Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 33-33)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } في سبب نزولها أربعة أقوال . أحدها : أنها نزلت في ناسٍ من عُرَينة قدموا المدينة ، فاجتَوَوْهَا ، فبعثهم رسول الله في إِبل الصدقة ، وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها ففعلوا ، فصحوا ، وارتدوا عن الاسلام ، وقتلوا الراعي ، واستاقوا الإِبل ، فأرسل رسول الله في آثارهم ، فجيء بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وسمَّر أعينهم ، وألقاهم بالحرَّة حتى ماتوا ، ونزلت هذه الآية ، رواه قتادة عن أنس ، وبه قال سعيد بن جبير ، والسدي . والثاني : أن قوماً من أهل الكتاب كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق ، فنقضوا العهد ، وأفسدوا في الأرض ، فخيّر الله رسوله بهذه الآية : إِن شاء أن يقتلهم ، وإِن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف . رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال الضحاك . والثالث : أن أصحاب أبي بُردة الأسلمي قطعوا الطريق على قومٍ جاؤوا يريدون الاسلام ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال ابن السائِب : كان أبو بردة ، واسمه هلال بن عويمر ، وادع النبي صلى الله عليه وسلم على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن أتاه من المسلمين لم يُهَجْ ، ومن مرّ بهلال إِلى سول الله صلى الله عليه وسلم لم يُهِجْ ، فمرّ قوم من بني كنانة يريدون الاسلام بناسٍ من قوم هلال فَنَهَدُوا إِليهم ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم ، ولم يكن هلال حاضراً ، فنزلت هذه الآية . والرابع : أنها نزلت في المشركين ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال الحسن . واعلم أن ذكر « المحاربة » لله عز وجل في الآية مجاز . وفي معناها للعلماء قولان . أحدهما : أنه سمّاهم محاربين له تشبيهاً بالمحاربين حقيقة ، لأن المخالف محارب ، وإِن لم يحارب ، فيكون المعنى : يخالفون الله ورسوله بالمعاصي . والثاني : أن المراد : يحاربون أولياء الله ، وأولياء رسوله . وقال سعيد بن جبير : أراد بالمحاربة لله ورسوله ، الكفر بعد الاسلام . وقال مقاتل : أراد بها الشرك . فأما « الفساد » فهو القتل والجراح وأخذ الأموال ، وإِخافة السبيل . قوله تعالى : { أن يقتلوا أو يصلبوا } اختلف العلماء هل هذه العقوبة على الترتيب ، أم على التخيير ؟ فمذهب أحمد رضي الله عنه أنها على الترتيب ، وأنهم إِذا قتلوا ، وأخذوا المال ، أو قتلوا ولم يأخذوا ، قُتِلوا وصلِّبوا ، وإِن أخذوا المال ، ولم يقتلوا ، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإِن لم يأخذوا المال ، نُفوا . قال ابن الأنباري : فعلى هذا تكون « أو » مبعّضة ، فالمعنى : بعضهم يفعل به كذا ، وبعضهم كذا ، ومثله قوله : { كونوا هوداً أو نصارى } [ البقرة : 135 ] . المعنى : قال بعضهم هذا ، وقال بعضهم هذا . وهذا القول اختيار أكثر اللغويين . وقال الشافعي : إِذا قتلوا وأخذوا المال ، قُتِلوا وصُلِّبوا ، وإِذا قتلوا ولم يأخذوا المال ، قُتلوا ولم يُصلَّبوا ، وإِذا أخذوا المال ولم يَقتلوا ، قُطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف . وقال مالك : الإِمام مخير في إِقامة أيِّ الحدود شاء ، سواء قتلوا أو لم يقتلوا ، أخذوا المال أو لم يأخذوا ، والصلب بعد القتل . وقال أبو حنيفة ، ومالك : يُصْلب ويُبعج برمحٍ حتى يموت . واختلفوا في مقدار زمان الصّلب ، فعندنا أنه يُصلب بمقدار ما يشتهر صلبُه . واختلف أصحاب الشافعي ، فقال بعضهم : ثلاثة أيام ، وهو مذهب أبي حنيفة ، وقال بعضهم : يترك حتى يسيل صديده . قال أبو عبيدة : ومعنى « من خلاف » أن تُقطَع يدُه اليُمنى ورجله اليسرى ، يُخالَف بين قطعهما . فأما « النفي » فأصله الطرد والإِبعاد . وفي صفة نفيهم أربعة أقوال . أحدها : إِبعادهم من بلاد الاسلام إِلى دار الحرب ، قاله أنس بن مالك ، والحسن ، وقتادة ، وهذا إِنما يكون في حق المحارب المشرك ، فأما المسلم فلا ينبغي أن يُضطر إِلى ذلك . والثاني : أن يُطلبوا لِتُقام عليهم الحدود ، فيُبعدوا ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والثالث : إِخراجهم مِن مدينتهم إِلى مدينة أُخرى ، قاله سعيد بن جبير . وقال مالك : ينفى إِلى بلدٍ غير بلده ، فيحبس هناك . والرابع : أنه الحبس ، قاله أبو حنيفة وأصحابه . وقال أصحابنا : صِفَةُ النفي : أن يُشرّد ولا يترك يأوي في بلد ، فكلما حَصَل في بلد نُفي إِلى بلد غيره . وفي « الخزي » قولان . أحدهما : أنه العقاب . والثاني : الفضيحة . وهل يثبت لهم حكم المحاربين في المصر ، أم لا ؟ ظاهر كلام أصحابنا أنه لا يثبت لهم ذلك في المصر وهو قول أبي حنيفة . وقال الشافعي ، وأبو يوسف : المصر والصحارى سواء ، ويعتبر في المال المأخوذ قدر نصاب ، كما يُعتبر في حقِّ السَّارِقِ ، خلافاً لمالك .