Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 23-27)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { مِنَ المؤمنين رجال صَدَقوا ما عاهدوا الله عليه } اختلفوا فيمن نزلت على قولين . أحدهما : أنها نزلت في أنس بن النضر ، قاله أنس بن مالك . وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك قال : غاب عمِّي أَنَس بن النَّضْر عن قتال بدر ، فلمَّا قَدِم قال : غِبْتُ عن أوَّل قتال قاتله رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين ، لئن أشهدني اللّهُ عز وجل قتالاً لَيَرَيَنَّ اللّهُ ما أصنع ، فلمّا كان يوم أُحُدٍ انكشف الناسُ ، فقال : اللهم إِني أبرأُ إِليكَ ممَّا جاء به هؤلاء ، يعني المشركين ، وأعتذر إِليك ممَّا صنع هؤلاء ، يعني المسلمين ؛ ثم مشى بسيفه ، فلقيه سعد بن معاذ ، فقال : أي سعد ، والذي نفسي بيده إِني لأجد ريح الجنة دون أُحُد ، واهاً لريح الجنة . قال سعد : فما استطعتُ يا رسول الله ما صنع ؛ قال أنس : فوجدناه بين القتلى به بِضْع وثمانون جِراحة ، من ضربة بسيف ، وطعنة برمح ، ورَمْيَة بسهم ، قد مثَّلوا به ؛ قال : فما عرفناه حتى عرفتْه أختُه بِبَنانه ؛ قال أنس : فكنّا نقول : أُنزلت هذه الآية { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فيه وفي أصحابه . والثاني : أنها نزلت في طلحة بن عبيد الله ، روى النزَّال بن سَبْرة عن عليّ عليه السلام أنهم قالوا له : حدِّثنا عن طلحة ، قال : ذاك امرؤٌ نزلت فيه آية من كتاب الله تعالى { فمنهم من قضى نحبه } لا حساب عليه فيما يستقبل . وقد جعل بعض المفسرين هذا القدر من الآية في طلحة ، وأولها في أنس . قال ابن جرير : ومعنى الآية : وَفَواْ لله بما عاهدوه عليه . وفي ذلك أربعة أقوال . أحدها : أنهم عاهدوا ليلة العقبة على الإِسلام والنصرة . والثاني : أنهم قوم لم يشهدوا بدراً ، فعاهدوا الله أن لا يتأخَّروا بعدها . والثالث : أنهم عاهدوا أن لا يفرُّوا إِذا لاقَواْ ، فصَدَقوا . والرابع : أنهم عاهدوا على البأساء والضرَّاء وحين البأس . قوله تعالى : { فمنهم من قضى نَحْبه ومنهم من يَنْتَظِرُ } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : فمنهم من مات ، ومنهم من ينتظر الموت ، قاله ابن عباس . والثاني : فمنهم من قضى عهده قُتل أو عاش . ومنهم من ينتظر أن يقضيَه بقتال أو صدق لقاءٍ ، قاله مجاهد . والثالث : فمنهم من قضى نَذْره الذي كان نذر ، قاله أبو عبيدة . فيكون النَّحْب على القول الأول : الأَجْل ؛ وعلى الثاني : العهد ؛ وعلى الثالث : النَّذْر . وقال ابن قتيبة : { قضى نحبه } أي : قُتل ، وأصل النَّحْب : النَّذْر ، كأن قوماً نذورا أنهم إِن لَقُوا العدوَّ قاتَلوا حتى يُقتَلوا أو يَفتَح اللّهُ عليهم ، فقُتِلوا ، فقيل : فلان قضى نَحْبَه ، أي : قُتِل ، فاستعير النَّحْب مكان الأَجَل ، لأن الأَجَل وقع بالنَّحْب ، وكان النَّحْبُ سبباً له ، ومنه قيل : للعطيَّة : « مَنْ » ، لأن من أعطى فقد مَنَّ . قال ابن عباس : ممَّن قضى نَحْبه : حمزة بن عبد المطلب ، وأنس بن النَّضْر وأصحابه . وقال ابن إِسحاق : { فمنهم من قضى نحبه } من استُشهد يوم بدر وأُحُدٍ ، { ومنهم من ينتظرُ } ما وعد اللّهُ من نصره ، أو الشهادة على ما مضى عليه أصحابه { وما بدَّلوا } أي : ما غيَّروا العهد الذي عاهدوا ربَّهم عليه كما غيَّر المنافقون . قوله تعالى : { لِيَجْزِيَ اللّهُ الصَّادِقِين بِصِدقهم } وهم المؤمنون الذين صدقوا فيما عاهدوا { الله } عليه { ويعذِّبَ المنافقين } بنقض العهد { إِن شاء } وهو أن يُميتَهم على نفاقهم { أو يتوبَ عليهم } في الدنيا ، فيخرجَهم من النفاق إِلى الإِيمان ، فيغفر لهم . { وردَّ اللّهُ الذين كفروا } يعني الأحزاب ، صدَّهم ومنعهم عن الظَّفَر بالمسلمين { بِغَيْظهم } أي : لم يَشْفِ صدورهم بِنَيْل ما أرادوا { لم ينالوا خيراً } . أي : لم يظفروا بالمسلمين ، وكان ذلك عندهم خيراً ، فخوطبوا على استعمالهم { وكفى اللّهُ المؤمنين القتال } بالريح والملائكة ، { وأَنزل الذين ظاهروهم } أي : عاونوا الأحزاب ، وهم بنو قريظة ، وذلك أنهم نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد ، وصاروا مع المشركين يداً واحدة . وهذه الإِشارة إِلى قصتهم . ذكر أهل العِلْم بالسِّيرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا انصرف من الخندق وضع عنه اللأْمة واغتسل ، فتبدَّى له جبريل ، فقال : ألا أراك وضعت اللأْمة ، وما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة ؟ ! إِن الله يأمرك أن تسير إِلى بني قريظة فانِّي عامد إِليهم فمزلزِل بهم حصونهم ؛ فدعا عليّاً فدفع لواءه إِليه ، وبعث بلالاً فنادى في الناس : إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن لا تصلُّوا العصر إِلا ببني قريظة ، ثم سار إِليهم فحاصرهم خمسة عشر يوماً أشدَّ الحصار ، وقيل : عشرين ليلة ، فأَرسلوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَرْسِل إِلينا أبا لُبَابة بن عبد المنذر ، فأرسله إِليهم ، فشاوروه في أمرهم ، فأشار إِليهم بيده : إِنه الذَّبْح ، ثُمَّ ندم فقال : خنتُ اللّهَ ورسولَه ، فانصرف ، فارتبط في المسجد حتى أنزل الله توبته ، ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمَّر بهم رسول الله محمدَ ابن مَسْلمة ، وكُتِّفوا ، ونُحُّوا ناحيةً ، وجُعل النساء والذُّرِّية ناحيةً . وكلَّمت الأوسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يَهَبَهم لهم ، وكانوا حلفاءهم ، فجعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحُكْمَ فيهم إِلى سعد بن معاذ " ؛ هكذا ذكر محمد بن سعد . وحكى غيره : " أنهم نزلوا أوَّلاً على حكم سعد بن معاذ ، وكان بينهم وبين قومه حلف ، فَرَجَواْ أن تأخذه فيهم هوادة ، فحكم فيهم أن يُقتل كلُّ مَنْ جَرَت عليه المَوَاسي ، وتُسبى النساء والذراري ، وتُقسم الأموال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لقد حكمتَ بحُكم الله من فوق سبعة أرقعة » ؛ وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بهم فأُدخلوا المدينة ، وحُفر لهم أُخدود في السوق ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه ، وأُخرجوا إِليه فضُربت أعناقهم ، وكانوا ما بين الستمائة إِلى السبعمائة " . قوله تعالى : { مِنْ صياصيهم } قال ابن عباس وقتادة : من حصونهم ؛ قال ابن قتيبة : وأصل الصيَّاصي : قرون البقر ، لأنها تمتنع بها وتدفع عن أنفسها ؛ فقيل : للحصون : الصياصي ، لأنها تَمنع ، وقال الزجاج : كل قرن صيصية ، وصيصية الديك : شوكة يتحصن بها . قوله تعالى : { وقَذَفَ في قلوبهم الرُّعب } أي : ألقى فيها الخوف { فريقاً تقتُلون } وهم المُقاتِلة { وتأسِرون } وقرأ ابن يعمر ، وابن أبي عبلة : { وتأسُرون } برفع السين { فريقاً } وهم النساء والذَّراري ، { وأَورَثكم أرضَهم وديارهم } يعني عَقارهم ونخيلهم ومنازلهم { وأموالَهم } من الذهب والفضة والحُلِيّ والعبيد والإِماء { وأرضاً لم تطؤوها } أي : لم تطؤوها بأقدامكم بَعْدُ ، وهي مما سنفتحها عليكم ؛ وفيها أربعة أقوال . أحدها : أنها فارس والروم ، قاله الحسن . والثاني : ما ظهر عليه المسلمون إِلى يوم القيامة ، قاله عكرمة . والثالث : مكة ، قاله قتادة . والرابع : خيبر ، قاله ابن زيد ، وابن السائب ، وابن إِسحاق ، ومقاتل .