Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 2-2)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لا تحلوا شعائر الله } في سبب نزولها قولان . أحدهما : " أن شريح بن ضبيعة أتى المدينة ، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إِلام تدعو ؟ فقال : « إِلى شهادة أن لا إِله إِلا الله وأني رسول الله » ، فقال : إِن لي أُمراء خلفي أرجع إِليهم أشاورهم ، ثم خرج ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر ، وما الرجل بمسلم » فمر شريح بسرح لأهل المدينة ، فاستاقه ، فلما كان عام الحُديبية ، خرج شريح إِلى مكة معتمراً ، ومعه تجارة ، فأراد أهل السّرح أن يغيروا عليه كما أغار عليهم ، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية " ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال السدي : اسمه الحُطَمُ ابن هند البكري . قال : ولما ساق السَّرح جعل يرتجز : @ قدْ لَفَّها الليل بسوّاقٍ حُطَم ليس براعي إِبل ولا غنم ولا بجزّارٍ على ظَهْرِ وضم باتوا نيَاما وابنُ هندٍ لم ينم بات يُقاسِيهَا غلامٌ كالزَّلَمْ خَدلَّجُ الساقين ممسوحُ القدم @@ والثاني : أن ناساً من المشركين جاؤوا يؤمون البيت يوم الفتح مهلّين بعمرة ، فقال المسلمون : لا ندع هؤلاء بل نغير عليهم ، فنزل قوله { ولا آمّين البيت الحرام } . قال ابن قتيبة : وشعائِر الله : ما جعله الله علماً لطاعته . وفي المراد بها هاهنا سبعة أقوال . أحدها : أنها مناسك الحج ، رواه الضحاك عن ابن عباس . وقال الفراء : كانت عامّة العرب لا يرون الصفا والمروة من الشعائر ، ولا يطوفون بينهما ، فقال الله تعالى : لا تستحلوا ترك ذلك . والثاني : أنها ما حرم الله تعالى في حال الإحرام ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثالث : دين الله كله ، قاله الحسن . والرابع : حدود الله ، قاله عكرمة ، وعطاء . والخامس : حَرمُ الله ، قاله السدي . والسادس : الهدايا المشعرة لبيت الله الحرام ، قاله أبو عبيدة ، والزجاج . والسابع : أنها أعلام الحرم ، نهاهم أن يتجاوزوها غير محرمين إِذا أرادوا دخول مكة ، ذكره الماوردي ، والقاضي أبو يعلى . قوله تعالى : { ولا الشهر الحرام } قال ابن عباس : لا تُحِلُّوا القتال فيه . وفي المراد بالشهر الحرام ثلاثة أقوال . أحدها : أنه ذو القَعدة ، قاله عكرمة ، وقتادة . والثاني : أن المراد به الأشهر الحرم . قال مقاتل : كان جنادة بن عوف يقوم في سوق عكاظ كلَّ سنة فيقول : ألا إِني قد أحللت كذا ، وحرّمت كذا . والثالث : أنه رجب ، ذكره ابن جرير الطبري . والهدي : كل ما أهدي إِلى بيت الله تعالى من شيءٍ . وفي القلائد قولان . أحدهما : أنها المقلَّدات مِن الهدي ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : أنها ما كان المشركون يقلدون به إِبلهم وأنفسهم في الجاهلية ، ليأمنوا به عدوّهم ، لأن الحرب كانت قائمة بين العرب إِلا في الأشهر الحُرُم ، فمن لقوة مقلِّداً نفسه ، أو بعيره ، أو مشعراً بُدُنَهُ أو سائِقاً هدياً لم يُتعرض له . قال ابن عباس : كانَ مَن أراد أن يسافر في غير الأشهر الحُرُم ، قلد بعيره من الشعر والوبر ، فيأمَن حيثُ ذهب . وروى مالك بن مِغوَل عن عطاء قال : كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم ، فيأمنون به إِذا خرجوا من الحرم ، فنزلت هذه الآية . وقال قتادة : كان الرجل في الجاهلية إِذا خرج من بيته يريد الحج تقلّد من السَّمُرِ فلم يَعرِض له أحد ، وإِذا رجع تقلَّد قلادة شعر ، فلم يعرض له أحد . وقال الفراء : كان أهل مكة يُقلّدون بلحاء الشجر ، وسائر العرب يُقلّدون بالوبر والشعر . وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال . أحدها : لا تستحلّوا المقلَّدات من الهدي . والثاني : لا تستحلوا أصحاب القلائد . والثالث : أن هذا نهيٌ للمؤمنين أن ينزعوا شيئاً من شجر الحرم ، فيتقلّدوه كما كان المشركون يفعلون في جاهليتهم ، رواه عبد الملك عن عطاء ، وبه قال مطرف ، والربيع بن أنس . قوله تعالى : { ولا آمّين البيت الحرام } « الآمّ » : القاصد ، و « البيت الحرام » : الكعبة ، والفضل : الربح في التجارة ، والرضوان من الله يطلبونه في حجّهم على زعمهم . ومثله قوله : { وانظر إِلى إِلهك الذي } [ طه : 97 ] وقيل : ابتغاء الفضل عام ، وابتغاء الرضوان للمؤمنين خاصة . قوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } لفظُه