا العَظْم » على التوحيد . قوله تعالى : { ثم أنشأناه خَلْقاً آخر } وهذه الحالة السابعة . قال عليّ عليه السلام : لا تكون موؤودة حتى تمرَّ على التارات السبع . وفي محل هذا الإِنشاء قولان . أحدهما : أنه بطن الأم . ثم في صفة الإِنشاء قولان . أحدهما : أنه نفخ الروح فيه ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال أبو العالية ، والشعبي ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك في آخرين . والثاني : أنه جعْله ذكراً أو أنثى ، قاله الحسن . والقول الثاني : أنه بعد خروجه من بطن أُمه . ثم في صفة هذا الإِنشاء أربعة أقوال . أحدها : أن ابتداء ذلك الإِنشاء أنه استُهلَّ ، ثم دُلَّ على الثدي ، وعُلِّم كيف يبسط رجليه إِلى أن قعد ، إِلى أن قام على رجليه ، إِلى أن مشى ، إِلى أن فُطم ، إِلى أن بلغ الحُلُم ، إِلى أن تقلَّب في البلاد ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : أنه استواء الشباب ، قاله ابن عمر ، ومجاهد . والثالث : أنه خروج الأسنان والشَّعْر ، قاله الضحاك ، فقيل له : أليس يولَد وعلى رأسه الشعر ؟ فقال : وأين العانة والإِبط ؟ . والرابع : أنه إِعطاء العقل والفهم ، حكاه الثعلبي . قوله تعالى : { فتبارك الله } أي : استحق التعظيم والثناء . وقد شرحنا معنى « تبارك » في [ الأعراف : 54 ] ، { أحسنُ الخالِقين } أي : المصوِّرين والمقدِّرين . والخَلْق في اللغة : التقدير . وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وعنده عمر ، إِلى قوله تعالى : { خَلْقاً آخر } ، فقال عمر : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد خُتمتْ بما تكلمتَ به يا ابن الخطاب " . فإن قيل : كيف الجمع بين قوله : { أحسنُ الخالقين } وقوله : { هل مِنْ خالقٍ غيرُ الله } [ فاطر : 3 ] ؟ فالجواب : أن الخلق يكون بمعنى الإِيجاد ، ولا موجِد سوى الله ، ويكون بمعنى التقدير ، كقول زهير : @ [ ولأنت تَفْرِي ما خَلَقْتَ ] وبَعْـ ـضُ القومِ يَخْلُقُ ثم لا يَفْرِي @@ فهذا المراد هاهنا ، أن بني آدم قد يصوِّرون ويقدِّرون ويصنعون الشيء ، فالله خير المصوِّرين والمقدِّرين . وقال الأخفش : الخالقون هاهنا هم الصانعون ، فالله خير الخالقين . قوله تعالى : { ثم إِنكم بعد ذلك } أي : بعد ما ذُكر من تمام الخَلْق { لميِّتون } عند انقضاء آجالكم . وقرأ أبو رزين العقيلي ، وعكرمة ، وابن أبي عبلة : « لمائتون » بألف . قال الفراء : والعرب تقول لمن لم يمت : إِنك مائت عن قليل ، وميت ، ولا يقولون للميت الذي قد مات : هذا مائت ، إِنما يقال في الاستقبال فقط ، وكذلك يقال : هذا سيِّد قومه اليوم ، فاذا أخبرتَ أنه يسودهم عن قليل ؛ قلتَ : هذا سائد قومه عن قليل ، وكذلك هذا شريف القوم ، وهذا شارف عن قليل ؛ وهذا الباب كلُّه في العربية على ما وصفتُ لك .