Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 11-11)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يوصيكم الله في أولادكم } في سبب نزولها ثلاثة أقوال . أحدها : أن جابر بن عبد الله مرض ، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : كيف أصنع في مالي يا رسول الله ، فنزلت هذه الآية ، رواه البخاري ومسلم . والثاني : أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنتين لها ، فقالت : يا رسول قُتِل أبو هاتين معك يوم أحد ، وقد استفاء عمهما مالهما ، فنزلت ، روي عن جابر بن عبد الله أيضاً . والثالث : أن عبد الرحمن أخا حسان بن ثابت مات ، وترك امرأة ، وخمس بنات ، فأخذ ورثته ماله ، ولم يعطوا امرأته ، ولا بناته شيئاً ، فجاءت امرأته تشكو إِلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي . قال الزجاج : ومعنى يوصيكم : يفرض عليكم ، لأن الوصيّة منه فرض ، وقال غيره : إنما ذكره بلفظ الوصية لأمرين . أحدهما : أن الوصية تزيد على الأمر ، فكانت آكد . والثاني : أن في الوصية حقاً للموصي ، فدل على تأكيد الحال بإضافته إلى حقه . وقرأ الحسن ، وابن أبي عبلة : « يوصِّيكم » بالتشديد . قوله تعالى : { للذكر مثل حظ الأنثيين } يعني ، للابن من الميراث مثل حظ الأنثيين ، ثم ذكر نصيب الإِناث من الأول فقال ، { فإن كن } يعني : البنات { نساءً فوق اثنتين } وفي قوله : « فوق » قولان . أحدهما : أنها زائدة ، كقوله { فاضربوا فوق الأعناق } [ الأنفال : 13 ] . والثاني : أنها بمعنى الزيادة . قال القاضي أبو يعلى : إنما نص على ما فوق الاثنتين ، والواحدة ، ولم ينص على الاثنتين ، لأنه لما جعل لكل واحدة مع الذكر الثلث ، كان لها مع الأنثى الثلث أولى . قوله تعالى : { وإِن كانت واحدة } قرأ الجمهور بالنصب ، وقرأ نافع بالرفع ، على معنى : وإِن وقعت ، أو وجدت واحدة . قوله تعالى : { ولأبويه } قال الزجاج : أبواه تثنية أَبٍ وأبة ، والأصل في الأم أن يقال لها : أبة ، ولكن استغنى عنها بأم ، والكناية في قوله « لأبويه » عن الميت وإن لم يجرِ له ذكر . وقوله تعالى : { فلأمه الثلث } أي : إِذا لم يخلف غير أبوين ، فثلث ماله لأمه ، والباقي للأب ، وإِنما خص الأم بالذكر ، لأنه لو اقتصر على قوله : { وورثه أبواه } ظنّ الظان أن المال يكون بينهما نصفين ، فلما خصّها بالثلث ، دل على التفضيل . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر « فلأُمه » و { في بطون أمهاتكم } [ الزمر : 6 ] و { في أمها } [ القصص : 59 ] و { في أم الكتاب } [ الزخرف : 4 ] بالرفع . وقرأ حمزة والكسائي كل ذلك بالكسر إذا وصلا ، وحجتهما : أنهما أتبعا الهمزة ما قبلها ، من ياء أو كسرة . قوله تعالى : { فان كان له إِخوة } أي : مع الأبوين ، فإنهم يحجبون الأم عن الثلث ، فيردونها إلى السدس ، واتفقوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة إخوة ، حجبوا ، فإن كانا أخوين ، فهل يحجبانها ؟ فيه قولان . أحدهما : يحجبانها عن الثلث ، قاله عمر ، وعثمان ، وعلي ، وزيد ، والجمهور . والثاني : لا يحجبها إِلا ثلاثة ، قاله ابن عباس ، واحتج بقوله : إِخوة . والأخوة : اسم جمع ، واختلفوا في أقل الجمع ، فقال الجمهور : أقله ثلاثة ، وقال قوم : اثنان ، والأول : أصح . وإِنما حجب العلماء الأم بأخوين لدليل اتفقوا عليه ، وقد يُسمّى الاثنان بالجمع ، قال الزجاج : جميع أهل اللغة يقولون : إن الأخوين جماعة ، وحكى سيبويه أن العرب تقول : وضعا رحالهما ، يريدون : رَحْلَي راحلتيهما . قوله تعالى : { من بعد وصية } أي : هذه السهام إِنما تقسم بعد الوصيّة والدّين . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو بكر ، عن عاصم « يوصَى بها » بفتح الصاد في الحرفين . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : « يوصي » فيهما بالكسر ، وقرأ حفص ، عن عاصم الأولى بالكسر ، والثانية بالفتح . واعلم أن الدَّين مؤخّر في اللفظ ، مقدم في المعنى ، لأن الدين حق عليه ، والوصيّة حق له ، وهما جميعا مقدمان على حق الورثة إِذا كانت الوصيّة في ثلث المال ، و « أو » لا توجب الترتيب ، إِنما تدل على أن أحدهما إِن كان ، فالميراث بعده ، وكذلك إن كانا . قوله تعالى : { آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً } فيه قولان . أحدهما : أنه النفع في الآخرة ، ثم فيه قولان . أحدهما : أن الوالد إذا كان أرفع درجة من ولده ، رفع إليه ولده ، وكذلك الولد ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس . والثاني : أنه شفاعة بعضهم في بعض ، رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . والقول الثاني : أنه النفع في الدنيا ، قاله مجاهد . ثم في معناه قولان . أحدهما : أن المعنى : لا تدرون هل موت الآباء أقرب ، فينتفع الأبناء بأموالهم ، أو موت الأبناء ، فينتفع الآباء بأموالهم ؟ قاله ابن بحر . والثاني : أن المعنى : أن الآباء والأبناء يتفاوتون في النفع ، حتى لا يدري أيهم أقرب نفعاً ، لأن الأولاد ينتفعون في صغرهم بالآباء ، والآباء ينتفعون في كبرهم بالأبناء ، ذكره القاضي أبو يعلى . وقال الزجاج : معنى الكلام : أن الله قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمة . ولو وكل ذلك إِليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم ، فتضعون الأموال على غير حكمة . إن الله كان عليماً بما يصلح خلقه ، حكيماً فيما فرض . وفي معنى « كان » ثلاثة أقوال . أحدها : أن معناها : كان عليماً بالأشياء قبل خلقها ، حكيماً فيما يقدِّر تدبيره منها ، قاله الحسن . والثاني : أن معناها : لم يزل . قال سيبوبه : كأن القوم شاهدوا علماً وحكمة فقيل لهم : إن الله كان كذلك ، أي : لم يزل على ما شاهدتم ، ليس ذلك بحادث . والثالث : أن لفظة « كان » في الخبر عن الله عز وجل يتساوى ماضيها ومستقبلها ، لأن الأشياء عنده على حال واحدة ، ذكر هذه الأقوال الزجاج .