Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 53, Ayat: 19-26)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال الزجاج : فلمّا قَصَّ اللهُ تعالى هذه الأقاصيص قال : { أفَرَأيتم اللاّت والعُّزَّى } المعنى : أخبِرونا عن هذه الآلهة التي تعبدونها هل لها من القُدرة والعظمة التي وُصف بها ربُّ العِزَّة شيءٌ ؟ ! فأمّا « اللاّت » فقرأ الجمهور بتخفيف التاء ، وهو اسم صنم كان لثقيف اتَّخذوه مِن دون الله ، وكانوا يَشتقُّون لأصنامهم من أسماء الله تعالى ، فقالوا من « الله » : اللات ، : ومن « العزيز » : العُزَّى . قال أبو سليمان الخطابي : كان المشركون يتعاطَون « الله » اسماً لبعض أصنامهم ، فصرفه الله إلى اللاّت صيانةً لهذا الاسم وذَبّاً عنه . وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك ، وابن السميفع ، ومجاهد ، وابن يعمر ، والأعمش ، وورش عن يعقوب : « اللاتّ » بتشديد التاء ؛ ورد في تفسير ذلك عن ابن عباس ومجاهد أن رجلاً كان يلُتُّ السَّويق للحاجّ ، فلمّا مات عكفوا على قبره فعبدوه . وقال الزجاج : زعموا أن رجلاً كان يلُتُّ السَّويق ويبيعه عند ذلك الصنم ، فسُمِّي الصنمُ : اللاّتّ . وكان الكسائي يقف عليه بالهاء ، فيقول : « اللاّه » ؛ وهذا قياس ، والأجود الوقوف بالتاء ، لاتباع المصحف . وأما « العُزَّى » ففيها قولان . أحدهما : أنها شجرة لغطفان كانوا يعبدونها ، قاله مجاهد . والثاني : صنم لهم ، قاله الضحاك . قال : وأمّا « مَناةَ » فهو صنم لهُذَيل وخُزاعة يعبُده أهلُ مكة . وقال قتادة : بل كانت للأنصار . وقال أبو عبيدة : كانت اللاّت والعُزَّى ومَناة أصناماً من حجارة في جوف الكعبة يعبدونها . وقرأ ابن كثير « ومَناءَةَ » ممدودة مهموزة . فأمّا قوله : { الثالثةَ } فانه نعت ل « مَناة » ، هي ثالثة الصنمين في الذِّكر ، و « الأُخرى » نعت لها . قال الثعلبي : العرب لا تقول للثالثة : الأُخرى ، وإنما الأُخرى نعت للثانية ؛ فيكون في المعنى وجهان . أحدهما : أن ذلك لِوِفاق رؤوس الآي ، كقوله { مَآربُ أُخرى } [ طه : 18 ] ولم يقل ، أُخَر ، قاله الخليل . والثاني : أن في الآية تقديماً وتأخيراً تقديره : أفرأيتم اللاّت والعُزَّى الأخرى ومَناة الثالثة ، قاله الحسين بن الفضل . قوله تعالى : { أَلَكُمُ الذَّكَرُ } قال ابن السائب : إن مشركي قريش قالوا للأصنام والملائكة : بناتُ الله ، وكان الرجُل منهم إذا بُشِّر بالأُنثى كرِه ، فقال الله تعالى مُنْكِراً عليهم : { ألَكُمُ الذَّكرُ وله الأُنثى } ؟ ! يعني الأصنام وهي [ إناث ] في أسمائها . { تلك إذاً قِسْمةٌ ضِيزى } قرأ عاصم ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : [ « ضِيزى » ] بكسر الضاد من غير همز ؛ وافقهم ابن كثير [ في ] كسر الضاد ، لكنه همز . وقرأ أُبيُّ بن كعب ، ومعاذ القارىء : « ضَيْزى » بفتح الضاد من غير همز . قال الزجاج : الضِّيزى في كلام العرب : الناقصةُ الجائرة ، يقال : ضازه يَضِيزُه : إذا نقصه حَقَّه ، ويقال : ضَأَزَه يَضْأَزُه بالهمز . وأجمع النحويُّون أن أصل ضِيزَى : ضُوزًى ، وحُجَّتُهم أنها نُقلت من « فُعْلى » من ضْوزى إلى ضِيزى ، لتَسلم الياء ، كما قالوا : أبيض وبِيْض ، وأصله : بُوضٌ ، فنُقلت الضَّمَّة إلى الكسرة . وقرأت على بعض العلماء باللُّغة : في « ضيزى » لغات ؛ يقال : ضِيزَى ، وضُوزَى ، وضُؤْزَى ، وضَأْزَى على « فَعْلى » مفتوحة ؛ ولا يجوز في القرآن إلاّ « ضِيزى » بياءٍ غير مهموزة ؛ وإنما لم يقُل النحويُّون : إنها على أصلها لأنهم لا يعرفون في الكلام « فِعْلى » صفة ، إنما يعرفون الصِّفات على « فَعْلَى » بالفتح ، نحو سَكُرَى وغَضْبى ، أو بالضم ، نحو حُبْلى وفُضْلى . قوله تعالى : { إن هي } يعني الأوثان { إلاّ أسماءٌ } والمعنى : إن هذه الأوثان التي سمَّوها بهذه الأسامي لا معنى تحتها ، لأنها لا تضر ولا تنفع ، فهي تسميات أُلقيت على جمادات ، { ما أَنزل اللهُ بها من سُلطان } أي : لم يُنزل كتاباً فيه حُجّة بما يقولون : إِنها آلهة . ثم رجع إلى الإخبار عنهم بعد الخطاب لهم فقال : { إن يَتَّبِعونَ } في أنها آلهة ، [ { إلا الظن وما تهوى الأنفس } ] وهو ما زيَّن لهم الشيطان ، { ولقد جاءهم مِن ربِّهم الهُدى } وهو البيان بالكتاب والرسول ، وهذا تعجيب من حالهم إذ لم يتركوا عبادتها بعد وُضوح البيان . ثم أنكر عليهم تَمنِّيهم شفاعتَها فقال : { أَم للإنسان } يعني الكافر { ما تَمنَّى } من شفاعة الأصنام { فلِلَّهِ الآخِرةُ والأُولى } أي لا يَملك فيهما أحد شيئاً إلاّ بإذنه . ثم أكَّد هذا بقوله : { وكم مِنْ مَلَكٍ في السموات لا تُغْني شفاعتُهم شيئاً } فجمع في الكناية ، لأن معنى الكلام الجمع { إلاّ مِنْ بَعْدِ أن يأذن اللهُ } في الشفاعة { لِمن يشاءُ ويَرضى } ؛ والمعنى أنهم لا يَشفعون إلاّ لِمن رضي اللهُ عنهم .