Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 5-18)
Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { عَلَّمه شديدُ القُوى } وهو جبريل عليه السلام علَّم النبيَّ صلى الله عليه وسلم ؛ قال ابن قتيبة : وأصل هذا من « قُوَى الحَبْل » وهي طاقاتُه ، الواحدة : قُوَّةٌ { ذو مِرَّةٍ } أي : ذو قُوَّة ، وأصل المِرَّة : الفَتْلُ . قال المفسرون : وكان من قُوَّته أنه قلع قَرْيات لوط وحملها على جناحه فقلبها ، وصاح بثمود فأصبحوا خامدين . قوله تعالى : { فاستوى ، وهُو بالأُفُق الأعلى } فيه قولان . أحدهما : فاستوى جبريل ، وهو يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : أنهما استويا بالأفق الأعلى لمّا أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله الفراء . والثاني : فاستوى جبريل ، وهو يعني جبريل بالأفق الأعلى على صورته الحقيقية ، لأنه كان يَتمثَّل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبط عليه بالوحي في صورة رجُل ، وأحبَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يراه على حقيقته ، فاستوى في أفق المَشْرِق ، فملأ الأفق ؛ فيكون المعنى ؛ فاستوى جبريلُ بالأفق الأعلى في صورته ، هذا قول الزجَّاج . قال مجاهد : والأفق الأعلى : هو مَطْلِع الشمس . وقال غيره : إنما قيل له : « الأعلى » لأنه فوق جانب المَغْرب في صعيد الأرض لا في الهواء . قوله تعالى : { ثُمَّ دنا فتَدَلَّى } قال الفراء : المعنى : ثم تَدلَّى فدنا . ولكنه جائز أن تقدِّم أيَّ الفعلين شئتَ إذا كان المعنى فيهما واحداً ، فتقول : قد دنا فقَربُ ، وقَرُبَ فدنا ، وشتم فأساء ، وأساء فشتم ، ومنه قوله : { اقتربتِ الساعةُ وانشقَّ القمر } [ القمر : 1 ] المعنى والله أعلم ـ : انشق القمر واقتربت الساعة . قال ابن قتيبة : المعنى : تَدلَّى فدنا ، لأنه تَدَلَّى للدُّنُوِّ ، ودنا بالتَّدلِّي . وقال الزجاج : دنا بمعنى قَرُبَ ، وتدلى : زاد في القُرْب ، ومعنى اللفظتين واحد . وقال غيرهم : أصل التَّدَلِّي : النُّزول إلى الشيء حتى يقرب منه ، فوُضع موضع القُرْب . وفي المشار إليه بقوله : « ثُمَّ دنا » ثلاثة أقوال . أحدها : أنه الله عز وجل . روى البخاري ومسلم في « الصحيحين » من حديث شريك بن أبي نَمِر عن أنس بن مالك قال : دنا الجبّار ربُّ العِزَّة فتدلَّى حتى كان منه قابَ قوسين أو أدنى . وروى أبو سلمة عن ابن عباس : « ثم دنا » قال : دنا ربُّه فتدلَّى ، وهذا اختيار مقاتل . قال : دنا الرَّبُّ من محمد ليلةَ أُسْرِي به ، ، فكان منه قابَ قوسين أو أدنى . وقد كشفتُ هذا الوجه في كتاب « المُغْني » وبيَّنتُ أنه ليس كما يخطُر بالبال من قُرب الأجسام وقطع المسافة ، لأن ذلك يختص بالأجسام ، والله منزَّه عن ذلك . والثاني : أنه محمد دنا من ربِّه ، قاله ابن عباس ، والقرظي . والثالث : أنه جبريل . ثم في الكلام قولان . أحدهما : دنا جبريلُ بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض ، فنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن ، وقتادة . والثاني : دنا جبريلُ من ربِّه عز وجل فكان منه قابَ قوسين أو أدنى ، قاله مجاهد . قوله تعالى : { فكان قابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى } وقرأ ابن مسعود ، وأبو رزين : « فكان قاد قوسين » بالدال . وقال أبو عبيدة : القابُ والقادُ : القَدْر . وقال ابن فارس : القابُ : القدر . ويقال : بل القابُ : ما بين المَقْبِض والسِّية ، ولكل قوس قابان . وقال ابن قتيبة : سِيَة القَوْس : ما عُطِفَ من طَرَفيْها . وفي المراد بالقوسين قولان . أحدهما : أنها القوس التي يُرمى بها ، قاله ابن عباس ، واختاره ابن قتيبة ، فقال : قَدْر قوسين . وقال الكسائي : أراد بالقوسين : قوساً واحداً . والثاني : أن القوس : الذراع ؛ فالمعنى : كان بينهما قَدْر ذراعين ، حكاه ابن قتيبة . وهو قول ابن مسعود ، وسعيد بن جبير ، والسدي . قال ابن مسعود : دنا جبريل منه حتى كان قَدْرَ ذراع أو ذراعين . قوله تعالى : { أو أدنى } فيه قولان . أحدهما : أنها بمعنى « بل » ، قاله مقاتل . والثاني : أنهم خوطبوا على لغتهم ؛ والمعنى : كان على ما تقدِّرونه أنتم قَدْرَ قوسين أو أقلَّ ، هذا اختيار الزجّاج . قوله تعالى : { فأَوْحى إلى عَبْده ما أَوْحى } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أَوْحى اللهُ إلى