Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 36-37)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة … } الآية ، في سبب نزولها قولان . أحدهما : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يخطب زينب بنت جحش لزيد بن حارثة ، فقالت : لا أرضاه ، ولستُ بِنَاكِحَتِه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بلى فانكحيه ، فانِّي قد رضيتُه لك » ، فأبت " ، فنزلت هذه الآية . وهذا المعنى مرويّ عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والجمهور . وذكر بعض المفسرين أن عبد الله بن جحش أخا زينب كره ذلك كما كرهته زينب ، فلمَّا نزلت الآيةُ رضيا وسلَّما . قال مقاتل : والمراد بالمؤمن : عبد الله بن جحش ، والمؤمنة : زينب بنت جحش . والثاني : " أنها نزلت في أُمِّ كُلثوم بنت عُقْبة بن أبي مُعَيط ، وكانت أوَّل امرأة هاجرت ، فوهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « قد قَبلْتُكِ » ، وزوَّجها زيدَ بن حارثة ، فسخطت هي وأخوها ، وقالا : إِنَّما أردنا رسولَ الله فزوَّجها عبدَه " ؟ فنزلت هذه الآية ، قاله ابن زيد . والأول عند المفسرين أصح . قوله تعالى : { إِذا قضى اللّهُ ورسولُه أمراً } أي : حَكَما بذلك { أن تكون } وقرأ أهل الكوفة : { أن يكون } بالياء { لهم الخِيَرَةُ } وقرأ أبو مجلز ، وأبو رجاء : { الخِيْرَةُ } باسكان الياء ؛ فجمع في الكناية في قوله « لهم » ، لأن المراد جميع المؤمنين والمؤمنات ، والخِيرَة : الاختيار ، فأعلم الله عز وجل أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله ، فلمَّا زوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زيداً مكثت عنده حيناً ، ثم إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزل زيد فنظر إِليها وكانت بيضاء جميلة من أتمِّ نساء قريش ، فوقعت في قلبه ، فقال : « سبحان مقلِّب القلوب » ، وفطن زيد ، فقال : يا رسول الله ائذن لي في طلاقها . وقال بعضهم : أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد ، فرأى زينب ، فقال : « سبحان مقلِّب القلوب » ، فسمعت ذلك زينب ، فلمَّا جاء زيد ذكرت له ذلك ، فعلم أنها قد وقعت في نفسه ، فأتاه فقال : يا رسول الله ائذن لي في طلاقها . وقال ابن زيد : جاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلى باب زيد - وعلى الباب سِتْر من شعر - فرفعت الريح السِّتر ، فرأى زينب ، فلمَّا وقعت في قلبه كرهت إِلى الآخر ، فجاء فقال : يا رسول الله أُريد فراقها ، فقال له : « اتق الله » . وقال مقاتل : لمَّا فطن زيد لتسبيح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : يا رسول الله ائذن لي في طلاقها ، فان فيها كِبْراً ، فهي تَعظَّم عليَّ وتؤذيني بلسانها ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : { أمسك عليك زوجك واتق الله } . ثم إِن زيداً طلَّقها بعد ذلك ، فأنزل الله تعالى : { وإِذ تقولُ للذي أنعم اللّهُ عليه } بالاسلام { وأنعمتَ عليه } بالعِتْق . قوله تعالى : { واتَّقِ اللّهَ } أي : في أمرها فلا تطلِّقها { وتُخفي في نَفْسك } أي : تُسِرُّ وتُضْمِر في قلبك { ما اللّهُ مُبْدِيه } أي : مُظْهِره ؛ وفيه أربعة أقوال . أحدها : حُبّها ، قاله ابن عباس . والثاني : عهد عهده الله إِليه أنَّ زينب ستكون له زوجة ، فلمَّا أتى زيد يشكوها ، قال له : { أَمْسِك عليك زوجك واتق الله } ، وأخفى في نفسه ما الله مبديه ، قاله علي بن الحسين . والثالث : إِيثاره لطلاقها ، قاله قتادة ، وابن جريج ، ومقاتل . والرابع : أن الذي أخفاه : إِن طلَّقها زيد تزوجتُها ، قاله ابن زيد . قوله تعالى : { وتخشى الناسَ } فيه قولان . أحدهما : أنه خشي اليهود أن يقولوا : تزوَّج محمد امرأة ابنه ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثاني : أنه خشي لوم الناس أن يقولوا أمر رجلاً بطلاق امرأته ، ثم نكحها . قوله تعالى : { واللّهُ أحقُّ أن تَخْشَاه } أي : أولى أن تخشى في كل الأحوال ، وليس المراد أنه لم يخش اللّهَ في هذه الحال ، ولكن لمَّا كان لخشيته بالخَلْق نوع تعلُّق ، قيل له : اللّهُ أحقُّ أن تخشى منهم . قالت عائشة : ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشدّ عليه من هذه الآية ، ولو كتم شيئاً من الوحي لكتمها . فصل وقد ذهب بعض العلماء إِلى تنزيه رسول الله من حُبِّها وإِيثاره طلاقها ، وإِن كان ذلك شائعاً في التفسير . قالوا : وإِنما عوتب في هذه القصة على شيئين : أحدهما : أنه أُخبر بأنها ستكون زوجة له ، فقال لزيد : { أمسك عليك زوجك } فكتم ما أخبره الله به من أمرها حياءً من زيد ان يقول له : إِنَّ زوجتَك ستكون امرأتي ؛ وهذا يخرج على ما ذكرنا عن عليّ بن الحسين ، وقد نصره الثعلبي ، والواحدي . والثاني : أنه لمَّا رأى اتصال الخصومة بين زيد وزينب ، ظن أنهما لا يتفقان وأنه سيفارقها ، وأضمر أنه إِن طلَّقها تزوَّجتُها صِلةً لرحمها ، وإِشفاقاً عليها ، لأنها كانت بنت عمته أُميمة بنت عبد المطلب ، فعاتبه الله على إِضمار ذلك وإِخفائه حين قال لزيد : { أَمسك عليك زوجك } ، وأراد منه أن يكون ظاهره وباطنه عند الناس سواء كما قيل له في قصة رجل أراد قتله : هلاّ أومأتَ إِلينا بقتله ؟ فقال : " ما ينبغي لنبيّ أن تكون له خائنة الأعين " ، ذكر هذا القول القاضي أبو يعلى رحمه الله عليه . قوله تعالى : { فلمَّا قضى زيدٌ منها وَطَراً } قال الزجاج : الوَطَر : كل حاجة لك فيها هِمَّة ، فاذا بلغها البالغ قيل : قد قضى وَطَره . وقال غيره : قضاء الوَطَر في اللغة : بلوغ منتهى ما في النفس من الشيء ، ثم صار عبارة عن الطلاق ، لأن الرجل إِنما يطلِّق امرأته إِذا لم يبق له فيها حاجة . والمعنى : لمَّا قضى زيد حاجته من نكاحها { زوَّجْناكها } ، وإِنما ذكر قضاء الوَطَر هاهنا ليُبيِّن أن امرأة المتبنَّي تَحِلُّ وإِن وطئها ، وهو قوله : { لِكَيْلا يكونَ على المؤمنين حَرَجٌ في أزواج أدعيائهم إِذا قَضَواْ منهنَّ وَطَراً } ؛ والمعنى : زوجْناك زينب - وهي امرأة زيد الذي تبنَّيتَه - لكيلا يُظَنَّ أن امرأة المتبنَّى لا يحلُّ نكاحها . وروى مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال : لمَّا انقضت عِدَّة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد : « اذهب فاذْكُرها علَيَّ » ، قال زيد : فانطلقتُ ، فلمَّا رأيتُها عَظُمَتْ في صدري حتى ما أستطيع أن أنظرُ إِليها ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها ، فولَّيتُها ظهري ، ونَكَصْتُ على عَقِبي ، وقلتُ : يا زينب : أرسلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يذكُركِ ، قالت : ما أنا بصانعة شيئاً حتى أُوَامر ربِّي ، فقامت إِلى مسجدها ، ونزل القرآن ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إِذن . وذكر أهل العلم أن من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أُجيز له التزويج بغير مَهْر ليَخلُص قَصْد زوجاته لله دون العِوَض ، وليخفّف عنه ، وأُجيز له التزويج بغير وليٍّ ، لأنه مقطعوع بكفاءته ، وكذلك هو مستغنٍ في نكاحه عن الشهود . وكانت زينب تفاخر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وتقول : زوَّجكُنَّ أهلوكُنَّ ، وزوَّجني اللّهُ عز وجل .