Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 59, Ayat: 1-5)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب } يعني : يهود بني النضير { من ديارهم } أي : من منازلهم { لأول الحشر } فيه أربعة أقوال . أحدها : أنهم أول من حُشر وأُخرج من داره ، قاله ابن عباس . وقال ابن السائب : هم أول من نفي من أهل الكتاب . والثاني : أن هذا كان أول حشرهم ، والحشر الثاني : إلى أرض المحشر يوم القيامة ، قاله الحسن . قال عكرمة : من شك أن المحشر إلى الشام فليقرأ هذه الآية ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم يومئذ : اخرجوا ، فقالوا : إلى أين ؟ قال إلى أرض المحشر . والثالث : أن هذا كان أول حشرهم . والحشر الثاني : نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب قاله قتادة . والرابع : أن هذا كان أول حشرهم من المدينة ، والحشر الثاني : من خيبر ، وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات ، وأريحا من أرض الشام في أيام عمر بن الخطاب ، قاله مرة الهمْداني . قوله تعالى : { ما ظننتم } يخاطب المؤمنين { أن يخرجوا } من ديارهم لعزِّهم ، ومَنَعَتِهم ، وحُصُونهم { وظَنُّوا } يعني : بني النضير أن حصونهم تمنعهم من سلطان الله { فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا } وذلك أَنَّه أمر نبيَّه بقتالهم وإِجلائهم ، ولم يكونوا يظنون أن ذلك يكون ، ولا يحسبونه { وقذف في قلوبهم الرعب } لخوفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : لقتل سيدهم كعب بن الأشرف { يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين } قرأ أبو عمرو « يُخَرِّبون » بالتشديد . وقرأ الباقون « يَخْرِبُون » . وهل بينهما فرق ، أم لا ؟ فيه قولان . أحدهما : أن المشددة معناها : النقض والهدم . والمخففة معناها : يخرجون منها ويتركونها خراباً معطَّلة ، حكاه ابن جرير ، روي عن أبي عمرو أنه قال : إنما اخترت التشديد ، لأن بني النضير نقضوا منازلهم ، ولم يرتحلوا عنها وهي معمورة . والثاني : أن القراءتين بمعنى واحد . والتخريب والإخراب لغتان بمعنى ، حكاه ابن جرير عن أهل اللغة . وللمفسرين فيما فعلوا بمنازلهم أربعة أقوال . أحدها : أنه كان المسلمون كلما ظهروا على دارٍ من دُورهم هدموها ليتسع لهم مكان القتال ، وكانوا هم ينقبون دورهم ، فيخرجون إِلى ما يليها ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه كان المسلمون كلما هدموا شيئاً من حصونهم نقضوا ما يبنون به الذي خربه المسلمون ، قاله الضحاك . والثالث : أنهم كانوا ينظرون إلى الخشبة في منازلهم ، أو العمود ، أو الباب ، فيستحسنونه ، فيهدمون البيوت ، وينزعون ذلك منها ، ويحملونه معهم ، ويخرب المؤمنون باقيها ، قاله الزهري . والرابع : أنهم كانوا يخربونها لئلا يسكنها المؤمنون ، حسداً منهم ، وبغياً ، قاله ابن زيد . قوله تعالى : { فاعتبروا يا أولي الأبصار } الاعتبار : النظر في الأمور ، ليعرف بها شيء آخر من جنسها ، و « الأبصار » العقول . والمعنى : تدبَّروا ما نزل بهم { ولولا أن كتب الله } أي : قضى { عليهم الجلاء } وهو خروجهم من أوطانهم . وذكر الماوردي بين الإخراج والجلاء فرقين . أحدهما : أن الجلاء : ما كان مع الأهل والولد ، والإخراج : قد يكون مع بقاء الأهل والولد . والثاني : أن الجلاء لا يكون إلا لجماعة . والإخراج : قد يكون لواحد ولجماعة . والمعنى : لولا