Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 1-23)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { والذَّاريات ذَرْواً } يعني الرِّياح ، يقال : ذَرَت الرِّيحُ الترابَ تَذْرُوه ذَرْواً ، إذا فرَّقَتْه ، قال الزجاج : يقال ذَرَت فهي ذارية ، وأذْرَت فهي مُذْرية بمعنى واحد . { والذّارياتِ } ، مجرورة على القَسَم ، المعنى : أحْلفِ بالذّارياتِ وهذه الأشياء ، والجواب { إنما تُوعَدون لَصادقٌ } ، قال قوم : المعنى : وربِّ الذاريات ، وربِّ الجاريات . قوله تعالى : { فالحاملاتِ وِقْراً } يعني السحاب التي تحمل وِقْرها من الماء . { فالجارياتِ يُسْراً } يعني السُّفن تجري ميسَّرة [ في الماء ] جَرياً سهلاً . { فالمقسِّماتِ أَمْراً } يعني الملائكة تقسم الأمور على ما أمَر اللهُ به ، قال ابن السائب : والمقسِّمات أربعة : جبريل ، وهو صاحب الوحي والغِلظة ، وميكائيل ، وهو صاحب الرِّزق والرَّحمة ، وإسرافيل ، وهو صاحب الصُّور واللَّوح ، وعزرائيل ، وهو قابض الأرواح . وإنما أقسَم بهذه الأشياء لِما فيها من الدلالة على صُنعه وقُدرته . ثم ذكر المُقسَم عليه فقال : { إنّما تُوعَدون } أي : من الثواب والعقاب يومَ القيامة { لَصادقٌ } أي : لَحَقّ . { وإنَّ الدِّين } فيه قولان . أحدهما : الحساب . والثاني : الجزاء { لَواقعٌ } أي : لَكائن . ثم ذكر قَسَماً آخر فقال : { والسَّماءِ ذاتِ الحُبُكِ } وقرأ عمر بن الخطاب ، وأبو رزين : { الحِبِكِ } بكسر الحاء والباء جميعاً . وقرأ عثمان بن عفان ، والشعبي ، وأبو العالية ، وأبو حيوة ، « الحِبْكِ » بكسر الحاء وإسكان الباء . وقرأ أُبيُّ ابن كعب ، وابن عباس ، وأبو رجاء ، وابن أبي عبلة ، « الحُبْكِ » برفع الحاء وإسكان الباء . وقرأ ابن مسعود ، وعكرمة : « الحَبَكِ » بفتح الحاء والباء جميعاً . وقرأ أبو الدرداء ، وأبو الجوزاء ، وأبو المتوكل ، وأبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري : [ « الحَبِكِ » ] بفتح الحاء وكسر الباء . ثم في معنى « الحبك » أربعة أقوال : أحدها : ذات الخَلْق الحَسَن ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال قتادة . والثاني : البُنيان المُتْقَن ، قاله مجاهد . والثالث : ذات الزِّينة ، قاله سعيد بن جبير . وقال الحسن : حُبُكها نُجومها . والرابع : ذات الطرائق ، قاله الضحاك واللغويون . وقال الفراء : الحُبُك : تَكَسُّر كلِّ شيء كالرَّمْل إذا مَرَّت به الرِّيح السّاكنة ، والماء القائم إذا مَرّت به الرِّيح ، والشَّعرةُ الجَعْدَة تكسُّرُها حُبُك ، وواحد الحُبُك : حِباك وحَبِيكة . وقال الزجاج : أهل اللغة يقولون : الحُبُك : الطرَّائق الحَسَنة ، والمَحْبُوك في اللغة : ما أُجيد عملُه ، وكل ما تراه من الطَّرائق في الماء وفي الرَّمْل إذا أصابته الرِّيح فهو حُبُك . وروي عن عبد الله بن عمرو أنه قال : هذه هي السماء السابعة . ثم ذكر جواب القَسَم الثاني ، قال : { إنَّكم } يعني أهل مكة { لَفي قَوْلٍ مختلِفٍ } في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، بعضُكم يقول : شاعر ، وبعضكم يقول : مجنون ، وفي القرآن [ بعضكم ] يقول : سِحْر ، وبعضكم يقول : كَهانة ورَجَز ، إلى غير ذلك . { يؤفَكُ عنه مَنْ أُفِكَ } أي : يُصْرَف عن الإيمان [ به ] مَن صُرِف [ فحُرِمَه ] . [ والهاء في « عنه » عائدة إلى القرآن ، وقيل : يُصْرَف عن هذا القول ، أي : من أجْله وسببه عن الإيمان من صُرِف ] . وقرأ قتادة « مَنْ أَفَكَ » بفتح الألف والفاء . وقرأ عمرو بن