Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 11-20)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِن الذين جاؤوا بالإفك } أجمع المفسرون أن هذه الآية وما يتعلق بها بعدها . نزلت في قصة عائشة ، وفي حديث الإِفك أن هذه الآية إِلى عشر آيات نزلت في قصة عائشة . وقد ذكرنا حديث الإِفك في كتاب الحدائق وفي كتاب المغني في التفسير فلم نطل بذكره ، لأن غرضنا اختصار هذا الكتاب ، ليحفظ فأما الإِفك فهو الكذب والعصبة : الجماعة ، ومعنى قوله : { مِنْكُم } أي : من المؤمنين . وروى عروة عن عائشة أنها قالت : هم أربعة حسان بن ثابت وعبد الله بن أبي بن سلول ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش ، وكذلك عدهم مقاتل . قوله تعالى : { لا تَحسَبُوه شَراً لَكُم } قال المفسرون : هذا خطاب لعائشة وصفوان بن المعطل ، وقيل : لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة . والمعنى : إٍنكم تؤجرون فيه . { لِكلِ امرىءٍ مِنهُم } يعني : من العصبة الكاذبة { مَا اكتَسَبَ مِنَ الإِثم } أي جزاء ما اجترح من الذنب على قدر خوضه فيه ، { والذي تَوَلَى كِبْره منهم } وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وعكرمة ، ومجاهد وابن أبي عبلة ، والحسن ، ومحبوب عن أبي عمرو ، ويعقوب : { كُبْره } بضم الكاف . قال الكسائي : وهما لغتان . وقال ابن قتيبة : كِبْر الشيء : معظمه ، ومنه هذه الآية . قال قيس بن الخطيم يذكر امرأة : @ تنام عن كبر شأنها فإذا قامت رويدا تكاد تنغرف @@ وفي المتولي لذلك قولان . أحدهما : أنه عبد الله بن أبي ، رواه أبو صالح عن ابن عباس وعروة عن عائشة ، وبه قال مجاهد والسدي ومقاتل . قال المفسرون : هو الذي أشاع الحديث فله عذاب عظيم بالنار ، وقال الضحاك : هو الذي بدأ بذلك . والثاني : أنه حسان ، روى الشعبي : أن عائشة قالت : ما سمعت أحسن من شعر حسان وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة ، فقيل : يا أم المؤمنين ، أليس الله يقول : { والذي تَولى كِبْره منهم له عَذاب ٌ عَظِيم } فقالت : أليس قد ذهب بصره ؟ وروى عنها مسروق أنها قالت : وأي عذاب أشد من العمى ، ولعل الله أن يجعل ذلك العذاب العظيم ، ذهاب بصره ، تعني : حسان بن ثابت . ثم إن الله عز وجل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله تعالى : { لولا إِذْ سَمِعتُمُوهُ } أي : هلا إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف عائشة { ظَنَ المُؤمِنُون } من العصبة الكاذبة وهم حسان ومسطح { والمُؤمِنَاتِ } وهي حمنة بنت جحش { بِأنُفسِهِم } وفيها ثلاثة أقوال . أحدها : بأمهاتهم . والثاني : بأخواتهم . والثالث : بأهل دينهم ، لان المؤمنين كنفس واحدة ، { وقَالُوا هذا إِفكٌ مُبِين } أي : كذب بيِّن . وجاء في التفسير أن أبا أيوب الأنصاري قالت له أمه : ألا تسمع ما يقول الناس في أمر عائشة فقال : هذا إفك مبين ، أكنت يا أماه فاعلته قالت : معاذ الله قال : فعائشة والله خير منك فنزلت هذه الآية . قوله تعالى : { لولا جَاؤوا } أي : هلا جاءت العصبة الكاذبة على قذفهم عائشة { بِأَرَبعةِ شهداء } وقرأ الضحاك ، وعاصم الجحدري : بأربعة منونة ؛ والمعنى : يشهدون بأنهم عاينوا ما رموها به ، { فإذا لم يَأتُوا بالشُهَدَاءِ فَأُولَئِك عِندَ اللهِ } أي : في حكمه { هم الكاذبون } ثم ذكر القاذفين فقال : { ولولا فَضلُ اللهِ عليكُم ورَحمَته } أي : لولا ما منَّ [ الله ] به عليكم { لمسَّكم } أي : لأصابكم { فيما أفضتم } أي : أخذتم وخضتم { فيه } من الكذب والقذف { عذاب عظيم } في الدنيا والآخرة . ثم ذكر الوقت الذي لولا فضله لأصابهم فيه العذاب فقال : { إذ تَلقَّونَهُ } وكان الرجل منهم يلقى الرجل فيقول : بلغني كذا ، فيتلقاه بعضهم من بعض . وقرأ عمر بن الخطاب : { إذ تُلْقونه } بتاء واحدة خفيفة مرفوعة وإسكان اللام وقاف منقوطة بنقطتين مرفوعة خفيفة . وقرأ معاوية وابن السميفع مثله ، إلا أنهما فتحا التاء والقاف . وقرأ ابن مسعود { تَتَلَقَّونه } بتاءين مفتوحتين مع نصب اللام وتشديد القاف . وقرأ أبي بن كعب ، وعائشة ، ومجاهد ، وأبو حيوة : { تَلِقُونه } بتاء واحدة خفيفة مفتوحة وكسر اللام ورفع القاف . وقال الزجاج : تُلْقونه يلقيه بعضكم إلى بعض وتلقونه ؛ ومعناه : إذ تسرعون بالكذب ، يقال : ولق يلق : إذا أسرع في الكذب وغيره ، قال الشاعر : @ جاءَتْ به عَنْسٌ من الشَّامْ تلق @@ أي : تسرع ، وقال ابن قتيبة : { تَلَقَّوْنَهُ } أي : تقبلونه ، ومن قرأ : { تَلِقونَهُ } أخذه من الولق ، وهو الكذب . قوله تعالى : { وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم } أي : من غير أن تعلموا أنه حق ، وتحسبونه ، يعني ذلك القذف { هَيناً } أي : سهلا لا إثم فيه ، وهو عند الله عظيم في الوزر ، ثم زاد عليهم في الإنكار فقال : { ولولا إذ سَمِعتُمُوهُ قُلتُم مَا يَكُونُ لنا } أي : ما يحل وما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا سبحانك ، وهو يحتمل التنزيه والتعجب . وروت عائشة أن امرأة أبي أيوب الأنصاري قالت له : ألم تسمع ما يتحدث الناس ؟ فقال : { ما يكونُ لنا ان نَتَكَلَم بهذا } الآية فنزلت الآية . وقد روينا آنفا أن أمه ذكرت له ذلك ، فنزلت الآية المتقدمة . وروي عن سعيد بن جبير : أن سعد بن معاذ لما سمع ذلك قال : سبحانك هذا بهتان عظيم . فقيل للناس : هلا قلتم كما قال سعد . قوله تعالى : { يَعِظكمُ اللهُ } أي : ينهاكم الله أن تعودوا لمثله أي : إلى مثله إن كنتم مؤمنين ، لأن من شرط الإيمان ترك قذف المحصنة ، { ويُبيِنُ اللهُ لَكمُ الآياتِ } في الأمر والنهى . ثم هدد القاذفين بقوله : { إنَّ الذينَ يُحِبُونَ أن تشيعَ الفَاحِشَة } أي : يحبون أن يفشو القذف بالفاحشة وهي الزنا { في الَّذِينَ آمَنُوا لَهُم عذابٌ أليمٌ فِي الدُنيا } يعني : الجلد { والآخرة } عذاب النار وروت عمرة عن عائشة قالت : لما نزل عذري ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، فذكر ذلك ، وتلا القرآن ، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم ، وروى أبو صالح عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد عبد الله بن ابي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش ، فأما الثلاثة فتابوا وأما عبد الله فمات منافقا . وبعض العلماء ينكر صحة هذا ويقول لم يضرب أحدا . قوله تعالى : { واللهُ يَعلمُ } شر ما خضتم فيه وما يتضمن من سخط الله { وأنتُم لا تَعلمُون } ذلك { ولولا فَضلُ اللهِ عَلَيكُم } جوابه محذوف تقديره لعاقبكم فيما قلتم لعائشة . قال ابن عباس يريد مسطحا وحسان وحمنة .