Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 1-3)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنّا فَتَحْنا لك فَتْحاً مُبِيناً … } [ الآية ] سبب نزولها : أنه لمَا نزل قوله : { وما أَدري ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُم } [ الأحقاف : 9 ] قال اليهود : كيف نتَّبع رجُلاً لا يَدري ما يُفْعَلُ به ؟ ! فاشتدَّ ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، رواه عطاء عن ابن عباس . وفي المراد بالفتح أربعة أقوال . أحدها : أنه كان يومَ الحديبية ، قاله الأكثرون . قال البراء بن عازب : نحن نَعُدُّ الفتح بَيْعةَ الرِّضْوان . وقال الشعبي : هو فتح الحديبية ، غُفِر له ما تقدَّم من ذَنْبه وما تأخَّر ، وأُطعموا نخل خيبر ، وبلغ الهَدْيُ مَحِلَّه ، وظَهرت الرُّومَ على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس قال الزهري : لم يكن فتحٌ أعظمَ من صُلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكَّن الإِسلامُ في قلوبهم ، وأسلم في ثلاث سنين خَلْقٌ كثير ، وكَثُر بهم سواد الإِسلامُ . قال مجاهد : يعني بالفتح ما قضى اللهُ له من نحر الهَدْي بالحديبية وحَلْق رأسه . وقال ابن قتيبة : " إِنّا فَتَحْنا لك فتحاً مُبيناً " أي : قَضَيْنا لك قضاءً عظيماً ، ويقال للقاضي : الفتَّاح . قال الفراء : والفتح قد يكون صُلحاً ، ويكون أَخْذَ الشيء عَنْوةً ، ويكون بالقتال . وقال غيره : معنى الفتح في اللغة : فتح المنغلق ، والصُّلْح الذي جُعل مع المشركين بالحديبية كان مسدوداً متعذِّراً حتى فتحه الله تعالى . الإِشارة إِلى قصة الحديبية : روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في النَّوم كأن قائلاً يقول [ له ] لَتَدْخُلُنْ المسجد الحرام إِن شاء اللهُ آمنين ، فأصبح فحدَّث الناس برؤياه ، وأمرهم بالخروج للعُمْرة ؛ فذكر أهلُ العِلْم بالسِّيَرِ أنَّه خرج واستنفر أصحابَه للعمرة ، وذلك في سنة ست ، ولم يخرج بسلاح إِلاّ السيوف في القُرُب ، وساق هو وأصحابُه البُدْنَ ، فصلَّى الظُّهر بـ " ذي الحُلَيْفة " ، ثم دعا بالبُدْنِ فجُلِّلَتْ ، ثم أشعرها وقلَّدها ، فعل ذلك أصحابه ، وأحرم ولبَّى . فبلغ المشرِكينَ خروجُه فأجمع رأيُهم على صدِّه عن المسجد الحرام ، وخرجوا حتى عسكروا بـ " بَلْدَح " وقدَّموا مائتي فارس إِلى كُراع الغميم ، وسار رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى دنا من الحديبية ؛ قال الزجاج : وهي بئر ، فسمِّي المكان باسم البئر ؛ قالوا : وبينها وبين مكة تسعة أميال ، فوقفت يَدَا راحلته فقال المسلمون : حَلْ حَلْ ، يزجرونها ، فأبَتْ فقالوا : خَلأَتْ القصْواءُ والخِلاءُ في النّاقة مثل الحِران في الفَرَس . فقال : " ما خَلأَتْ ، ولكن حَبَسها حابِسَ الفِيلِ ، أما واللهِ لا يسألوني خُطَّةً فيها تعظيمُ حُرْمة اللهِ إِلاّ أعطيتُهم إِيّاها " ، ثم جرَّها فقامت ، فولَّى راجعاً عَوْده على بَدْئه حتى نزل على ثمد من أثماد الحديبية قليلِ الماء ، فانتزع سهماً من كنانته فغرزه فيها ، فجاشت لهم بالرَّواء ، وجاءه بُدَيْل بن ورقاء في ركب فسلَّموا وقالوا : جئناك من عند قومك وقد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم ، يُقْسِمون ، لا يُخَلُّون بينك وبين البيت حتى تُبيد خَضْراءَهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَمْ نأتِ لقتال أحَد إِنما جئنا لنطوف بهذا البيت ، فمن صدَّنا عنه قاتلْناه " فرجعَ [ بديل ] فأخبر قريشاً ، فبعثوا عروة بن مسعود ، فكلَّمه بنحو ذلك ، فأخبر قريشاً ، فقالوا : نَرُدُّه مِن عامِنا هذا ويَرْجِع من قابِل فيَدْخُل مكة ويطوف بالبيت ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمانَ بن عفان قال : " اذْهَبْ إِلى قريش فأَخْبِرْهم أنّا لَمْ نأتِ لقتالِ أحَدٍ ، وإِنما جئنا زُوّاراً لهذا البيت ، معنا الهدي ننحره وننصرف " ، فأتاهم فأخبرهم ، فقالوا : لا كان هذا أبداً ، ولا يَدخُلها العامَ ، وبَلَغَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عثمان قد قُتل ، فقال : " لا نَبْرَحُ حتى نُناجِزَهم " ، فذاك حين دعا المسلمين إِلى بيعة الرّضوان ، فبايعهم تحت الشجرة . وفي عددهم يومئذ أربعة أقوال . أحدها : ألف وأربعمائة ، قاله البراء ، وسلمة بن الأكوع ، وجابر ، ومعقل بن يسار . والثاني : ألف وخمسمائة ، روي عن جابر أيضاً ، وبه قال قتادة . والثالث : ألف وخمسمائة وخمس وعشرون ، رواه العوفي عن ابن عباس . والرابع : ألف وثلاثمائة ، قاله عبد الله بن أبي أوفى . قال : وضَرَبَ يومئذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بشماله على يمينه لعثمان ، وقال : إِنه ذهب في حاجة الله ورسوله ، وَجعَلَت الرُّسُل تختلف بينهم ، فأجمعوا على الصُّلح ، فبعثوا سهيل بن عمرو في عِدَّة رجال ، فصالحه كما ذكرنا في [ براءة : 7 ] فأقام بالحديبية بضعة عشر يوماً ، ويقال : عشرين ليلة ، ثم انصرف ، فلمّا كان بـ { ضَجَنَان } نزل عليه : { إنّا فَتَحْنا لك فَتْحاً مبيناً } ، فقال جبريل : يَهنيك يا رسول الله ، وهنّأه المسلمون . والقول الثاني : أن هذا الفتح فتح مكة ، رواه مسروق عن عائشة وبه قال السدي . وقال بعض مَن ذَهَب إِلى هذا : إِنما وُعِد بفتح مكة بهذه الآية . والثالث : أنه فتح خيبر ، قاله مجاهد ، والعوفي وعن أنس بن مالك كالقولين . والرابع : أنه القضاء له بالإِسلام ، قاله مقاتل . وقال غيره : حَكَمْنا لك بإظهار دِينك والنُّصرة على عدوِّك . قوله تعالى : { لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ } قال ثعلب : اللام لام " كي " ، والمعنى : لكي يجتمع لك [ مع ] المغفرة تمام النِّعمة في الفتح ، فلمّا انضمَّ إلى المغفرة شيءٌ حادِثٌ ، حَسُنَ معنى " كي " . وغَلِط من قال : ليس . الفتح سببَ المغفرة . قوله تعالى { ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وما تأخَّرَ } قال ابن عباس : والمعنى " ما تقدَّم " في الجاهلية ، و " ما تأخَّر " ما لم تعلمه ، وهذا على سبيل التأكيد ، كما تقول : فلان يَضْرِب من يلقاه ومن لا يلقاه . قوله تعالى : { ويُتِمِّ نِعمتَه عليك } فيه أربعة أقوال . أحدها : أن ذلك في الجنة . والثاني : أنه بالنُبُوَّة والمغفرة ، رويا عن ابن عباس . والثالث : بفتح مكة والطائف وخيبر حكاه الماوردي . والرابع : بإظهار دِينك على سائر الأديان ، قاله أبو سليمان الدمشقي . قوله تعالى : { ويَهْدِيَكَ صراطاً مستقيماً } أي : ويُثبِّتك عليه ؛ وقيل : ويَهدي بك ، { ويَنْصُرَكُ اللهُ } على عدوِّك { نَصْراً عزيزاً } قال الزجاج : أي : نَصْراً ذا عِزٍّ لا يقع معه ذُلٌّ .