دينار « مَنْ أَفِكَ » بفتح الألف وكسر الفاء . { قُتِل الخَرَّاصُونَ } قال الفراء : يعني : [ لُعن ] الكذّابون الذين قالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر وكذَّاب وشاعر ، خَرَصوا ما لا علم لهم به . وفي رواية العوفي عن ابن عباس : أنهم الكهنة . وقال ابن الأنباري : والقتل إذ أُخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة ، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك . قوله تعالى { الذين هم في غَمْرة } أي : في عمىً وجهالة بأمر الآخرة { ساهون } أي : غافلون . والسَّهو : الغَفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه . { يَسألونَ أيّان يومُ الدِّين } أي : يقولون : يا محمد متى يومُ الجزاء ؟ ! تكذيباً منهم واستهزاءاً . ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال : { يومَ هُم على النّار } قال الزجاج : « اليومَ » منصوب على معنى : يقع الجزاء يومَ هُم على النّار . { يُفْتَنونَ } أي : يُحرَقون ويعذَّبون ، ومن ذلك يقال للحجارة السُّود التي كأنها قد أُحرقت بالنار الفَتِين . قوله تعالى : { ذُوقوا } المعنى : يقال لهم : ذوقوا { فِتْنَتَكم } وفيها قولان . أحدهما : تكذيبكم ، قاله ابن عباس . والثاني : حريقكم ، قاله مجاهد . قال أبو عبيدة : هاهنا تم الكلام ، ثم ائتنف ، فقال { هذا الذي كنتم به تستعجِلونَ } قال المفسرون : يعني الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاءاً . ثم ذكر ما وعَد اللهُ لأهل الجنة فقال : { إنَّ المُتَّقِينَ في جنّاتٍ وعُيونٍ } وقد سبق شرح هذا [ البقرة : 25 ، الحجر : 45 ] . قوله تعالى : { آخذين } قال الزجاج : هو منصوب على الحال ، فالمعنى : في جنّات وعيون في حال أخذ { ما آتاهم ربُّهم } قال المفسرون : أي : ما أعطاهم اللهُ من الكرامة { إنَّهم كانوا قبلَ ذلك محسِنين } في أعمالهم . وفي الآية وجه آخر : « آخذين ما آتاهم ربُّهم » أي : عاملين بما أمرهم به من الفرائض « إنهم كانوا قبلَ » أن تفرض الفرائض عليهم ، « محسِنين » أي : مطيعين ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية مسلم البطين . ثم ذكر إحسانهم فقال : { كانوا قليلاً من الليل ما يَهجعون } والهُجوع : النَّوم بالليل دون النهار . وفي « ما » قولان . أحدهما : النفي . ثم في المعنى قولان . أحدهما : كانوا يسهرون قليلاً من الليل . قال أنس بن مالك ، وأبو العالية : هو ما بين المغرب والعشاء . والثاني : كانوا ما ينامون قليلاً من الليل . واختار قوم الوقف على قوله « قليلاً » على معنى كانوا من الناس قليلاً ، ثم ابتدأ فقال : « من الليل ما يهجعون » على معنى نفي النوم عنهم البتَّة ، وهذا مذهب الضحاك ، ومقاتل . والقول الثاني : أن « ما » بمعنى الذي ، فالمعنى : كانوا قليلاً من الليل الذي يهجعونه ، وهذا مذهب الحسن ، والأحنف بن قيس ، والزهري . وعلى هذا يحتمل أن تكون « ما » زائدة . قوله تعالى : { وبالأسحار هُمْ يَستغفرون } وقد شرحناه في [ آل عمران : 17 ] . قوله تعالى : { وفي أموالهم حَقٌ } أي نصيب ، وفيه قولان . أحدهما : أنه ما يَصِلون به رَحِمًا ، أو يَقْرون به ضيفاً ، أو يحملون به كلاًّ ، أو يُعينون به محروماً ، وليس بالزَّكاة ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه الزكاة قاله قتادة ، وابن سيرين . قوله تعالى : { للسائل } وهو الطالب . وفي { المحروم } ثمانية أقوال . أحدها : أنه الذي ليس له سهم في فيء المسلمين ، وهو المُحارَف ، قاله ابن عباس . وقال