Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 28, Ayat: 56-58)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنَّكَ لا تَهْدي مَنْ أحببتَ } قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله : { ما كان للنَّبيِّ والذين آمنوا أن يَسْتَغْفِروا للمُشْرِكين } [ التوبة : 113 ] ، وقد روى مسلم فيما انفرد به عن البخاري من حديث أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمِّه « قل : لا إِله إِلا الله أشهد لك بها يوم القيامة » ، فقال : لولا أن تُعيِّرني نساءُ قريش ، يقلن : إِنَّما حمله على ذلك الجزع ، لاقررتُ بها عينك ، فأنزل الله عز وجل : { إِنَّك لا تهدي مَنْ أحببت } " قال الزجاج : أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي طالب . وفي قوله : { مَنْ أحببتَ } قولان . أحدهما : من أحببتَ هدايته . والثاني : من أحببتَه لقرابته . { ولكنَّ الله يهدي من يشاء } أي : يُرْشِد لِدِينه من يشاء { وهو أعلمُ بالمهتدين } أي : من قدَّر له الهُدى . قوله تعالى : { وقالوا إِنْ نَتَّبِعِ الهُدى معكَ } قال ابن عباس في رواية العوفي : هم ناس من قريش قالوا ذلك . وقال في رواية ابن أبي مُلَيْكة : إِنَّ الحارث بن عامر بن نوفل قال ذلك . وذكر مقاتل أن الحارث بن عامر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّا لَنعلم أنَّ الذي تقول حق ، ولكن يمنعنا ان نتَّبع [ الهُدى ] معك مخافة أن تتخطَّفنا العرب من أرضنا ، يعنون مكة . ومعنى الاية : إِن اتَّبعناك على دينك خِفْنا العرب لمخالفتنا إِياها . والتَّخَطُّف : الانتزاع بسرعة ؛ فردَّ اللّهُ عليهم قولهم ، فقال : { أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لهم حَرَماً } أي : أَوَلَمْ نُسْكِنْهم حَرَماً ونجعله مكاناً لهم ، ومعنى { آمِناً } : ذو أمن يأمن فيه الناس ، وذلك أن العرب كان يُغِير بعضُها على بعض ، وأهل مكة آمنون في الحرم من القتل والسَّبي والغارة ، أي : فكيف يخافون إِذا أسلموا وهم في حرم آمن ؟ ! { يُجْبي } [ قرأ نافع : { تُجْبي } بالتاء ] ، أي : تُجْمَع إِليه وتُحمل من [ كل ] النواحي الثمرات ، { رزْقاً مِنْ لَدُنَّا } أي : مِنْ عندنا { ولكنَّ أكثرهم } يعني أهل مكة { لا يَعْلَمون } أنَّ الله هو الذي فعل بهم ذلك فيشكرونه . ومعنى الآية : إِذا كنتم آمنين في حرمي تأكلون رزقي وتعبُدون غيري ، فكيف تخافون إِذا عَبَدتموتي وآمنتم بي ؟ ! ثم خوَّفهم عذاب الأمم الخالية فقال : { وكم أَهْلَكْنَا من قرية بَطِرَتْ مَعِيشتَها } قال الزجاج : { معيشتَها } منصوبة باسقاط « في » ، والمعنى : بَطِرَتْ في معيشتها ، والبطر : الطُّغيان في النِّعمة . قال عطاء : عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام . قوله تعالى : { فتلك مساكنُهم لَمْ تُسْكَن مِنْ بَعدهم إِلاَّ قليلاً } قال ابن عباس : لم يسكُنْها إِلاَّ المسافرون ومارُّ الطريق يوماً أو ساعة ، والمعنى : لم تُسْكَن من بعدهم إِلا سُكُوناً قليلاً { وكُنَّا نحن الوارثين } أي : لم يَخْلُفهم أحد بعد هلاكهم في منازلهم ، فبقيتْ خراباً غير مسكونة .