Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 6-10)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وما أفاء الله على رسوله } أي ما ردَّ عليهم { منهم } يعني : من بني النضير { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } قال أبو عبيدة : الإيجاف : الإيضاع ، والركاب : الإبل . قال ابن قتيبة : يقال وجف الفرس والبعير ، وأوجفته ومثله : الإيضاع ، وهو الإسراع في السير . وقال الزجاج : معنى الآية : أنه لا شيء لكم في هذا ، إنما هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة . قال المفسرون : طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخمِّسَ أموال بني النضير لما أُجْلُوا ، فنزلت هذه الآية تبين أنها فيىء لم تحصل لهم بمحاربتهم ، وإنما هو بتسليط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو له خاصة ، يفعل فيه ما يشاء ، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين ، ولم يعط الأنصار منه شيئاً ، إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة ، وهم : أبو دُجَانة ، وسهل بن حُنيف ، والحارث بن الصِّمَّة . ثم ذكر حكم الفيىء فقال تعالى : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } أي : من أموال كفار أهل القرى { فلله } أي : يأمركم فيه بما أحب ، { ولرسوله } بتحليل الله إياه . وقد ذكرنا « ذوي القربى واليتامى » في [ الأنفال : 41 ] وذكرنا هناك الفرق بين الفيىء والغنيمة . فصل واختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فذهب قوم : أن المراد بالفيىء هاهنا : الغنيمة التي يأخذها المسلمون من أموال الكافرين عنوة ، وكانت في بدوِّ الإسلام للذين سمَّاهم الله هاهنا دون الغالبين الموجفين عليها ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في [ الأنفال : 41 ] { واعلموا أنما غنمتم من شيء … } الآية ، هذا قول قتادة ، ويزيد بن رومان . وذهب قوم إلى أن هذا الفيىء : ما أخذ من أموال المشركين ما لم يوجف بخيل ولا ركاب ، كالصلح ، والجزية ، والعشور ، ومال من مات منهم في دار الإسلام ولا وارث له ، فهذا كان يقسم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أخماس ، فأربعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل بها ما يشاء ، والخمس الباقي للمذكورين في هذه الآية . واختلف العلماء فيما يصنع بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته على ما بيَّنَّا في [ الأنفال : 41 ] فعلى هذا تكون هذه الآية مثبتة لحكم الفيىء والتي في [ الأنفال : 41 ] مثبتة لحكم الغنيمة ، فلا يتوجه النسخ . قوله تعالى : { كي لا يكون } يعني : الفيىء { دُولة } وهو اسم للشيء يتداوله القوم . والمعنى لئلا يتداوله الأغنياء بينهم فيغلبوا الفقراء عليه . قال الزجاج : الدُّولة : اسم الشيء يتداول . والدَّولة ، بالفتح : الفعل والانتقال من حال إلى حال { وما آتاكم الرسول } من الفيىء { فخذوه وما نهاكم } عن أخذه { فانتهوا } وهذا نزل في أمر الفيىء ، وهو عام في كل ما أمر به ، ونهى عنه . قال الزجاج ثم بين مَن المساكين الذي لهم الحق ، فقال تعالى : { للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم } قال المفسرون : يعني بهم المهاجرين { يبتغون فضلاً من الله } أي : رزقاً يأتيهم { ورضواناً } رضى ربهم حين خرجوا إلى دار الهجرة { أولئك هم الصادقون } في إِيمانهم . ثم مدح الأنصار حين طابت أنفسهم عن الفيىء ، فقال تعالى : { والذين تبوَّؤُا الدار } يعني : دار الهجرة ، وهي المدينة { والإيمان من قبلهم } فيها تقديم وتأخير ، تقديره : والذين تبوَّؤوُا الدار من قبلهم ، أي : من قبل المهاجرين ، والإيمان عطف على « الدار » في الظاهر ، لا في المعنى ، لأن « الإيمان » ليس بمكان يُتَبَوَّأُ ، وإنما تقديره : وآثروا الإيمان ، وإِسلام المهاجرين قبل الأنصار ، وسكنى الأنصار المدينة قبل المهاجرين . وقيل : الكلام على ظاهره ، والمعنى : تبوَّؤوا الدار والإيمان قبل الهجرة { يحبُّون من هاجر إليهم } وذلك أنهم شاركوهم في منازلهم ، وأموالهم { ولا يجدون في صدورهم حاجة } أي : حسداً وغيظاً مما أوتي المهاجرون . وفيما أوتوه قولان : أحدهما : مال الفيء ، قاله الحسن . وقد ذكرنا آنفاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ، ولم يعط من الأنصار غير ثلاثة نفر . والثاني : الفضل والتقدُّم ، ذكره الماوردي . قوله تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم } بأموالهم ومنازلهم { ولو كان بهم خصاصة } أي فقر وحاجة ، فبين الله عز وجل أن إيثارهم لم يكن عن غنى . وفي سبب نزول هذا الكلام قولان : أحدهما : " أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أصابه الجهد ، فقال : يا رسول الله : إِني جائع فأطعمني ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أزواجه : هل عندكنَّ شيء ؟ فكلُّهن قلن : والذي بعثك بالحق ما عندنا إِلا الماء ، فقال : ما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يطعمكَ هذه الليلة . ثم قال : « من يضيف هذا هذه الليلة يرحمه الله ؟ » فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله ، فأتى به منزله ، فقال لأهله : هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكرميه ولا تدَّخري عنه شيئاً ، فقالت : ما عندنا إلا قوت الصبية ، فقال : قومي فعلِّليهم عن قوتهم حتى يناموا ولا يطعموا شيئاً ، ثم أصبحي سراجِك ، فإذا أخذ الضيف ليأكل ، فقومي كأنك تصلحين السراج ، فأطفئيه ، وتعالَيْ نمضغ ألسنتنا لأجل ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يشبع ، ففعلت ذلك ، وظن الضيف أنهما يأكلان معه ، فشبع هو ، وباتا طاويَين ، فلما أصبحا غَدَوَا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما نظر اليهما تبسَّم ، ثم قال : ضحك الله الليلة ، أو عجب من فَعالكما " ، فأنزل الله تعالى : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة … } الآية . أخرجه البخاري ومسلم في « الصحيحين » من حديث أبي هريرة وفي بعض الألفاظ عن أبي هريرة : أن الضيف كان من أهل الصُّفَّة ، والمضيف كان من الأنصار ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقد عجب من فعالكما أهلُ السماء " . والثاني : أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أُهْدِيَ له رأسُ شاةٍ ، فقال : إِن أخي فلاناً وعياله أحوج إِلى هذا منا ، فبعث به إِليه ، فلم يزل يبعث به واحد إلى واحد حتى تداولها سبعة أهل أبيات ، حتى رجعت إلى أولئك ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عمر . وروي نحو هذه القصة عن أنس بن مالك قال : أُهدي لبعض الصحابة رأسُ شاةٍ مشويّ ، وكان مجهوداً ، فوجَّه به إلى جارٍ له فتناوله تسعةُ أنفس ، ثم عاد إلى الأول ، فنزلت هذه الآية . قوله تعالى : { ومن يوق شح نفسه } وقرأ ابن السميفع ، وأبو رجاء ، « ومن يُوَقَّ » بتشديد القاف . قال المفسرون : هو أن لا يأخذ شيئاً مما نهاه الله عنه ، ولا يمنع شيئاً أمره الله بأدائه . والمعنى : أن الأنصار ممن وُقِيَ شُحَّ نفسه حين طابت أنفسهم بترك الفيىء للمهاجرين . فصل وقد اختلف العلماء في الشح والبخل ، هل بينهما ، فرق ، أم لا ؟ فقال ابن جرير : الشُّحُّ في كلام العرب : هو منع الفضل من المال . وقال أبو سليمان الخطابي : الشح أبلغ في المنع من البخل ، وإنما الشُّحُّ بمنزلة الجنس ، والبخل بمنزلة النوع ، وأكثر ما يقال في البخل : إنما هو في أفراد الأمور وخواص الأشياء ، والشح عام ، فهو كالوصف اللازم للإنسان من قِبَل الطَّبع والجِبِلَّة . وحكى الخطابي عن بعضهم أنه قال : البخل : أن يَضِنَّ بماله ، والشح : أن يبخل بماله ومعروفه . وقد روى أبو الشعثاء أن رجلا أتى ابن مسعود فقال : إني أخاف أن أكون قد هلكت ، قال : وما ذاك ؟ قال : أسمع الله يقول : « ومن يوق شح نفسه » وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يديَّ شيء ، فقال : ليس ذلك بالشح الذي ذكره الله في القرآن ، الشُّحُّ : أن تأكل مال أخيك ظلماً ، إِنما ذلك البخل ، وبئس الشيء البخل وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " برىء من الشُّحِّ من أدَّى الزكاة ، وَقَرَى الضيف ، وأعطى في النائبة " . قوله تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم } يعني التابعين إلى يوم القيامة . قال الزجاج : والمعنى : ما أفاء الله على رسوله فلله وللرسول ولهؤلاء المسلمين ، وللذين يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة ما أقاموا على محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودليل هذا قوله تعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم } أي : الذين جاؤوا في حال قولهم : { ربنا اغفر لنا ولإخواننا } فمن ترحَّم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن في قلبه غِلٌّ لهم ، فله حَظٌّ من فيىء المسلمين ، ومن شتمهم ولم يترحَّم عليهم ، وكان في قلبه غِلٌّ لهم ، فما جعل الله له حقاً في شيء من فيىء المسلمين بنص الكتاب . وكذلك روي عن مالك بن أنس رضي الله عنه أنه قال : من تنقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو كان في قلبه عليهم غِلٌّ ، فليس له حق في فيىء المسلمين ، ثم تلا هذه الآيات .