Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 3-3)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { حرِّمت عليكم الميتة } مفسّرٌ في ( البقرة ) ، فأما { المنخنقة } فقال ابن عباس : هي التي تختنق فتموت ، وقال الحسن ، وقتادة : هي التي تختنق بحبل الصائد وغيره . قلت : والمنخنقة حرام كيف وقع ذلك . قال ابن قتيبة : و « الموقوذة » : التي تُضرب حتى توقَذ ، أي : تشرف على الموت ، ثم تترك حتى تموت ، وتؤكل بغير ذكاة ، ومنه يقال : فلان وقيذ ، وقد وقذته العبادة . و « المتردّية » : الواقعة من جبل أو حائط ، أو في بئر ، يقال : تردى : إِذا سقط . و « النطيحة » : التي تنطحها شاة أخرى ، أو بقرة ، « فعيلة » في معنى « مفعولة » { وما أكل السبع } وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وأبو مجلز ، وابن أبي ليلى : السَّبع : بسكون الباء . والمراد : ما افترسه فأكل بعضه { إِلا ما ذكيتم } أي : إِلا ما لحقتم من هذا كله ، وبه حياة ، فذبحتموه . فأما الاستثناء ، ففيه قولان . أحدهما : أنه يرجع إِلى المذكور من عند قوله : { والمنخنقة } . والثاني : أنه يرجع إِلى ما أكل السبع خاصة ، والعلماء على الأول . فصل في الذكاة قال الزجاج : أصل الذكاة في اللغة : تمام الشيء ، فمنه الذكاء في السن . وهو تمام السِّن . قال الخليل : الذكاء : أن تأتي على قروحه سنة ، وذلك تمام استكمال القوة ، ومنه الذكاء في الفهم ، وهو أن يكون فهماً تاماً ، سريع القبول . وذكّيت النار ، أي : أتممت إِشعالها . وقد روي عن عليّ ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة أنهم قالوا : ما أدركت ذكاته بأن توجد له عينٌ تَطْرِف ، أو ذنب يتحرك ، فأكله حلالٌ . قال القاضي أبو يعلى : ومذهب أصحابنا أنه إِن كان يعيش مع ما به ، حل بالذبح ، فان كان لا يعيش مع ما به ، نظرت ، فان لم تكن حياته مستقرّة ، وإِنما حركته حركة المذبوح ، مثل أن شُقَّ جوفه ، وأُبينت حشوته ، فانفصلت عنه ، لم يحل أكله ، وإِن كانت حياته مستقرة يعيش اليوم واليومين ، مثل أن يشق جوفه ، ولم تقطع الأمعاء ، حل أكله . ومن الناس من يقول : إِذا كانت فيه حياة في الجملة أُبيح بالذكاة ، والصحيح ما ذكرنا ، لأنه إِذا لم تكن فيه حياة مستقرة ، فهو في حكم الميت . ألا ترى أن رجلاً لو قطع حُشْوَةَ آدمي ، ثم ضرب عنقه آخر ، فالأول هو القاتل ، لأن الحياة لا تبقى مع الفعل الأول . وفي ما يجب قطعه في الذكاة روايتان . إِحداهما : أنه الحلقوم والمريء ، والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء ، فإن نقص من ذلك شيئاً ، لم يؤكل ، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية عبد الله . والثانية : يجزىء قطع الحلقوم والمريء ، وهو ظاهر كلامه في رواية حنبل ، وبه قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : يجزىء قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين . وقال مالك : يجزئ قطع الأوداج ، وإِن لم يقطع الحلقوم . وقال الزجاج : الحلقوم بعد الفم ، وهو موضع النفَس ، وفيه شعب تتشعب منه في الرئة . والمريء : مجرى الطعام ، والودجان : عرقان يقطعهما الذابح . فأما الآلة التي تجوز بها الذكاة ، فهي كل ما أنهر الدم ، وفرى الأوداج سوى السن والظفر سواء كانا منزوعين ، أو غير منزوعين . وأجاز أبو حنيفة الذكاة بالمنزوعين . فأما البعير إِذا توحش ، أو تردى في بئر ، فهو بمنزلة الصيد ذكاته عقره . وقال مالك : ذكاته ذكاة المقدور عليه . فإن رمى صيداً ، فأبان بعضه ، وفيه حياة مستقرة ، فذكّاه ، أو