Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 11-17)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين نافقوا } يعني : عبد الله بن أُبيٍّ وأصحابه { يقولون لإخوانهم } في الدِّين ، لأنهم كفَّار مثلهم ، وهم اليهود { لئن أُخرجتم } من المدينة { لنخرجنَّ معكم ولا نطيع فيكم } أي : في خذلانكم { أحداً أبداً } فكذَّبهم الله تعالى في ذلك بقوله : { والله يشهد إِنهم لكاذبون } ثم ذكر أنهم يُخلفونهم ما وعدوهم من الخروج والنصر بالآية التي تلي هذه ، فكان الأمر على ما ذكره الله تعالى ، لأنهم أُخرجوا فلم يخرج معهم المنافقون ، وقُوتلوا فلم ينصروهم ، ومعنى { ولئن نصروهم } لئن قُدِّر وجودُ نصرهم ، لأن الله نفى نصرهم ، فلا يجوز وجوده . وقوله تعالى : { ثم لا ينصرون } يعني : بني النضير . قوله تعالى : { لأنتم أشد } يعني : المؤمنين أشد { رهبة في صدورهم } وفيهم قولان . أحدهما : أنهم المنافقون ، قاله مقاتل . والثاني بنو النضير ، قاله الفراء . قوله تعالى : { لا يقاتلونكم جميعاً } فيهم قولان . أحدهما : أنهم اليهود ، قاله الأكثرون . والثاني : اليهود والمنافقون ، قاله ابو سليمان الدمشقي . والمعنى : أنهم لا يبرزون لحربكم ، إنما يقاتلون مُتَحَصِّنين في قرىً محصنة أو من وراء جُدُر ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبان « جدار » بألف . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، « جُدُر » بضم الجيم والدَّال . وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق ، وابن أبي عبلة ، « جَدَر » بفتح الجيم والدال جميعاً ، وقرأ عمر بن الخطاب ، ومعاوية ، وعاصم الجحدري ، « جَدْر » بفتح الجيم وسكون الدال . وقرأ علي بن أبي طالب ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، وعكرمة ، والحسن ، وابن سيرين ، وابن يعمر ، « جُدْر » بضم الجيم وإِسكان الدال { بأسُهم بينهم شديدٌ } فيما وراء الحصون شديد ، وإذا خرجوا إِليكم فهم أجبن خلق الله . قوله تعالى : { تحسبهم جميعاً } فيهم قولان . أحدهما : أنهم اليهود والمنافقون ، قاله مقاتل . والثاني : بنو النضير ، قاله الفراء . قوله تعالى : { وقلوبهم شتى } قال الزجاج : أي : هم مختلفون لا تستوي قلوبهم ، ولا يتعاونون بنيِّات مجتمعة ، لأن الله تعالى ناصر حزبه ، وخاذل أعدائه . قوله تعالى : { ذلك } يعني : ذلك الاختلاف { بأنهم قوم لا يعقلون } ما فيه الحظُّ لهم . ثم ضرب لليهود مثلاً ، فقال تعالى : { كمثل الذين من قبلهم قريباً } وفيه ثلاثة أقوال . أحدها : بنو قينقاع ، وكانوا وادعوا رسول الله ، ثم غدروا ، فحصروهم ، ثم نزلوا ، على حكمه ، أن له أموالهم ، ولهم النساء والذُّرِّية . فالمعنى : مثل بني النضير فيما فعل بهم كبني قينقاع فيما فعل بهم . والثاني : أنهم كفار قريش يوم بدر ، قاله مجاهد . والمعنى : مَثَلُ هؤلاء اليهود كمثلِ المشركين الذين كانوا من قبلهم قريباً ، وذلك لقرب غزاة بني النضير من غزاة بدر . والثالث : أنهم بنو قريظة ، فالمعنى : مَثَلُ بني النضير كبني قريظة { ذاقوا وبال أمرهم } بأن قُتلت مقاتلتهم ، وسُبِيَتْ ذراريهم ، وهؤلاء أُجلوا عن ديارهم ، فذاقوا وبال أمرهم { ولهم عذاب أليم } في الآخرة . ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلاً فقال تعالى : { كمثل الشيطان } . والمعنى : مثل المنافقين في غرورهم بني النضير ، وقولهم لئن أُخرجتم لنخرجنَّ معكم ، ولئن قوتلتم لننصرنكم ، كمثل الشيطان { إذ قال للإنسان اكفر } وفيه قولان . أحدهما : أنه مَثَلٌ ضربه الله تعالى للكافر في طاعة الشيطان ، وهو عام في جميع الناس ، قاله مجاهد . والثاني : أنه مَثَلٌ ضربه الله لشخص معين ، وعلى هذا جمهور المفسرين ، وهذا شرح قصته . ذكر أهل التفسير أن عابداً من بني إسرائيل كان يقال له برصيصا تعبَّد في صومعةٍ له أربعين سنة لا يقدر عليه الشيطان ، فجمع إبليس يوماً مردة الشياطين ، فقال : ألا أحدٌ منكم يكفيني برصيصا ؟ فقال الأبيض : وهو صاحب الأنبياء : أنا أكفيكه ، فانطلق على صفة الرهبان ، وأتى صومعته ، فناداه فلم يجبه وكان لا ينفتل عن صلاته ، إلا في كل عشرة أيام ، ولا يفطر إلا في كل عشرة أيام ، فلما رأى أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته ، فلما انفتل برصيصا ، اطَّلع فرآه منتصباً يصلي على هيئة حسنة ، فناداه ما حاجتك ؟ فقال : إِني أحببت أن أكون معك ، أقتبس من عملك ، وأتأدَّب بأدبك ، ونجتمع على العبادة ، فقال برصيصا : إني لفي شغل عنك ، ثم أقبل على صلاته ، وأقبل الأبيض يصلي ، فلم يُقْبِلْ إليه برصيصا أربعين يوماً ، ثم انفتل ، فرآه يصلي ، فلما رأى شدة اجتهاده ، قال : ما حاجتك ؟ فأعاد عليه القول ، فأذن له ، فصعِد إليه ، فأقام معه حولاً لا يفطر إِلا كل أربعين يوماً ، ولا ينفتل من صلاته إلا في كل أربعين يوماً ، وربما زاد على ذلك ، فلما رأى برصيصا اجتهاده ، أعجبه شأنه وتقاصرت إِليه نفسه ، فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا : إني منطلق عنك ، فإن لي صاحباً غيرك ظننت أنك أشد اجتهاداً مما أرى ، وكان يبلغنا عنك غير الذي أرى ، فاشتد ذلك على برصيصا ، وكره مفارقته ، فلما ودَّعه قال له الأبيض : إِن عندي دَعَوَاتٍ أعلمكها ، يشفي الله بها السقيم ، ويعافي بها المبتلي ، فقال برصيصا : إِني أكره هذه المنزلة ، لأن لي في نفسي شغلاً ، فأخاف أن يعلم الناس بهذا ، فيشغلوني عن العبادة ، فلم يزل به حتى علمه إياها ، ثم انطلق إلى إِبليس فقال : قد والله أهلكتُ الرجل فانطلق الأبيض ، فتعرَّض لرجل فخنقه ، ثم جاءه في صورة رجل متطبِّب ، فقال لأهله : إن بصاحبكم جنوناً فأعالجه ؟ قالوا : نعم فقال لهم : إِني لا أقوى على جنِّيِّه ، ولكن سأرشدكم إِلى من يدعو له فيعافى ، فقالوا له : دُلنَّا ، قال : انطلقوا إِلى برصيصا العابد ، فإن عنده اسم الله الأعظم ، فانطلقوا إليه ، فدعا بتلك الكلمات ، فذهب عنهم الشيطان ، وكان الأبيض يفعل بالناس ذلك ، ثم يرشدهم إلى برصيصا ، فيُعافَوْن ، فلما طال ذلك عليه انطلق إلى جارية من بنات ملوك بني إسرائيل ، لها ثلاثة إخوة ، فخنقها ، ثم جاء إليهم في صورة متطبِّب ، فقال أعالجها ؟ قالوا : نعم . فقال إِن الذي عرض لها مارد لا يطاق ، ولكن سأرشدكم إلى رجل تَدَعونها عنده ، فإذا جاء شيطانها دعا لها ، قالوا ، ومن هو ؟ قال برصيصا ، قالوا : فكيف لنا أن يقبلها منَّا ، وهو أعظم شأناً من ذلك ؟ ! قال : إن قبلها ، وإلا فضعوها في صومعته ، وقولوا له : هي أمانة عندك ، فانطلقوا اليه ، فأبى عليهم ، فوضعوها عنده . وفي بعض الروايات أنه قال : ضعوها في ذلك الغار ، وهو غار إلى جنب صومعته ، فوضعوها ، فجاء الشيطان فقال له : انزل إِليها فامسحها بيدك تعافى ، وتنصرف إلى أهلها ، فنزل ، فلما دنا إلى باب الغار دخل الشيطان فيها ، فإذا هي تركض ، فسقطت عنها ثيابها ، فنظر العابد إلى شيء لم ير مثله حسناً وجمالاً ، فلم يتمالك أن وقع عليها ، وضرب على أذنه ، فجعل يختلف اليها إلى أن حملت ، فقال له الشيطان : ويحك يا برصيصا قد افتُضحت ، فهل لك أن تقتل هذه وتتوب ؟ ! فأن سألوك عنها فقل : جاء شيطانها ، فذهب بها ، فلم يزل بها حتى قتلها ، ودفنها ، ثم رجع إلى صومعته ، فأقبل على صلاته إِذ جاء إخوتها يسألون عنها ، فقالوا : يا برصيصا ! ما فعلت أختنا ؟ قال : جاء شيطانها فذهب بها ، ولم أطقه ، فصدَّقوه ، وانصرفوا . وفي بعض الروايات أنه قال : دعوت لها ، فعافاها الله ، ورجعتْ اليكم ، فتفرَّقوا ينظرون لها أثراً ، فلما أمسَوْا جاء الشيطان إلى كبيرهم في منامه ، فقال : ويحك : إِن برصيصا فعل بأختك كذا وكذا . وإنه دفنها في موضع كذا من جبل كذا ، فقال : هذا حلم ، وبرصيصا خير من ذلك ، فتتابع عليه ثلاث ليال ، ولا يكترث ، فانطلق إِلى الأوسط كذلك ، ثم إلى الأصغر مثل ذلك ، فقال الأصغر لإخوته : لقد رأيت كذا وكذا ، فقال الأوسط : وأنا والله ، فقال الأكبر : وأنا والله ، فأتوا برصيصا ، فسألوه عنها . فقال : قد أعلمتكم بحالها ، فكأنكم اتَّهمتموني ، قالوا : لا والله ، واستحيَوْا ، وانصرفوا ، فجاءهم الشيطان فقال : ويحكم إنها لمدفونة في موضع كذا وكذا ، وإن إِزارها لخارج من التراب ، فانطلقوا ، فحفروا عنها ، فرأوها ، فقالوا : يا عدوَّ الله لم قتلتها ؟ اهبط . فهدموا صومعته ، ثم أوثقوه ، وجعلوا في عنقه حبلاً ، ثم قادوه إلى الملك فأقرَّ على نفسه ، وذلك أن الشطيان عرض له ، فقال : تقتلها ثم تكابر ، فاعترف ، فأمر الملك بِقَتْلِهِ وصَلْبِهِ ، فعرض له الأبيض ، فقال : أتعرفني ؟ قال : لا ، قال : أنا صاحبك الذي علَّمتك الدعوات ، ويحك ما اتَّقيت الله في أمانة خنت أهلها ، أما استحيَيْتَ من الله ؟ ! ألم يكفك ذلك حتى أقررت ففضحت نفسك وأشباهك بين الناس ؟ ! فإن مِتَّ على هذه الحالة لم تفلح ، ولا أحدٌ من نظرائك ، قال : فكيف أصنع ؟ قال : تطيعني في خصلة حتى أُنجيك ، وآخذ بأعينهم ، وأُخرجك من مكانك ، قال : ما هي ؟ قال : تسجد لي ، فسجد له ، فقال : هذا الذي أردت منك صارت عاقبة أمرك أن كفرت { إني بريء منك } ثم قتل . فضرب الله هذا المثل لليهود حين غَرَّهم المنافقون ، ثم أسلموهم . قوله تعالى : { إني أخاف الله } ونصب ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ياء « إِنيَ » وأسكنها الباقون . وقد بيَّنا المعنى في [ الأنفال : 48 ] { فكان عاقبتهما } يعني : الشيطان وذلك الكافر .