أن الله قضى عليهم بالخروج { لعذَّبهم في الدنيا } بالقتل والسبي ، كما فعل بقريظة { ولهم في الآخرة } مع ما حلَّ بهم في الدنيا { عذابُ النَّار ، ذلك } الذي أصابهم { بأنهم شاقُّوا الله } وقد سبق بيان الآية [ الأنفال 13 ] و [ محمد 32 ] . قال القاضي أبو يعلى : فقد دلت هذه الآية على جواز مصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير سبي ولا استرقاق ، ولا جزية ، ولا دخول في ذمة ، وهذا حكم منسوخ إِذا كان في المسلمين قوة على قتالهم ، لأن الله تعالى أمر بقتال الكفار حتى يسلموا ، أو يُؤدُّوا الجزية . وإِنما يجوز هذا الحكم إذا عجز المسلمون عن مقاومتهم فلم يقدروا على إدخالهم في الإسلام أو الذمة ، فيجوز لهم حينئذ مصالحتهم على الجلاء من بلادهم . وفي هذه القصة دلالة على جواز مصالحتهم على مجهول من المال ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صالحهم على أرضهم ، وعلى الحلقة ، وترك لهم ما أقلَّت الإبل ، وذلك مجهول . قوله تعالى : { ما قطعتم من لينة } سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير ، وقطع ، فنزلت هذه الآية ، أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر . وذكر المفسرون أنه لما نزلت ببني النضير تحصَّنوا في حصونهم ، فأمر بقطع نخيلهم ، وإحراقها ، فجزعوا ، وقالوا : يا محمد زعمتَ أنك تريد الصلاح ، أفمن الصلاح عقر الشجر ، وقطع النخل ؟ وهل وجدت فيما أُنزل عليك الفساد في الأرض ؟ فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجد المسلمون في أنفسهم من قولهم . واختلف المسلمون ، فقال بعضهم : لا تقطعوا ، فإنه مما أفاء الله علينا . وقال بعضهم : بل نغيظهم بقطعها ، فنزلت هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه ، وتحليل من قطعه من الإثم ، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله تعالى . وفي المراد « باللينة » ستة أقوال . أحدها : أنه النخل كلُّه ما خلا العجوة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وبه قال عكرمة ، وقتادة ، والفراء . والثاني : أنه النخل والشجر ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثالث : أنها ألوان النخل كلّها إلا العجوة ، والبرنية ، قاله الزهري ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة . وقال الزجاج : أهل المدينة يسمون جميع النخيل : الألوان ، ما خلا البرني ، والعجوة . وأصل « لينة » لِوْنة ، فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها . والرابع : أنها النخل كلُّه ، قاله مجاهد ، وعطية ، وابن زيد . قال ابن جرير . معنى الآية : ما قطعتم من ألوان النخيل . والخامس : أنها كرام النخل ، قاله سفيان . والسادس : أنها ضرب من النخل يقال لتمرها : اللون ، وهي شديدة الصُّفْرة ، ترى نواه من خارج ، وكان أعجب ثمرهم إليهم ، قاله مقاتل . وفي عدد ما قطع المسلمون ثلاثة أقوال . أحدها : أنهم قطعوا وأحرقوا ست نخلات ، قاله الضحاك . والثاني : أحرقوا نخلة ، وقطعوا نخلة ، قاله ابن إسحاق . والثالث : قطعوا أربع نخلات ، قاله مقاتل . قوله تعالى { فبإذن الله } قال يزيد بن رومان ومقاتل : بأمر الله . قوله تعالى : { وليخزي الفاسقين } يعني اليهود . وخزيهم : أن يُريَهم أموالهم يتحكَّم فيها المؤمنون كيف أحبُّوا . والمعنى : وليخزي الفاسقين ، أذن في ذلك ، ودل على المحذوف قوله : { فبإذن الله } .