Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 27-49)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وأَقْبَلَ بَعْضُهم على بَعْضٍ } فيهم قولان : أحدهما : الإِنس على الشياطين . والثاني : الأتباع على الرؤساء { يتساءَلُونَ } تسآل توبيخ وتأنيب ولَومْ فيقول الأتباع للرؤساء : [ لِمَ ] غررتمونا ؟ ويقول الرؤساء : لِمَ قَبِلْتُمْ مِنّا ؟ فذلك قوله { قالوا } يعنى الأتباع للمتبوعين { إنَّكم كنتم تأتوننا عن اليمين } وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : كنتم تَقْهَروننا بقُدرتكم علينا ، لأنَّكم كنتم أعزَّ مِنّا ، رواه الضحاك عن ابن عباس . والثاني : من قِبَل الدِّين فتُضِلوُّنا عنه ، قاله الضحاك . وقال الزجاج : تأتوننا من قِبَل الدِّين فتخدعونا بأقوى الأسباب . والثالث : كنتم تُوثِّقون ما كنتم تقولون بَأيْمانكم ، فتأتوننا من قِبَل الأيْمان التي تَحْلِفونها . حكاه عليّ بن أحمد النيسابوري . فيقول المتبوعون لهم : { بل لم تكونوا مؤمِنينَ } أي : لم تكونوا على حَقّ فنُضلِّكم عنه ، إِنما الكفر من قِبَلكم . { وما كان عليكم من سُلطان } فيه قولان : أحدهما : أنه القَهْر . والثاني : الحُجَّة . فيكون المعنى على الأول : وما كان لنا عليكم من قُوَّة نَقْهَرُكم بها ونُكْرِهِكُم على مُتابعتنا . وعلى الثاني : لم نأتكم بحُجَّة على ما دعَوْناكم إٍليه كما أتت الرُّسل . قوله تعالى : { فَحَقَّ علينا قولُ ربِّنا } أي : فوجبت علينا كلمةُ العذاب ، وهي قوله { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ } [ الاعراف : 18 ] { إنَّا لذائقونَ } العذاب جميعاً نحن وأنتم ، { فأَغويناكم } أي ، أضلَلْناكم عن الهُدى بدعائكم إلى ما نحن عليه ، وهو قوله { إنّا كُنّا غَاوِينَ } . ثم أخبر عن الأَتباع والمتبوعين بقوله : { فإنَّهم يومَئذٍ في العذاب مُشْترِكونَ } ، والمجرِمون هاهنا : المشركون ، { إنَّهم كانوا } في الدُّنيا { إذا قيل لهم لا إله إلا اللهُ } أي : قولوا هذه الكلمة { يَسْتَكْبِرون } أي : يَتَعَظَّمُون عن قولها { ويقولون أئنّا لَتَارِكو آلهتِنا } المعنى : أَنَتْرُكُ عبادة آلهتنا { لِشاعرٍ } أي : لاتِّباع شاعر ؟ ! يعنون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فردَّ الله عليهم فقال : ( بل ) أي : ليس الأمر على ما قالوا ، بل { جاءَ بالحَقِّ } وهو التوحيد والقرآن . { وصدَّق المُرسَلينَ } الذين كانوا قبله ؛ والمعنى : أنه أتى بما أتَوْا به . ثم خاطب المُشركين بما يعد هذا إلى قوله : { إلاّ عبادَ الله المُخْلَصِينَ } يعني الموحِّدين . قال أبو عبيدة : والعرب تقول : إنَّكم لَذاهبون إلاّ زيداً ، وفي ما استثناهم منه قولان : أحدهما : من الجزاء على الأعمال ، فالمعنى : إنّا لا نؤاخذهم بسوء أعمالهم ، بل نَغْفِرُ لهم ، قاله ابن زيد . والثاني : من دون العذاب ؛ فالمعنى : فإنهم لا يذوقون العذاب ، قاله مقاتل . قوله تعالى : { أولئك لهم رِزْقٌ معلومٌ } فيه قولان : أحدهما : أنه الجنة ، قاله قتادة . والثاني : أنه الرِّزق في الجنة ، قاله السدي . فعلى هذا ، في معنى { معلوم } قولان : أحدهما : أنه بمقدار الغَداة والعَشِيّ ، قاله ابن سائب . والثاني : أنهم حين يشتهونهُ يؤتَون به ، قاله مقاتل . ثم بيَّن الرِّزق فقال : { فواكهُ } [ وهي جمع فاكهة ] وهي الثِّمار كلُّها ، رَطْبها ويابسها { وهم مُكْرَمون } بما أعطاهم الله . وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [ الحجر : 47 ] إلى قوله { يُطافُ عليهم بكأسٍ مِنْ مَعينٍ } قال الضحاك : كلُّ كأس ذُكِرتْ في القرآن ، فإنما عُنيَ بها الخمر ، [ قال أبو عبيدة : الكأس الإناء بما فيه ، والمَعين : الماء الطَّاهر الجاري . قال الزجاج : الكأس الإِناء الذي فيه الخمر ] ، ويقع الكأسُ على كل إناءٍ مع شرابه ، فإن كان فارغاً فليس بكأس ، والمَعين : الخمر تجري كما يجري الماء على وجه الأرض من العُيون . قوله تعالى : { بيضاءَ } قال الحسن : خمر الجنة أشدُّ بياضاً من اللَّبَن . قال أبو سليمان الدمشقي : ويدل على أنه أراد بالكأس الخمر ، أنه قال " بيضاءَ " فأنَّث ، ولو أراد الإناء على انفراده ، أو الإِناء والخمر ، لقال أبيض . وقال ابن جرير : إنما أراد بقوله " بيضاءَ " الكأس ، ولتأنيث الكأس أنّثت البيضاء . قوله تعالى : { لَذَّةٍ } قال ابن قتيبة : أي : لذيذة ، يقال : شراب لِذاذ : إِذا كان طَيِّباً . وقال الزجاج : أي : ذات لَذَّة . { لا فيها غَوْلُ } فيه سبعة أقوال : أحدها : ليس فيها صُداع ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : ليس فيها وجع بطن ، [ رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، وابن زيد ] . والثالث : ليس فيها صُداع رأس ، قاله قتادة . والرابع : ليس فيها أذى ولا مكروه ، قاله سعيد بن جبير . والخامس : لا تَغتال عقولهم ، قاله السدي . وقال الزجاج : لا تَغْتالُ عقولَهم فتذهب بها ولا يُصيبهم منها وجع . والسادس : ليس فيها إثم ، حكاه ابن جرير . والسابع : ليس فيها شيء من هذه الآفات ، لأن كُلَّ مَنْ ناله شيء من هذه الآفات ، قيل : قد غالَتْه غُوْل ، فالصواب أن يكون نفي الغَوْل عنها يَعُمُّ جميع هذه الأشياء ، هذا اختيار ابن جرير . قوله تعالى : { ولاهم عنها يُنْزَفونَ } قرأ حمزة ، والكسائي : بكسر الزاي هاهنا وفي [ الواقعة : 19 ] . وفتح عاصم الزاي هاهنا ، وكسرها في [ الواقعة : 19 ] . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : بفتح الزّاي في السُّورتين ، قال الفراء : فمن فتح ، فالمعنى : لا تِذهبُ عقولهم بُشربها ، يقال للسكران : نَزيف ومَنزوف ؛ [ ومن ] كسر ، ففيه وجهان : أحدهما : لا يُنْفِدون شرابهم ، أي : هو دائم أبداً . والثاني : لا يَسْكَرون ، قال الشاعر : @ لَعَمْري لَئِنْ أَنْزَفْتُمُ أو صَحَوْتُمُ لَبِئْسَ النَّدامَى كُنْتُمُ آلَ أَبْجَرَا @@ قوله تعالى : { وعندهم قاصراتُ الطَّرْفِ } فيه قولان . أحدهما : أنهنَّ النِّساءُ قد قصرن طَرْفهنَّ على أزواجهنَّ فلا يَنْظُرْنَ إلى غيرهم ، وأصل القَصْر : الحبس ، قال ابن زيد : إنَّ المرأة منهنَّ لَتقولُ لزوجها : وعِزَّةِ ربِّي ما أرى في الجنَّة شيئاً أحسنَ منكَ ، فالحمد لله الذي جعلني زوجكَ وجعلكَ زوجي . والثاني : أنهنَّ قد قَصَرن طَرْف الأزواج عن غيرهنَّ ، لكمال حُسنهنّ ، سمعتُه من الشيخ أبي محمد ابن الخشّاب النحوي . وفي العِين ثلاثة أقوال : أحدها : حِسانُ العُيون ، قاله مجاهد . والثاني : عِظام الأعيُن ، قاله السدي ، وابن زيد . والثالث : كِبار العُيون حِسانُها ، وواحدتُهنَّ عَيْناء ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { كأنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنونٌ } في المراد بالبَيْض هاهنا ثلاثة أقوال : أحدها : أنه اللؤلؤ ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال أبو عبيدة . والثاني : بَيْضُ النَّعام ، قاله الحسن ، وابن زيد ، والزجاج . قال جماعة من أهل اللغة : والعرب تُشَبِّه المرأةَ الحسناءَ في بياضها وحُسْن لونها بِبَيْضَة النَّعامة ، وهو أحسن ألوان النساء ، وهو أن تكون المرأة بيضاءَ مُشَرَّبَةٍ صُفْرَةً . والثالث : أنه البَيْض حين يُقْشَر قبل أن تَمَسَّه الأيدي ، قاله السدي ، وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن جرير . فأما المكنون ، فهو المصون . فعلى القول الأول : هو مكنون في صَدَفِهِ ، وعلى الثاني : هو مكنون بريش النَّعام ، وعلى الثالث هو مكنون بقشرة .