Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 11-26)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { فاسْتَفْتِهِمْ } أي : فَسَْلهُمْ سؤالَ تقرير { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أي : أَحْكَمُ صَنْعةً { أَمْ مَنْ خَلَقْنَا } فيه قولان : أحدهما : أن المعنى : أَمْ مَنْ عدَدْنا خَلْقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض ، قاله ابن جرير . والثاني : أَمْ مَنْ خَلَقْنا قبلهم من الأمم السالفة ، والمعنى : إنهم ليسوا بأقوى من أولئك وقد أهلكناهم بالتكذيب ، فما الذي يؤمن هؤلاء ؟ ! . ثم ذكر خَْلق الناس فقال : { إِنّا خَلَقْناهم مِنْ طينٍ لازِبٍ } قال الفراء ، وابن قتيبة : أي : لاصقٍ لازمٍ ، والباء تُبدَلُ من الميم لقُربِ مَخْرَجَْيهما . قال ابن عباس : هو الطيّن الحُرُّ الجيِّد اللَّزِقُ . وقال غيره : هو الطِّين الذي يَنْشَف عنه الماءُ وتبقى رطوبتُه في باطنه فيَلْصَق باليد كالشمع . وهذا إِخبار عن تساوي الأصل في خَلْقهم وخَلْق مَن قَبْلَهم ؛ فمن قدَر على إِهلاك الأقوياء ، قَدرَ على إهلاك الضُّعفاء . قوله تعالى : { بل عَجِبْتَ } " بل " معناه : تركُ الكلام الأول والأخذُ في الكلام الآخر ، كأنه قال : دع يا محمد ما مضى . وفي { عَجِبْتَ } قراءتان : قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر : { بل عَجِبْتَ } بفتح التاء . وقرأ عليّ بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وعكرمة ، وقتادة ، وأبو مجلز ، والنخعي ، وطلحة بن مصرف ، والأعمش ، وابن أبي ليلى ، وحمزة ، والكسائي في آخرين : { بل عَجِبْتُ } بضم التاء ، [ واختارها الفراء ] . فمن فتح أراد : بل عَجِبْتَ يا محمد { ويَسْخَرونَ } هم . قال ابن السائب : أنتَ تَعْجَبُ منهم ، وهم يَسْخَرون منك . وفي ما عجبَ منه قولان : أحدهما : من الكفار إِذ لم يؤمِنوا بالقرآن . والثاني : إذ كفروا بالبعث . ومن ضَمَّ ، أراد الإِخبار عن الله عز وجل أنه عَجِبَ ، قال الفراء : وهي قراءة عليّ ، وعبد الله ، وابن عباس ، وهي أحبُّ إليّ ، وقد أنكر هذه القراءة قوم ، منهم شريح القاضي ، فإنه قال : إن الله لا يَعْجَب إِنما يَعْجَبَ مَنْ لا يَعْلَم . قال الزجاج : وإنكار هذه القراءة غلط ، لأن العَجَبَ من الله خلاف العَجَب من الآدميين ، وهذا كقوله { ويَمْكُر اللهُ } [ الأنفال : 30 ] وقوله { سَخِر اللهُ منهم } [ التوبة : 79 ] وأصل العَجَب في اللغة : أن الإِنسان إِذا رأى ما يُنْكرِهُ ويَقَلُّ مِثْلُه ، قال : قد عَجَبتُ من كذا ، وكذلك إِذا فَعَلَ الآدميُّون ما يُنْكِرُه اللهُ عز وجل ، جاز أن يقول : عَجِبْتُ ، واللهُ قد عَلِم الشيءَ قبل كونه . وقال ابن الأنباري : المعنى : جازيتُُهم على عجبهم من الحق فسمّى الجزاء على الشيء باسم الشيء الذي له الجزاء ، فسمّى فعله عَجَباَ وليس بعَجَب في الحقيقة ، لأن المتعَجِّب يدهش ويتحيَّر ، واللهُ عزَ وجَلَّ قد جَلّ عن ذلك ؛ وكذلك سُمِّي تعظيم الثواب عَجَباَ ، لأنه إنما يُتعجَّب من الشيء إِذا كان في النهاية ، والعرب تسمي الفعل باسم الفعل إِذا داناه من بعض وجوهه ، وإن كان مخالفاً له في أكثر معانيه ، قال عديّ : @ ثُمَّ أَضْحَوْا لَعِبَ الدَّهْرُ بهِمُ [ وكَذاكَ الدَّهْرُ يُودِي بالرِّجالِ ] @@ فجعل إهلاك الدهر وإِفساده لَعِباً . وقال ابن جرير : من ضم التاء ، فالمعنى : بل عَظُم عندي وكَبُر اتِّخاذُهم لي شريكاً وتكذيبُهم تنزيلي . وقال غيره : إِضافة العَجَب إَلى الله على ضربين : أحدهما : بمعنى الإِنكار والذمِّ ، كهذه الآية . والثاني : بمعنى الاستحسان والإِخبار عن تمام الرضى ، كقوله عليه السلام : " عَجِبَ ربُّكَ مِنْ شابٍ ليست له صَبوةٌ " قوله تعالى : { وإِذا ذُكرِّوا لا يَذْكُرونَ } أي : إِذا وُعِظوا بالقرآن لا يَذْكُرون ولا يَتَّعظون . وقرأ سعيد بن جبير ، والضحاك ، وأبو