Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 35-35)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { اللّهُ نُور السموات والأرض } فيه قولان . أحدهما : هادي أهل السموات والأرض ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال أنس بن مالك ، وبيان هذا أن النُّور في اللغة : الضياء ، وهو الذي تصل به الأبصار إلى مُبْصَراتها ، فورد النُّور مضافاً إِلى الله تعالى ، لأنه هو الذي يَهْدي المؤمنين ويبيِّن لهم ما يهتدون به ، والخلائق بنوره يهتدون . والثاني : مدبِّر السموات والأرض ، قاله مجاهد ، والزجاج . وقرأ أُبيّ ابن كعب ، وأبو المتوكل ، وابن السميفع : { اللّهُ نَوَّرَ } بفتح النون والواو وتشديدها ونصب الراء { السمواتِ } بالخفض { والأرضَ } بالنصب . قوله تعالى : { مَثَل نُوره } في هاء الكناية أربعة أقوال . أحدها : أنها ترجع إلى الله عز وجل ، قال ابن عباس : مَثَلُ هُدَاه في قلب المؤمن . والثاني : أنها ترجع إِلى المؤمن ، فتقديره : مَثَل نُور المؤمن ، قاله أُبيّ ابن كعب . وكان أُبيّ وابن مسعود يقرآن : { مثل نُور مَنْ آمن به } . والثالث : أنها ترجع إِلى محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله كعب . والرابع : أنها ترجع إِلى القرآن ، قاله سفيان . فأما المشكاة ، ففيها ثلاثة أقوال . أحدها : أنها في موضع الفتيلة من القنديل الذي هو كالأنبوب ، والمصباح : الضوء ، قاله ابن عباس . والثاني : أنها القنديل ، والمصباح : الفتيلة ، قاله مجاهد . والثالث : أنها الكوّة التي لا منفذ لها ، والمصباح : السراج ، قاله كعب ، وكذلك قال الفراء : المشكاة : الكوّة التي ليست بنافذة . وقال ابن قتيبة : المشكاة : الكوّة بلسان الحبشة . وقال الزجاج : هي من كلام العرب ، والمصباح : السراج وإِنما ذكر الزُّجاجة ، لأن النُّور في الزُّجاج أشد ضوءاً منه في غيره . وقرأ أبو رجاء العطاردي ، وابن أبي عبلة : { في زَجاجة الزَّجاجة } بفتح الزاي فيهما . وقرأ معاذ القارىء ، وعاصم الجحدري ، وابن يعمر : بكسر الزاي فيهما ، قال بعض أهل المعاني : معنى الآية : كمَثَل مصباح في مشكاة ، فهو من المقلوب . فأما الدُّرِّيّ ، فقرأ أبو عمرو ، والكسائي ، وأبان عن عاصم { دِرِّيءٌ } بكسر الدال وتخفيف الياء ممدوداً مهموزاً . قال ابن قتيبة : المعنى على هذا : إِنه من الكواكب الدَّراريء ، وهي اللاتي يَدْرأنْ عليك ، أي : يطلُعن . وقال الزجاج : هو مأخوذ من درأ يدرأ : إِذا اندفع منقضّاً ، فتضاعف نوره ، يقال : تدارأ الرجلان : إِذا تدافعا . وروى المفضَّل عن عاصم كسر الدال وتشديد الياء من غير همز ولا مدٍّ ، وهي قراءة عبد الله بن عمر ، والزهري . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : { دُرِّيٌّ } بضم الدال وكسر الراء وتشديد الياء من غير مدٍّ ولا همز ، وقرأ عثمان بن عفان ، وابن عباس ، وعاصم ، الجحدري : { دَرِيءُ } بفتح الدال وكسر الراء ممدوداً مهموزاً ، وقرأ أُبيّ ابن كعب ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة : بفتح الدال وتشديد الراء والياء من غير مدٍّ ولا همز . وقرأ ابن مسعود ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة ، وابن يعمر : بفتح الدال وكسر الراء مهموزاً مقصوراً . قال الزجاج : الدُّرِّيّ : منسوب إِلى أنه كالدُّرّ في صفائه وحسنه . وقال الكسائي : الدُّرِّيءُ : الذي يشبه الدُّرّ ، والدِّرِّيءُ : جارٍ ، والدَّرِّيءُ : يلتمع ، وقرأ حمزة ، وأبو بكر عن عاصم ، والوليد بن عتبة عن ابن عامر : بضم الدال وتخفيف الياء مع إِثبات الهمزة والمدِّ . قال الزجاج : فالنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه في هذا ؛ وقال الفراء : ليس هذا بجائز في العربية ، لأنه ليس في الكلام " فُعِّيل " إِلا أعجمي ، مثل مُرِّيق ، وما أشبهه . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي : المُرّيق : العُصْفُر ، أعجمي معرَّب ، وليس في كلامهم اسم على زِنة فُعِّيْل . قال أبو علي : وقد حكى سيبويه عن أبي الخطّاب : كوكب دُرِّيء : من الصفات ، ومن الأسماء : المُرِّيق : العُصْفر . قوله تعالى : { تَوَقَّدَ } قرأ ابن كثير . وأبو عمرو : بالتاء المفتوحة وتشديد القاف ونصب الدَّال ، يريدان المصباح ، لأنه هو الذي يوقد . