Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 28-34)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يا أيُّها النبيُّ قُلْ لأزواجكَ … } الآية ، ذكر أهل التفسير " أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئاً من عرض الدنيا ، وطلبن منه زيادة النفقة ، وآذينه بغَيْرة بعضهنّ على بعض ، فآلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُنَّ شهراً ، وصَعِد إِلى غرفة له فمكث فيها ، فنزلت هذه الآية ، وكُنَّ أزواجُه يومئذ تسعاً . عائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسَوْدة ، وأم سَلَمة ، وصَفِيَّة الخيبريَّه ، وميمونة الهلالية ؛ وزينب بنت جحش ، وجويرية بنت الحارث ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض الآية عليهنّ ، فبدأ بعائشة ، فاختارت الله ورسوله ، ثم قالت : يا رسول الله لا تُخبر أزواجك أنِّي اخترتك ؛ فقال : « إِن الله بعثني مُبلِّغاً ولم يبعثني متعنِّتاً » " وقد ذكرت حديث التخيير في كتاب « الحدائق » وفي « المغني » بطوله . وفي ما خيَّرهنَّ فيه قولان . أحدهما : أنه خيَّرهن بين الطلاق والمقام معه ، هذا قول عائشة عليها السلام . والثاني : أنه خيَّرهنَّ بين اختيار الدنيا فيفارقهنّ ، أو اختيار الآخرة فيُمسكهنّ ، ولم يخيِّرهنّ في الطلاق ، قاله الحسن ، وقتادة . وفي سبب تخييره إِيَّاهُنَّ ثلاثة أقوال . أحدها : أنَّهنَّ سألنَه زيادة النَّفقة . والثاني : أنَّهنَّ آذَينه بالغَيْرة ، والقولان مشهوران في التفسير . والثالث : أنه لمَّا خُيِّر بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة ، أُمِر بتخيير نسائه ليكنَّ على مِثْل حاله ، حكاه أبو القاسم الصَّيمري . والمراد بقوله : { أُمَتَّعْكُنَّ } : مُتعة الطلاق . والمراد بالسَّراح : الطلاق ، وقد ذكرنا ذلك في [ البقرة : 231 ] . والمراد بالدار الآخرة . الجنة . والمُحْسِنات : المُؤْثِرات للآخرة . قال المفسرون : فلمّا اخْتَرْنَه أثابهنَّ اللّهُ عز وجل ثلاثة أشياء . أحدها : التفضيل على سائر النساء بقوله : { لَسْتُنَّ كأحَد من النساء } . والثاني : أن جَعَلَهُنَّ أُمَّهات المؤمنين . والثالث : أن حظر عليه طلاقَهُنَّ والاستبدال بهنّ بقوله : { لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ } [ الأحزاب : 52 ] . وهل أُبيح له بعد ذلك التزويج عليهنّ ؟ فيه قولان سيأتي ذِكْرهما إِن شاء الله تعالى . قوله تعالى : { مَنْ يأتِ مِنْكُنَّ بفاحشة مُبَيِّنة } أي : بمعصية ظاهرة . قال ابن عباس : يعني النشوز وسوءَ الخُلُق { يُضَاعَفْ لها العذابُ ضِعفين } أي : يُجعل عذاب جُرمها في الآخرة كعذاب جُرمَين ، كما أنها تُؤتى أجرَها على الطاعة مرتين . وإِنما ضوعف عِقابُهنّ ، لأنهنَّ يشاهدن من الزّواجر الرَّادعة مالا يُشاهِد غيرُهن ، فاذا لم يمتنعن استحققن تضعيف العذاب ، ولأن في معصيتهنَّ أذىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وجُرم من آذى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أكبرُ من جُرم غيره . قوله تعالى : { وكان ذلك على الله يسيراً } أي : وكان عذابُها على الله هيِّناً . { ومن يَقْنُت } أي : تُطع ، و { وأعتدنا } قد سبق بيانه [ النساء : 37 ] ، والرِّزق الكريم : الحَسَن ، وهو الجنة . ثُمَّ أظهر فضيلتهنَّ على النساء بقوله : { لَسْتُنَّ كأَحد من النساء } قال الزجاج : لم يقل : كواحدة من النساء ، لأن « أَحَداً » نفي عامّ للمذكَّر والمؤنَّث والواحد والجماعة . قال ابن عباس : يريد ليس قدرُكُنَّ عندي مثل قَدْر غيركنَّ من النساء الصالحات ، أنْتُنَّ أكرمُ عليَّ ، وثوابُكُنَّ أعظم { إِنِ اتَّقَيْتُنَّ } ، فشرط عليهن التقوى بياناً أن فضيلتهنَّ إِنَّما تكون بالتقوى ، لا بنفس اتصالهنَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : { فلا تَخْضَعْنَ بالقول } أي : لا تلِنَّ بالكلام { فَيَطْمَعَ الذي في قلبه مرض } أي : فُجور ؛ والمعنى : لا تَقُلْنَ قولاً يجد به منافق أو فاجر سبيلاً إِلى موافقتكن له ؛ والمرأة مندوبة إِذا خاطبت الأجانب إِلى الغِلظة في المَقَالة ، لأن ذلك أبعد من الطمع في الرِّيبة . { وقُلْنَ قولاً معروفاً } أي : صحيحاً عفيفاً لا يُطمِع فاجراً . { وقَرْنَ في بُيوتِكُنَّ } قرأ نافع ، وعاصم إِلا أبان ، وهبيرة ، والوليد بن مسلم عن ابن عامر : { وقََرْنَ } بفتح القاف ؛ وقرأ الباقون بكسرها . قال الفراء : من قرأ بالفتح ، فهو من قَرَرْتُ في المكان ، فخفِّفت ، كما قال : { ظَلْتَ عليه عاكفاً } [ طه : 97 ] ، ومن قرأ بالكسر ، فمن الوَقار ، يقال : قِرْ في منزلك . وقال ابن قتيبة : من قرأ بالكسر ، فهو من الوقار ، يقال : وَقَرَ في منزله يَقِرُ وَقُوراً . ومن قرأ بنصب القاف جعله من القرار . وقرأ أُبيُّ بن كعب ، وأبو المتوكل { واقْرَرْنَ } باسكان القاف وبراءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة . وقرأ ابن مسعود ، وابن أبي عبلة مثله ، إِلا أنهما كسرا الراء الأولى . قال المفسرون : ومعنى الآية : الأمر لهن بالتوقُّر والسكون في بُيوتهنَّ وأن لا يَخْرُجْنَ . قوله تعالى : { ولا تَبَرَّجْنَ } قال أبو عبيدة : التبرُّج : أن يُبْرِزن محاسنهن . وقال الزجاج : التبرُّج : إِظهار الزِّينة وما يُستدعى به شهوةُ الرجل . وفي { الجاهلية الأولى } أربعة أقوال . أحدها : أنها كانت بين إِدريس ونوح ، وكانت ألف سنة ، رواه عكرمة عن ابن عباس . والثاني : أنها كانت على عهد إِبراهيم عليه السلام ، وهو قول عائشة رضي الله عنها . والثالث : بين نوح وآدم ، قاله الحكم . والرابع : ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام ، قاله الشعبي . قال الزجاج : وإِنما قيل : { الأولى } ، لأن كل متقدِّم أوَّل ، وكل متقدِّمة أُولى ، فتأويله : أنهم تقدّموا أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم . وفي صفة تبرُّج الجاهلية الأولى ستة أقوال . أحدها : أن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال ، فهو التبرج ، قاله مجاهد . والثاني : أنها مِشية فيها تكسُّر وتغنُّج ، قاله قتادة . والثالث : أنه التبختر ، قاله ابن أبي نجيح . والرابع : أن المرأة منهن كانت تتخذ الدِّرع من اللؤلؤ فتَلْبَسُه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها غيره ، وذلك في زمن إِبراهيم عليه السلام ، قاله الكلبي . والخامس : أنها كانت تُلقي الخِمار عن رأسها ولا تشُدُّه ، فيُرى قُرْطها وقلائدها ، قاله مقاتل . والسادس : أنها كانت تَلْبَس الثياب تبلغ المال ، لا تواري جَسدها ، حكاه الفراء . قوله تعالى : { إِنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجس } وفيه للمفسرين خمسة أقوال . أحدها : الشرك ، قاله الحسن . والثاني : الإِثم ، قاله السدي . والثالث : الشيطان ، قاله ابن زيد . والرابع : الشكّ . والخامس : المعاصي ، حكاهما الماوردي . قال الزجاج : الرِّجس : كل مستقذَر من مأكول أو عمل أو فاحشة . ونصب { أهلَ البيت } على وجهين . أحدهما : على معنى : أعني أهلَ البيت . والثاني : على النداء ، فالمعنى : يا أهل البيت . وفي المراد بأهل البيت هاهنا ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهنَّ في بيته ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، وابن السائب ، ومقاتل . ويؤكذ هذا القولَ أن ما قبله وبعده متعلِّق بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلى أرباب هذا القول اعتراض ، وهو أن جمع المؤنَّث بالنون ، فكيف قيل : { عنكم } { ويطهركم } ؟ فالجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهنَّ ، فغلّب المذكَّر . والثاني : أنه خاصٌّ في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليَ وفاطمة والحسن والحسين ، قاله أبو سعيد الخدري . وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك . والثالث : أنهم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه ، قاله الضحاك . وحكى الزجاج أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال الذين هم آله ؛ قال : واللغة تدل على أنها للنساء والرجال جميعاً ، لقوله : « عنكم » بالميم ، ولو كانت للنساء ، لم يجز إِلاَّ « عنكنّ » « ويُطهركنّ » . قوله تعالى : { ويُطَهِّرَكم تطهيراً } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : من الشِّرك ، قاله مجاهد . والثاني : من السُّوء ، قاله قتادة . والثالث : من الإِثم ، قاله السدي ، ومقاتل . قوله تعالى : { واذكُرْنَ } فيه قولان . أحدهما : أنه تذكير لهنَّ بالنِّعَم . والثاني : أنه أمرٌ لهنَّ بحفظ ذلك . فمعنى { واذكُرْنَ } : واحفَظْن { ما يُتْلى في بيوتكُنَّ من آيات الله } يعني القرآن . وفي الحكمة قولان . أحدهما : أنها السُّنَّة ، قاله قتادة . والثاني : الأمر والنهي ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { إِن الله كان لطيفاً } أي : ذا لطف بكُنَّ إِذْ جعلكُنَّ في البيوت التي تُتْلى فيها آياتُه { خبيراً } بكُنَّ إِذ اختارَكُنَّ لرسوله .