Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 52-60)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كذلك } أي : كما كذَّبك قومُك وقالوا : ساحر أو مجنون ، كانوا من قبلك يقولون للأنبياء . قوله تعالى : { أتواصوْا به } أي : أوْصى أوَّلُهم آخرَهم بالتكذيب ؟ ! وهذا استفهام توبيخ . وقال أبو عبيدة : أتواطؤوا عليه فأخذه بعضُهم من بعض ؟ ! قوله تعالى : { بلْ هم قوم طاغون } اي : يحملُهم الطُّغيان فيما أُعطوا من الدُّنيا على التكذيب ؛ والمشار إِليهم اهل مكة . { فتولَّ عنهم } فقد بلَّغْتَهم { فما أنت } عليهم { بملومٍ } لأنَّك قد أدَّيت الرِّسالة . ومذهب أكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة ، ولهم في ناسخها قولان . أحدهما : أنه قوله { وذكِّر فإن الذِّكرى تنفع المؤمنين } . والثاني : آية السيف . وفي قوله « وذكِّر » قولان . أحدهما : عِظْ ، قاله مقاتل . والثاني : ذكِّرهم بأيّام الله وعذابه ورحمته ، قاله الزجاج . قوله تعالى : { وما خلقْتُ الجنَّ والإنس إلاّ لِيعْبُدونِ } أثبت الياء في « يعْبُدون » و « يُطْعِمون » و « لا يستعجِلون » في الحالين يعقوب . واختلفوا في هذه الآية على أربعة أقوال . أحدها : إلاّ لآمُرهم أن يعبدوني ، قاله عليُّ بن أبي طالب ، واختاره الزجاج . والثاني : إلا لِيُقِرُّوا بالعُبودية طوْعاً وكرْهاً ، قاله ابن عباس ؛ وبيان هذا قوله { ولئن سألتهم منْ خلقهم ليقولُنَّ الله } [ الزخرف : 87 ] . والثالث : أنه خاصّ في حقِّ المؤمنين . قال سعيد بن المسيّب : ما خلقتُ منْ يعبُدني إلا ليعبُدَني . وقال الضحاك ، والفراء ، وابن قتيبة : هذا خاصّ لأهل طاعته ، وهذا اختيار القاضي ابي يعلى فإنه قال : معنى هذا الخصوصُ لا العمومُ ، لأن البُله والأطفال والمجانين لا يدخُلون تحت الخطاب وإن كانوا من الإنس ، فكذلك الكُفَّار يخرُجون من هذا بدليل قوله : { ولقد ذرأْنا لجهنَّم كثيراً من الجِنِّ والإنس } [ الأعراف : 179 ] ، فمن خُلق للشَّقاء ولجهنَّم ، لم يخلق للعبادة . والرابع : إلا ليخضعوا إليَّ ويتذللَّوا . ومعنى العبادة في اللغة : الذُّلُّ والانقياد . وكُلُّ الخلْق خاضعٌ ذليلٌ لقضاء الله عز وجل لا يملك خُروجاً عمّا قضاه اللهُ عز وجل ، هذا مذهب جماعة من أهل المعاني . قوله تعالى : { ما أُريدُ منهم من رِزْقٍ } أي : ما أُريدُ أن يرزُقوا أنفسهم { وما أُريدُ أن يُطْعِموني } أي : أن يُطْعِموا أحداً من خَلْقي ، لأنِّي أنا الرَّزّاق . وإنما أسند الإطعام إلى نفسه ، لأن الخلق عيالُ الله ، ومن أطعمَ عِيالَ أحد فقد أطعمه . وقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول اللهُ عز وجل يوم القيامة : يا ابن آدم : استطعمتُكَ فلم تُطْعِمْني " ، اي : لم تُطْعِم عبدي . فأما { الرَّزّاق } فقرأ الضحاك ، وابن محيصن : « الرّازق » بوزن « العالِم » . قال الخطابي : هو المتكفِّل بالرِّزق القائمُ على كل نَفْس بما يُقيمها من قُوتها . { والمتينُ } الشديد القُوَّة الذي لا تنقطع قُوَّته ولا يَلحقه في أفعاله مَشقَّة . وقد روى قتيبة عن الكسائي أنه قرأ : « المتينِ » بكسر النون . وكذا قرأ أبو رزين ، وقتادة ، وأبو العالية ، والأعمش . قال الزجاج : { ذو القوَّة المتينِ } أي : ذو الاقتدار الشديد ، ومن رفع « المتين » فهو صفة الله عز وجل ، ومن خفضه جعله صفة للقُوة ، لأن تأنيث القُوَّة كتأنيث المُوعظة ، فهو كقوله : { فمن جاءه مَوعِظةٌ من ربِّه } [ البقرة : 275 ] . قوله تعالى : { فإنَّ لِلذينَ ظَلموا } يعني مشركي مكة { ذَنوباً } أي : نصيباً من العذاب { مِثْلَ ذَنوبِ أصحابهم } الذين أُهلكوا ، كقوم نوح وعاد وثمود . قال الفراء : الذَّنوب في كلام العرب : الدَّلْوُ العظيمة ، ولكن العرب تذهب بها إلى النَّصيب والحظِّ ، قال الشاعر : @ لَنا ذَنُوبٌ وَلكُمْ ذَنُوبُ فإِنْ أَبَيْتُم فَلَنا الْقَلِيبُ @@ والذَّنوب ، يُذَكَّر ويؤنَّث . وقال ابن قتيبة ، أصل الذَّنوب : الدَّلو العظيمة ، وكانوا يَستقون ، فيكون لكل واحدٍ ذَنوبٌ ، فجُعل « الذَّنوب » مكان « الحظّ والنصيب » قوله تعالى : { فلا يَستعجِلونِ } أي : بالعذاب إن أُخِّروا إلى يوم القيامة ، وهو يومهم الذي يوعدون ، ويقال : هو يوم بدر .