لفظُ الأمر ، ومعناه الإِباحة نظيره { فاذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } [ الجمعة : 10 ] وهو يدلُ على إِحرامٍ متقدّم . قوله تعالى : { ولا يجْرمنكم } وروى الوليد عن يعقوب « يجرمنْكم » بسكون النون ، وتخفيفها . قال ابن عباس : لا يحملنكم ، وقال غيره : لا يدخلنكم في الجُرم ، كما تقول : آثمتُه ، أي : أدخلته في الإثم . وقال ابن قتيبة : لا يكسبنكم يقال : فلان جارمُ أهله ، أي : كاسُبهم ، وكذلك جريمتهم . وقال الهُذلي : ووصف عقاباً : @ جريمةَ ناهضٍ في رأس نِيْقٍ تَرَى لِعظَامِ ما جَمَعَتْ صَليبا @@ والناهض : فرخها ، يقول : هي تكسب له ، وتأتيه بقوته . و « الشنآن » : البغض ، يقال : شنئته أشنؤه : إِذا أبغضته . وقال ابن الأنباري : « الشنآن » : البغض ، و « الشنآن » بتسكين النون : البغيض . واختلف القراء في نون الشنآن ، فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : بتحريكها ، وأسكنها ابن عامر ، وروى حفص عن عاصم تحريكها ، وأبو بكر عنه تسكينها ، وكذلك اختُلف عن نافع . قال أبو علي : « الشَّنآن » ، قد جاء وصفاً ، وقد جاء اسماً ، فمن حرّك ، فلأنه مصدر ، والمصدر يكثر على فَعَلان ، نحو النَّزَوان ، ومن سكَّن ، قال : هو مصدر ، وقد جاء المصدر على فَعْلان ، تقول : لويته دينَه لَيَّانًا ، فالمعنى في القراءتين واحد ، وإِن اختلف اللفظان . واختلفوا في قوله : { أن صدوكم } فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بالكسر ، وقرأ الباقون بالفتح ، فمن فتح جعل الصّد ماضياً ، فيكون المعنى من أجل أن صدوكم ، ومن كسرها ، جعلها للشرط ، فيكون الصّد مترقَّباً . قال أبو الحسن الأخفش : وقد يكون الفعل ماضياً مع الكسر ، كقوله : { إِن يسرق فقد سرق أخٌ له من قبل } [ يوسف : 77 ] وقد كانت السرقة عندهم قد وقعت ، وأنشد أبو علي الفارسي : @ إِذا ما انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْني لئيمةٌ وَلَمْ تَجِدي من أن تُقِرِّي بها بُدّا @@ [ فانتفاء الولادة أمر ماض وقد جعله جزاء ، والجزاء إِنما يكون بالمستقبل ، فيكون المعنى : إِن ننتسب لا تجدني مولود لئيمة ] . قال ابن جرير : وقراءة مَن فتح الألف أبيَن ، لأن هذه السورة نزلت بعد الحديبية ، وقد كان الصدّ تقدّم . فعلى هذا في معنى الكلام قولان . أحدهما : ولا يحملنكم بغض أهل مكة أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا فيه ، فتقاتلوهم ، وتأخذوا أموالهم إِذا دخلتموه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : لا يحملنكم بغض أهل مكة ، وصدّهم إِياكم أن تعتدوا بإتيان ما لا يحل لكم من الغارة على المعتمرين من المشركين ، على ما سبق في نزول الآية . قوله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } قال الفراء : لِيُعِن بعضكم بعضاً . قال ابن عباس : البرّ ما أُمرت به ، و « التقوى » : ترك ما نُهيت عنه . فأمّا « الإثم » : فالمعاصي . والعدوان : التّعدّي في حدود الله ، قاله عطاء . فصل اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين . أحدهما : أنها محكمة ، روي عن الحسن أنه قال : ما نسخ من المائدة شيء ، وكذلك قال أبو ميسرة في آخرين قالوا : ولا يجوز استحلال الشعائر ، ولا الهدي قبل أوان ذبحه . واختلفوا في « القلائد » فقال قوم : يحرم رفع القلادة عن الهدي حتى ينحر ، وقال آخرون : كانت الجاهلية تقلِّد من شجر الحرم ، فقيل لهم : لا تستحلُّوا أخذ القلائد من الحرم ، ولا تصدوا القاصدين إِلى البيت . والثاني : أنها منسوخة ، وفي المنسوخ منها أربعة أقوال . أحدها : أن جميعها منسوخ ، وهو قول الشعبي . والثاني : أنها وردت في حق المشركين كانوا يقلِّدون هداياهم ، ويظهرون شعائِر الحج من الاحرام والتلبية ، فنُهي المسلمون بهذه الآية عن التعرّض لهم ، ثم نسخ ذلك بقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } [ التوبة : 5 ] وهذا قول الأكثرين . والثالث : أن الذي نُسخ قوله : { ولا آمّين البيت الحرام } نسخه قوله : { فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } [ التوبة : 38 ] روي عن ابن عباس ، وقتادة . والرابع : أن المنسوخ منها : تحريم الشهر الحرام ، وآمّون البيت الحرام : إِذا كانوا مشركين . وهدي المشركين : إِذا لم يكن لهم من المسلمين أمان ، قاله أبو سليمان الدمشقي .