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : { يُوقَدُ } بالياء مضمومة مع ضم الدال ، يريدون المصباح أيضاً . وقرأ حمزة والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : { تُوقَد } بضم التاء والدال ، يريدون الزجاجة ، قال الزجاج : والمقصود : مصباح الزجاجة ، فحذف المضاف . قوله تعالى : { من شجرة } أي : من زيت شجرة ، فحذف المضاف ، يدلُّك على ذلك قوله : { يكاد زيتها يضيء } ؛ والمراد بالشجرة هاهنا : شجرة الزيتون ، وبَرَكَتُها من وجوه ، فانها تجمع الأُدْم والدُهن والوقود ، فيوقد بحطب الزيتون ، ويُغسَل برمادة الإِبريسم ، ويُستخرج دُهنه أسهل استخراج ، ويورِق غصنه من أوله إِلى آخره . وإِنما خُصَّت بالذِّكْر هاهنا دون غيرها ، لأن دُهنها أصفى وأضوأ . قوله تعالى : { لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنها بين الشجر ، فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس ، قاله أُبيّ ابن كعب ، ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثاني : أنها في الصحراء لا يُظِلُّها جبل ولا كهف ، ولا يواريها شيء ، فهو أجود لزيتها ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والزجاج . والثالث : أنها من شجر الجنة ، لا من شجرة الدُّنيا ، قاله الحسن . قوله تعالى : { يكاد زيتها يُضيء } أي : يكاد من صفائه يُضيء قبل أن تصيبه النار بأن يوقد به . { نُور على نُور } قال مجاهد : النار على الزيت . وقال ابن السائب : المصباح نور ، والزجاجة نور . وقال أبو سليمان الدمشقي : نور النار ، ونور الزيت ، ونور الزجاجة ، { يهدي الله لنوره } فيه أربعة أقوال . أحدها : لنور القرآن . والثاني : لنور الإِيمان . والثالث : لنور محمد صلى الله عليه وسلم . والرابع : لدينه الإِسلام . فصل فأما وجه هذا المَثَل ، ففيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنه شبَّه نور محمد صلى الله عليه وسلم بالمصباح النيِّر ؛ فالمشكاة جوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمصباح النور الذي في قلبه ، والزجاجة قلبه ، فهو من شجرة مباركة ، وهو إِبراهيم عليه السلام ، سماه شجرة مباركة ، لأن أكثر الأنبياء من صُلْبه . { لا شرقية ولا غربية } لايهودي ولا نصراني ، يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يتبيَّن للناس أنه نبيٌّ ولو لم يتكلَّم . وقال القرظي : المشكاة : إِبراهيم ، والزجاجة : إِسماعيل ، والمصباح : محمد ، صلى الله عليه وعليهم وسلَّم . وقال الضحاك : شبّه عبد المطلب بالمشكاة ، وعبد الله بالزجاجة ، ومحمداً صلى الله عليه وسلم بالمصباح . والثاني : أنه شبّه نور الإِيمان في قلب المؤمن بالمصباح ، فالمشكاة : قلبه ، والمصباح : نور الإِيمان فيه . وقيل : المشكاة : صدره ، والمصباح : القرآن والإِيمان اللَّذان في صدره ، والزجاجة : قلبه ، فكأنه مما فيه من القرآن والإِيمان كوكب مضيء تَوَقَّد من شجرة ، وهي الإِخلاص ، فمثل الإِخلاص عنده كشجرة لا تصيبها الشمس ، فكذلك هذا المؤمن قد احترس من أن تصيبه الفتن ، فان أُعطي شكر ، وإِن ابتُلي صبر ، وإِن قال صدق ، وإِن حكم عدل ، فقلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيَه العلم ، فاذا جاءه العلم ازداد هدىً على هدىً كما يكاد هذا الزيت يضيء قبل أن تمسَّه النار ، فاذا مسَّته اشتد نُوره ، فالمؤمن كلامه نُور ، وعمله نُور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إِلى نور يوم القيامة . والثالث : أنه شبّه القرآن بالمصباح يُستضَاء به ولا ينقص ، والزجاجة : قلب المؤمن ، والمشكاة : لسانه وفمه ، والشجرة المباركة : شجرة الوحي ، تكاد حُجج القرآن تتضح وإِن لم تُقرأ . وقيل : تكادُ حجج الله تضيء لمن فكَّر فيها وتدبَّرها ولو لم ينزل القرآن ، { نُور على نُور } أي : القرآن نُور من الله لخلقه مع ماقد قام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن . قوله تعالى : { ويَضْرِبُ اللّهُ الأمثال } أي : ويبيِّن الله الأشباه للناس تقريباً إِلى الأفهام وتسهيلاً لسبل الإِدراك .