المتوكل ، وعاصم الجحدري ، وأبو عمران : { ذُكِروا } بتخفيف الكاف . { وإذا رَأوْا آيةً } قال ابن عباس : يعني انشقاق القمر { يَسْتَسْخِرونَ } قال أبو عبيدة : يَسْتَسْخِرونَ ويَسْخَرونَ سواء . قال ابن قتيبة : يقال سَخِرَ واسْتَسْخَرَ ، كما يقال : قَرَّ واسْتَقَرَّ ، وعَجِبَ واسْتَعْجَبَ ، ويجوز أن يكون : يسألون غيرَهم من المشركين أن يَسْخَروا من رسول الله كما يقال : اسْتَعْتَبْتُه ، أي : سألتُه العُتْبَى ، واسْتَوْهَبْتُه ، أي : سألتُه الهِبَة ، واسْتَعْفَيْتُه : سألتُه العَفْوَ . { وقالوا إِنْ هذا } يعنون انشقاق القمر { إلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ } أي : بَيْنٌ لِمَنْ تأمَّله أنه سِحْر . { أإذا مِتْنا } قد سبق بيان [ هذه ] الآية [ مريم : 66 ] . { أوَ آباؤنا } هذه ألف الاستفهام دخلت على حرف العطف ، كقوله : { أوَ أَمِنَ أَهْلُ القُرى } [ الاعراف : 98 ] . وقرأ نافع ، وابن عامر : { أوْ آباؤنا الأَوَّلُونَ } بسكون الواو هاهنا وفي [ الواقعة : 48 ] . { قُلْ نَعَمْ } أي : نَعَمْ تُبْعَثون { وأنتُمْ داخِرونَ } أي : صاغِرونَ . { فإنّما هي زَجْرَةٌ واحدةٌ } أي : فإنّما قِصَّة البعث صيحةٌ واحدة من إسرافيل ، وهي نفخة البعث ، وسُمِّيتْ زجرةً ، لأن مقصودها الزَّجْر { فإذا هُمْ يَنْظُرونَ } قال الزجاج : أي : يُحْيَوْن ويُبعَثونَ بُصَراءَ ينْظرون ، فإذا عايَنوا بعثهم ، ذكروا إِخبار الرُّسل عن البعث ، { وقالوا يا ويلَنا هذا يومُ الدِّينِ } أي : يوم الحساب والجزاء ، فتقول الملائكة : { هذا يومُ الفَصْل } أي : يوم القضاء الذي يُفْصَل فيه بين المُحْسِن والمُسيء ؛ ويقول الله عز وجل يومئذ للملائكة : { أُحشُروا } أي : اجْمَعوا { الذين ظَلَموا } من حيث هم ، وفيهم قولان : أحدهما : أنهم المشركون . والثاني : أنه عامٌّ في كل ظالم . وفي أزواجهم أربعة أقوال : أحدها : أمثالهم وأشباههم ، وهو قول عمر ، وابن عباس ، والنعمان بن بشير ، ومجاهد في أخرين . وروي عن عمر قال : يُحْشَر صاحبُ الرِّبا مع صاحب الرِّبا ، وصاحبُ الزِّنا مع صاحب الزِّنا وصاحب الخمر مع صاحب الخمر . والثاني : أن أزواجَهم : المشركاتُ ، قاله الحسن . والثالث : أشياعهم ، قاله قتادة . والرابع : قُرَناؤهم من الشيَّاطين الذين أضلُّوهم ، قاله مقاتل . وفي قوله : { وما كانوا يعبُدون } ثلاثة أقوال : أحدها : الأصنام ، قاله عكرمة ، وقتادة . والثاني : إبليس وحده ، قاله مقاتل . والثالث : الشياطين ، ذكره الماوردي وغيره . قوله تعالى : { فاهدوهم إلى صراط الجحيم } أي : دُلُّوهم على طريقها ؛ والمعنى : اذهبوا بهم إِليها . قال الزجاج : يقال : هَدَيْتُ الرَّجُل : إِذا دَلَلْتَه ، وهَدَيْتُ العروس إِلى زوجها ، وأهديتُ الهديَّة ، فإذا جعلتَ العروس كالهدية ، قلتَ أهديتُها . قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ } أي : احْبِسوهم { إِنَّهم مسؤولونَ } وقرأ ابن السميفع : { أنَّهم } بفتح الهمزة . قال المفسرون : لمَّا سِيقوا إلى النار حُبِسوا عند الصراط ، لأن السؤال هناك . وفي هذا السؤال ستة أقوال : أحدها : أنهم سئلوا عن أعمالهم وأقوالهم في الدنيا . الثاني : عن " لا إِله إِلا الله " ، رويا جميعاً عن ابن عباس . والثالث : عن خطاياهم ، قاله الضحاك . والرابع : سَألَهُمْ خزَنةُ جهنم { ألَمْ يَأتِكم نَذيرُ } [ الملك : 8 ] ونحو هذا ، قاله مقاتل . والخامس : أنهم يُسألون عمّا كانوا يعبُدون ، ذكره ابن جرير . والسادس : أن سؤالهم قوله { ما لكم لا تَنَاصَرونَ } ؟ ! [ ذكره الماوردي ] . قال المفسِّرون : المعنى : مالكم لا ينصُر بعضُكم بعضاً كما كنتم في الدنيا ؟ ! وهذا جواب أبي جهل حين قال يوم بدر : { نَحْنُ جميعٌ مُنْتَصِرٌ } [ القمر : 44 ] فقيل لهم ذلك يومئذ توبيخاً ، والمُسْتَسْلِم المُنقاد الذَّليل ؛ والمعنى : أنهم منقادون لا حيلة لهم .