محمد كِفاحاً بلا واسطة ، وهذا على قول من يقول : إنه كان في ليلة المعراج . والثاني : أَوحى جبريلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أَوحى اللهُ إليه ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثالث : أَوحى [ اللهُ ] إلى جبريل ما يوحيه ، روي عن عائشة رضي الله عنها ، والحسن ، وقتادة . قوله تعالى : { ما كَذَبَ الفؤادُ ما رأى } قرأ أبو جعفر ، وهشام عن ابن عامر ، وأبان عن عاصم : « ما كَذَّب » بتشديد الذّال ؛ وقرأ الباقون بالتخفيف . فمن شدَّد أراد : ما أَنكر فؤادُه ما رأته عينُه ؛ ومن خفَّف أراد : ما أوهمه فؤادُه أنه رأى ، ولم ير ، بل صَدَّقَ الفؤاد رؤيته . وفي الذي رأى قولان . أحدهما : أنه رأى ربَّه عز وجل ، قاله ابن عباس ، [ وأنس ] ، والحسن ، وعكرمة . والثاني : أنه رأى جبريلَ في صورته التي خُلق عليها ، قاله ابن مسعود وعائشة . قوله تعالى : { أفَتُمارُونه } وقرأ حمزة ، والكسائي ، والمفضل ، وخلف ، ويعقوب : « أفَتمْروُنه » . قال ابن قتيبة : معنى « أفَتُماروُنه » : أفتُجادِلونه ، مِن المِراء ، ومعنى « أفتَمْرُونه » : أفَتَجْحدونه . قوله تعالى : { ولقد رآه نَزْلَةً أُخْرَى } قال الزجّاج : أي : رآه مَرَّةً أُخرى . قال ابن عباس : رأى محمدٌ ربَّه ؛ وبيان هذا أنه تردَّد لأجل الصلوات مراراً ، فرأى ربَّه في بعض تلك المرّات مَرَّةً أُخرى . قال كعب : إن الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى ، فرآه محمد مرتين ، وكلَّمه موسى مرتين . وقد روي عن ابن مسعود أن هذه الرؤية لجبريل أيضاً ، رآه على صورته التي خُلق عليها . فأمّا سِدْرة المُنتهى ، فالسِّدْرة : شجرة النَّبِق ، وقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نَبِقُها مِثْلُ قِلال هَجَر ، ووَرَقُها مِثلُ آذان الفِيَلة " وفي مكانها قولان . أحدهما : أنها فوق السماء السابعة ، وهذا مذكور في « الصحيحين » من حديث مالك بن صعصعة . قال مقاتل : وهي عن يمين العرش . والثاني : أنها في السماء السادسة ، أخرجه مسلم في أفراده عن ابن مسعود وبه قال الضحاك . قال المفسرون : وإنما سُمِّيتْ سِدْرة المُنتهى ، لأنه إليها مُنتهى ما يُصْعَد به من الأرض ، فيُقْبَض منها ، وإليها ينتهي ما يُهبْطَ به من فوقها فيُقْبَض منها ، وإليها ينتهي عِلْم جميع الملائكة . قوله تعالى : { عِنْدَها } وقرأ معاذ القارىء ، وابن يعمر ، وأبو نهيك : « عِنْدَهُ » بهاءٍ مرفوعة على ضمير مذكَّر { جَنَّةُ المأوى } قال ابن عباس : هي جنة يأوي إليها جبريل والملائكة . وقال الحسن : هي التي يصير إليها أهل الجنة . وقال مقاتل : هي جَنَّة إليها تأوي أرواح الشهداء . وقرأ سعيد بن المسيّب ، والشعبي ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وأبو العالية : « جَنَّهُ المأوى » بهاءٍ صحيحة مرفوعة . قال ثعلب : يريدون أَجنَّهُ ، وهي شاذَّة . وقيل : معنى « عندها » : أدركه المبيت يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله تعالى : { إذ يَغْشى السِّدْرَةَ ما يغْشى } روى مسلم في أفراده من حديث ابن مسعود قال : غَشِيَها فَراشٌ مِنْ ذهب . وفي حديث مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لمّا غَشِيَها مِنْ أمْر الله ما غَشِيَها ، تغيَّرتْ ، فما أحدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ يستطيع أن يَصِفها مِنْ حُسْنها " وقال الحسن ، ومقاتل : تَغْشاها الملائكةُ أمثالَ الغِرْبان حين يَقَعْنَ على الشجرة . وقال الضحاك : [ غَشِيها ] نور ربِّ العالمين . قوله تعالى : { ما زاغ البَصَرُ } أي : ما عَدَلَ بَصرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يميناً ولا شِمالاً { وما طغى } أي : ما زاد ولا جاوز ما رأى ؛ وهذا وصف أدبه صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام . { لقد رأى مِنْ آياتِ ربِّه الكُبرى } فيه قولان . أحدهما : [ لقد ] رأى من آياتِ ربِّه العِظامِ . والثاني : لقد رأى من آيات ربِّه [ الآية ] الكُبرى . وللمفسرين في المراد بما رأى من الآيات ثلاثة أقوال . أحدها : أنه رأى رفرفاً أخضر من الجنة قد سَدَّ الأفق ، قاله ابن مسعود . والثاني : أنه رأى جبريل في صورته التي يكون عليها في السماوات ، قاله ابن زيد . والثالث : أنه رأى من أعلام ربِّه وأدلَّته [ الأعلامَ والأدلةَ ] الكُبرى ، قاله ابن جرير :