إبراهيم : هو الذي لا سهم له في الغنيمة . والثاني : أنه الذي لا ينمى له شيء ، قاله مجاهد ، وكذلك قال عطاء : هو المحروم في الرِّزق والتجارة . والثالث : أنه المسلم الفقير ، قاله محمد بن علي . والرابع : أنه المتعفِّف الذي لا يَسأل شيئاً ، قاله قتادة ، والزهري . والخامس : أنه الذي يجيء بعد الغنيمة ، وليس له فيها سهم ، قاله : الحسن ابن محمد بن الحنفية . والسادس : أنه المصاب ثمرته وزرعه أو نسل ماشيته ، قاله ابن زيد . والسابع : أنه المملوك ، حكاه الماوردي . والثامن : أنه الكَلْب ، روي عن عمر بن عبد العزيز . وكان الشعبي يقول : أعياني أن أعلَم ما المحروم . وأظهر الأقوال قول قتادة والزهري ، لأنه قرنه بالسائل ، والمتعفِّف لا يَسأل ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل ثم يتحفظ بالتعفُّف من ظُهور أثر الفاقة عليه ، فيكون محروما من قِبَل نفسه حين لم يَسأل ، ومن قِبَل الناس حين لا يُعطونه ، وإنما يفطن له متيقِّظ . وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة ، ولا يصح . قوله تعالى : { وفي الأرض آياتٌ } كالجبال والأنهار والأشجار والثمار وغير ذلك { للموقنين } بالله عز وجل الذين يعرفونه بصنعه . { وفي أنفُسكم } آياتٌ إذ كنتم نُطَفاً ، ثم عظاماً ، ثم عَلَقاً ، ثم مُضَغاً ، إلى غير ذلك من أحوال الاختلاف ، ثم اختلاف الصُّوَر والألوان والطبائع ، وتقويم الأدوات ، والسمع والبصر والعقل ، وتسهيل سبيل الحدث ، إلى غير ذلك من العجائب المودَعة في ابن آدم . وتمَّ الكلام عند قوله : « وفي أنفسكم » ، ثم قال : { أفلا تُبْصِرونَ } قال مقاتل : أفلا تبصرون كيف خَلَقكم فتعرِفوا قُدرته على البعث . قوله تعالى : { وفي السَّماء رِزْقُكم } وقرأ أُبيُّ بن كعب ، وحميد ، وأبو حصين الأسدي : « أرْزاقُكم » براءٍ ساكنة وبألف بين الزاي والقاف . وقرأ ابن مسعود ، والضحاك ، وأبو نهيك : « رازِقُكم » بفتح الراء وكسر الزّاي وبألف بينهما . وعن ابن محيصن كهاتين القراءتين . وفيه قولان . أحدهما : أنه المطر ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وليث عن مجاهد ، وهو قول الجمهور . والثاني : الجنة ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد . وفي قوله : { ما تُوعَدونَ } قولان . أحدهما : أنه الخير والشر كلاهما يأتي من السماء ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وابن أبي نجيح عن مجاهد . والثاني : الجنة رواه ليث عن مجاهد . قال : أبو عبيدة : في هذه الآية مضمر مجازه : عند مَنْ في السماء رزقُكم ، وعنده ما توعدون ، والعرب تُضْمِر ، قال نابغة [ ذبيان ] : @ كأنَّكَ مِنْ جِمالِ بَني أُقَيْشٍ يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ @@ أراد : كأنك جملٌ من جِمال بني أُقَيش . قوله تعالى : { إنَّه لَحَقٌ } قال الزجاج : يعني : ما ذكره من أمر الآيات والرِّزق وما توعدون وأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، { مِثْلَ ما أنَّكم تَنْطِقونَ } قرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : « مِثْلُ » برفع اللام . وقرأ الباقون بنصب اللام . قال الزجاج : فمن رفع « مِثْلُ » فهي من صفة الحق ، والمعنى : إنه لَحَقٌ مِثْلُ نُطْقكم ؛ ومن نصب فعلى ضربين : أحدهما : أن يكون في موضع رفع ، إلا أنه لمّا أُضيف إلى « أنَّ » فُتح . والثاني : أن يكون منصوبا على التأكيد ، على معنى : إنه لَحَقٌ حَقّاً مِثْلَ نُطقكم ، وهذا الكلام كما تقول : إنه لَحَقٌ كما أنَّك تتكلَّم .