Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 12-12)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { اجتنبوا كثيراً من الظَّنِّ } قال ابن عباس : نهى اللهُ تعالى المؤمنَ أن يظُنَّ بالمؤمن شرّاً . وقال سعيد بن جبير : هو الرجل يسمع من أخيه كلاماً لا يريد به سوءاً أو يدخُل مَدخلاً لا يريد به [ سوءاً ] ، فيراه أخوه المسلم فيظُن به سوءاً . وقال الزجاج : هو أن يظُن بأهل الخير سوءاً ، فأمّا أهل السوء والفسق ، فلنا أن نظُنَّ بهم مِثْل الذي ظهر منهم . قال القاضي أبو يعلى : هذه الآية تدل على أنه لم يُنْه عن جميع الظَّنّ ؛ والظَّنُّ على أربعة أضرب . محظور ، ومأمور به ، ومباح ومندوب إِليه ، فأمّا المحظور ، فهو سوء الظن بالله تعالى ، والواجب : حُسْنُ الظن بالله ، وكذلك سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرُهم العدالةُ محظور ، وأما الظن المأمور به ، فهو ما لم ينصب عليه دليل يوصل إِلى العِلْم به ، وقد تُعُبِّدنا بتنفيذ الحُكم فيه ، والاقتصار على غالب الظن ، وإجراء الحُكم عليه واجب ، وذلك نحو ما تُعُبِّدنا به من قبول شهادة العُدول ، وتحرِّي القِبلة ، وتقويم المستهلَكات ، وأروش الجنايات التي لم يَرِدْ بمقاديرها توقيف ، فهذا وما كان من نظائره قد تُعُبِّدنا فيه بأحكام غالب الظنُّون . فأمّا الظن المباح : فكالشّاكِّ في الصلاة إِذا كان إماماً ، أمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالتحرِّي والعملِ على ما يَغْلِب في ظنِّه ، وإن فعله كان مباحاً ، وإِن عَدَلَ عنه إِلى البناء على اليقين كان جائزاً . وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِذا ظَنَنْتُم فلا تحقّقوا " وهذا من الظن الذي يَعْرِض في قلب الإِنسان في أخيه فيما يوجب الرِّيبة فلا ينبغي له أن يحقِّقه . وأما الظن المندوب إِليه : فهو إِحسان الظن بالأخ المسلم يُنْدَب إِليه ويُثاب عليه . فأمّا ما روي في الحديث : " احترِسوا من الناس بسوء الظن " فالمراد : الإحتراس بحفظ المال ، مثل أن يقول : إن تركت بابي مفتوحاً خشيت السُّرّاق . قوله تعالى : { إِنَّ بعض الظَّنِّ إِثم } قال المفسرون : هو ما تكلم به مما ظنَّه من السُّوءِ بأخيه المسلم ، فإن لم يتكلَّم به فلا بأس ، وذهب بعضهم إِلى أنه يأثم بنفس ذلك الظن وإِن لم يَنْطِق به . قوله تعالى : { ولا تَجَسَّسوا } وقرأ أبو رزين ، والحسن ، والضحاك ، وابن سيرين ، وأبو رجاء ، وابن يعمر : بالحاء . قال أبو عبيدة : التجسس والتحسس واحد ، وهو التَّبحُّث ومنه الجاسوس . وروي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال : التجسس ، بالجيم : البحث عن عورات الناس ، وبالحاء : الاستماع لحديث القوم . قال المفسرون : التجسس : البحث عن عيب المسلمين وعوراتهم ؛ فالمعنى : لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه ليطَّلع عليه إِذ ستره الله . وقيل لابن مسعود : هذا الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمراً ، فقال : إِنا نُهينا عن التجسس ، فإن يَظهرْ لنا شيء نأخذْه به . قوله تعالى : { ولا يَغْتَبْ بعضُكم بعضاً } أي : لا يتناول بعضُكم بعضاً بظهَر الغَيْب بما يَسوؤُه . وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ما الغيبة ؟ قال : " ذِكْرُكَ أخاك بما يََكره " ، قال : أرأيتََ إن كان في أخي ما أقول قال : " إِن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته ، وإِن لم يكن فيه فقد بهتَّه " . ثم ضَرَبَ اللهُ للغِيبة مثلاً فقال : { أيُحِبُّ أحدُكم أن يأكل لحم أخيه مَيْتاً } وقرأ نافع " ميّتاً " بالتشديد . قال الزجاج : وبيانه أن ذِكرك بسوءٍ مَنْ لم يَحْضُر ، بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يُحِسُّ بذلك . قال القاضي أبو يعلى : وهذا تأكيد لتحريم الغيبة ، لأن أكل لحم المسلم محظور ، ولأن النُّفوس تَعافُه من طريق الطَّبع ، فينبغي أن تكون الغِيبة بمنزلته في الكراهة . قوله تعالى : { فكرِهتموه } وقرأ الضحاك ، وعاصم الجحدري { فكُرّهتموه } برفع الكاف وتشديد الراء . قال الفراء : أي : وقد كرهتموه فلا تفعلوه ، ومن قرأ " فكُرّهتموه " أي : فقد بُغِّض إِليكم ، والمعنى واحد . قال الزجاج : والمعنى : كما تكرهون أكل لحمه ميتاً ، فكذلك تجنَّبوا ذِكْره بالسُّوء غائباً . قوله تعالى : { واتَّقوا الله } أي : في الغِيبة { إِن الله توّابٌ } على من تاب { رحيمٌ } به .