تركه حتى مات جاز أكله ، وفي أكل ما بان منه روايتان . قوله تعالى : { وما ذبح على النصب } في النصب قولان . أحدهما : أنها أصنام تنصب ، فتُعبد من دون الله ، قاله ابن عباس ، والفراء ، والزجاج ، فعلى هذا القول يكون المعنى ، وما ذبح على اسم النُّصب ، وقيل لأجلها ، فتكون « على » بمعنى « اللام » وهما يتعاقبان في الكلام ، كقوله : { فسلام لك } [ الواقعة : 91 ] أي : عليك ، وقوله : { وإن أسأتم فلها } [ الاسراء : 7 ] . والثاني : أنها حجارة كانوا يذبحون عليها ، ويشرِّحون اللحم عليها ، ويعظمونها ، وهو قول ابن جريج . وقرأ الحسن ، وخارجة عن أبي عمرو : على النَّصْب ، بفتح النون ، وسكون الصاد ، قال ابن قتيبة ، يقال : نُصُبٌ ونُصْبُ ونَصْبٌ ، وجمعه أنصاب . قوله تعالى : { وأن تستقسموا بالأزلام } قال ابن جرير : أي : وأن تطلبوا عِلم ما قُسم لكم ، أو لم يقسم بالأزلام ، وهو استفعلت من القسم [ قسم الرزق والحاجات ] . قال ابن قتيبة : الأزلام : القداح ، واحدها : زَلَم وزُلَم . والاستقسام بها : أن يضرب [ بها ] فيعمل بما يخرج فيها من أمرٍ أو نهي ، فكانوا إِذا أرادوا أن يقتسموا شيئاً بينهم ، فأحبُّوا أن يعرفوا قسم كل امرئٍ تعرفوا ذلك منها ، فأخِذ الاستقسام من القِسم وهو النصيب . قال سعيد بن جبير : الأَزلام : حصى بيض ، كانوا إِذا أرادوا غدواً ، أو رواحاً ، كتبوا في قدحين ، في أحدهما : أمرني ربي ، وفي الآخر : نهاني ربي ، ثم يضربون بهما ، فأيهما خرج ، عملوا به . وقال مجاهد : الأزلام سهام العرب ، وكعاب فارس التي يتقامرون بها . وقال السدي : كانت الأزلام تكون عند الكهنة . وقال مقاتل : في بيت الأصنام . وقال قوم : كانت عند سدنة الكعبة . قال الزجاج : ولا فرق بين ذلك ، وبين قول المنجمين : لا تخرج من أجل نجم كذا ، أو اخرج من أجل نجم كذا . قوله تعالى : { ذلكم فسقٌ } في المشار إِليه بذلكم قولان . أحدهما : أنه جميع ما ذكر في الآية ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وبه قال سعيد بن جبير . والثاني : أنه الاستقسام بالأزلام ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والفسق : الخروج عن طاعة الله إِلى معصيته . قوله تعالى : { اليوم يئس الذين كفروا من دينكم } في هذا اليوم ثلاثة أقوال . أحدها : أنه اليوم الذي دخل فيه رسول الله مكة في حجة الوداع ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . وقال ابن السائب : نزلت ذلك اليوم . والثاني : أنه يوم عرفة ، قاله مجاهد ، وابن زيد . والثالث : أنه لم يرد يوماً بعينه ، وإِنما المعنى : الآن يئسوا كما تقول : أنا اليوم قد كبرت ، قاله الزجاج . قال ابن الأنباري : العرب توقع اليوم على الزمان الذي يشتمل على الساعات والليالي ، فيقولون : قد كنت في غفلة ، فاليوم استيقظت ، يريدون : فالآن ، ويقولون : كان فلان يزورنا ، وهو اليوم يجفونا ، ولا يقصدون باليوم قصد يوم واحد . قال الشاعر : @ فيومٌ علينا ويوم لنا ويومٌ نُساء ويومٌ نُسر @@ أراد : فزمان لنا ، وزمان علينا ، ولم يقصد ليوم واحد لا ينضم إِليه غيره . وفي معنى يأسهم قولان . أحدهما : أنهم يئسوا أن يرجع المؤمنون إلى دين المشركين ، قاله ابن عباس ، والسدي . والثاني : يئسوا من بطلان الإِسلام ، قاله الزجاج . قال ابن الأنباري : وإِنما يئسوا من إِبطال دينهم لما نقل الله خوف المسلمين إِليهم ، وأمنهم إِلى المسلمين ، فعلموا أنهم لا يقدرون على إِبطال دينهم ، ولا على استئصالهم ، وإِنما قاتلوهم بعد ذلك ظناً منهم أن كفرهم يبقى . قوله تعالى : { فلا تخشوهم } قال ابن جريج : لا تخشوهم أن يظهروا عليكم ، وقال ابن السائب : لا تخشوهم أن يظهروا على دينكم ، واخشوني في مخالفة أمري . قوله تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم } روى البخاري ، ومسلم في « الصحيحين » من حديث طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إِلى عمر فقال : يا أمير المؤمنين إِنكم تقرؤون آيةً من كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت ، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، قال : وأي آية هي ؟ قال : قوله { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي } فقال عمر : إِني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه على رسول الله ، والساعة التي نزلت فيها ، والمكان الذي نزلت فيه على رسول الله وهو قائم بعرفة في يوم جمعة . وفي لفظ « نزلت عشيّة عرفة » قال سعيد بن جبير : عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أحداً وثمانين يوماً . فأما قوله : { اليوم } ففيه قولان . أحدهما : أنه يوم عرفة ، وهو قول الجمهور . والثاني : أنه ليس بيوم معيّن ، رواه عطيّة عن ابن عباس ، وقد ذكرنا هذا آنفاً . وفي معنى إِكمال الدين خمسة أقوال . أحدها : أنه إِكمال فرائضه وحدوده ، ولم ينزل بعد هذه الآية تحليل ولا تحريم ، قاله ابن عباس ، والسُدّي ، فعلى هذا يكون المعنى : اليوم أكملت لكم شرائِع دينكم . والثاني : أنه بنفي المشركين عن البيت ، فلم يحج معهم مشرك عامئذ ، قاله سعيد بن جبير ، وقتادة . وقال الشعبي : كمال الدين هاهنا : عزه وظهوره ، وذلّ الشّرك ودروسه ، لا تكامل الفرائِض والسنن ، لأنّها لن تزل تنزل إِلى أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعلى هذا يكون المعنى : اليوم أكملت لكم نصر دينكم . والثالث : أنه رفع النسخ عنه . وأما الفرائض فلم تزل تنزل عليه حتى قُبض ، روي عن ابن جبير أيضاً . والرابع : أنه زوال الخوف من العدو ، والظهور عليهم ، قاله الزجاج . والخامس : أنه أمن هذه الشريعة من أن تنسخ بأخرى بعدها ، كما نسخ بها ما تقدمها . وفي إِتمام النعمة ثلاثة أقوال . أحدها : منع المشركين من الحج معهم ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة . والثاني : الهداية إِلى الإيمان ، قاله ابن زيد . والثالث : الإِظهار على العدو ، قاله السدي . قوله تعالى : { فمن اضطر } أي : دعته الضرورة إِلى أكل ما حرُم عليه . { في مخمصة } أي : مجاعة ، والخمص : الجوع . قال الشاعر يذم رجلاً : @ يَرَى الخمْصَ تعذيباً وإِن يلق شَبْعَةً يَبِتْ قلبُه من قِلَّة الهمِّ مُبْهما @@ وهذا الكلامُ يرجع إِلى المحرمات المتقدّمة من الميتة والدم ، وما ذكر معهما . قوله تعالى : { غير متجانف لإِثم } قال ابن قتيبة : غير مائل إلى ذلك ، و « الجنف » : الميل . وقال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد : غير متعمد لإِثم . وفي معنى « تجانف الإِثم » قولان . أحدهما : أن يتناول منه بعد زوال الضرورة ، روي عن ابن عباس في آخرين . والثاني : أن يتعرّض لمعصية في مقصده ، قاله قتادة . وقال مجاهد : من بغى وخرج في معصية ، حرم عليه أكله . قال القاضي أبو يعلى : وهذا أصح من القول الأول ، لأن الآية تقتضي اجتماع تجانف الاثم مع الاضطرار ، وذلك إِنما يصح في سفرالعاصي ، ولا يصح حمله على تناول الزِّيادة على سد الرّمق ، لأن الاضطرار قد زال . قال أبو سليمان : ومعنى الآية : فمن اضطر فأكله غير متجانف لإِثم ، فإن الله غفور ، أي : متجاوز عنه ، رحيم إِذْ أحل ذلك للمضطر .