Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 41-41)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال . أحدها : " أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بيهودي وقد حمموه وجلدوه ، فقال : أهكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم ؟ قالوا : نعم فدعا رجلاً من علمائهم ، فقال : أنشدُك الله الذي أنزل التوراة على موسى ، هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم ؟ قال : لا ، ولكنّه كثر في أشرافنا ، فكنا نترك الشريف ، ونُقيمه على الوضيع ، فقلنا : تعالوا نُجْمِعْ على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فاجتمعنا على التحميم والجلد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اللهم إِني أول من أحيا أمرَك إِذا أماتوه » فأمَرَ به فَرُجم ، ونزلت هذه الآية " ، رواه البراء بن عازب . والثاني : أنها نزلت في ابن صوريا آمن ثم كفر ، وهذا المعنى مروي عن أبي هريرة . والثالث : أنها نزلت في يهودي قتل يهودياً ، ثم قال : سلوا محمداً فإن كان بُعِثَ بالدّية ، اختصمنا إِليه ، وإِن كان بعث بالقتل ، لم نأته ، قال الشعبي . والرابع : أنها نزلت في المنافقين ، قاله ابن عباس ، ومجاهد . والخامس : أن رجلاً من الأنصار أشارت إِليه قريظة يوم حِصارهم على ماذا ننزل ؟ فأشار إِليهم : أنه الذّبح ، قاله السدي . قال مقاتل : هو أبو لبابة بن عبد المنذر ، قالت له قريظة : اننزل على حُكم سعدٍ ، فأشار بيده : أنه الذّبح ، وكان حليفاً لهم . قال أبو لبابة فعلمت أني قد خُنتُ الله ورسوله ، فنزلت هذه الآية . ومعنى الكلام : لا يحزنك مسارعة الذين يُسارِعُون في الكفر من الذين قالوا آمنّا بأفواههم وهم المنافقون ، ومن الذين هادوا وهم اليهود . { سماعون للكذب } قال سيبويه : هو مرفوعٌ بالابتداء . قال أبو الحسن الأخفش : ويجوز أن يكونَ رفعُه على معنى : ومن الذين هادوا سماعون للكذب . وفي معناه أربعة أقوال . أحدها : سماعون منك ليكذبوا عليك . والثاني : سماعون للكذب ، أي : قائلون له . والثالث : سماعون للكذب الذي بدَّلوه في توراتهم . والرابع : سماعون للكذب ، أي : قابلون له ، ومنه : « سمع الله لمن حمده » أي : قبل . وفي قوله : { سماعون لقوم آخرين لم يأتوك } قولان . أحدهما : يسمعون لأولئك ، فهم عيونٌ لهم . والثاني : سمّاعون من قوم آخرين ، وهم رؤساؤهم المبدِّلون التوراة . وفي السمّاعين للكذب ، وللقوم الآخرين قولان . أحدهما : أن « السّماعين للكذب » يهود المدينة ، والقوم الآخرون [ الذين لم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ] يهود فدَك . والثاني : بالعكس من هذا . وفي تحريفهم الكلم خمسة أقوال . أحدها : أنه تغيير حدود الله في التوراة ، وذلك أنهم غيّروا الرّجم ، قاله ابن عباس ، والجمهور . والثاني : تغيير ما يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب عليه ، قاله الحسن . والثالث : إِخفاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم . والرابع : إِسقاط القود بعد استحقاقه . والخامس : سوء التأويل . وقال ابن جرير : المعنى يُحرّفون حكم الكلم ، فحذف ذكر الحكم لمعرفة السامعين بذلك . قوله تعالى : { من بعد مواضعه } قال الزجاج : أي : من بعد أن وَضَعه الله مواضعه ، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه . قوله تعالى : { يقولون إِن أُوتيتم هذا فخذوه } في القائلين لهذا قولان . أحدهما : أنهم اليهود ، وذلك أن رجلاً وامرأةً من أشرافهم زنيا ، فكان حدهما الرّجم ، فكرهت اليهود رجمهما ، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن قضائه في الزّانيين إِذا أُحصِنَا ، وقالوا : إِن أفتاكم بالجلد فخذوه ، وإِن أفتاكم بالرّجم فلا تعملوا به ، هذا قول الجمهور . والثاني : أنهم المنافقون . قال قتادة : وذلك أن بني النضير كانوا لا يُعطون قريظة القود إِذا قتلوا منهم ، وإِنما يعطونهم الدية ، فإذا قتلت قريظة من النضير لم يَرْضوا إلا بالقود تعززا عليهم ، فقتل بنو النضير رجلا من قريظة عمداً ، فأرادوا رفع ذلك إِلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل من المنافقين : إِن قتيلكم قتيل عمد ، ومتى ترفعوا ذلك إِلى محمد خشيتُ عليكم القود ، فان قُبِلَتْ منكم الدِّية فأعطوا ، وإِلا فكونوا منه على حذر . وفي معنى « فاحذروا » ثلاثة أقوال . أحدها : فاحذروا أن تعملوا بقوله الشديد . والثاني : فاحذروا أن تُطْلِعُوه على ما في التوراة فيأخذكم بالعمل به . والثالث : فاحذروا أن تسألوه بعدها . قوله تعالى : { ومن يرد الله فتنته } في « الفتنة » ثلاثة أقوال . أحدها : أنها بمعنى الضلالة ، قاله ابن عباس ومجاهد . والثاني : العذاب ، قاله الحسن ، وقتادة . والثالث : الفضيحة ، ذكره الزجاج . قوله تعالى : { فلن تملك له من الله شيئاً } أي : لا تغني عنه ، ولا تقدر على استنقاذه . وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم من حزنه على مسارعتهم في الكفر . قوله تعالى : { لم يرد الله أن يُطهِّر قلوبهم } قال السدّي : يعني المنافقين واليهود ، لم يُرِدْ أن يطهر قلوبهم من دَنَسِ الكُفر ، ووسَخ الشِّرك بطهارة الإِيمان والإِسلام . قوله تعالى : { لهم في الدنيا خزيٌ } أما خزي المنافقين ، فبهتك سترهم وإِطلاع النبي على كفرهم ، وخزي اليهود بفضيحتهم في إِظهار كذبهم إِذ كتموا الرجم ، وبأخذ الجزية منهم : قال مقاتل : وخزي قريظة بقتلهم وسبيهم ، وخزي النضير بإجلائهم .