Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 76-76)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فلما جنَّ عليه الليل } قال الزجاج : يقال جن عليه الليل ، وأجنه الليل : إذا أظلم ، حتى يستر بظلمته ؛ ويقال لكل ما ستر : جنّ ، وأجنّ ، والاختيار أن يقال : جنّ عليه الليل ، وأجنه الليل . الإشارة إلى بدء قصة إبراهيم عليه السلام . روى أبو صالح عن ابن عباس قال : وُلد إبراهيم في زمن نُمروذ وكان لنمروذ ، كُهَّان ، فقالوا : له يولد في هذه السنة مولود يفسد آلهة أهل الأرض ، ويدعوهم إلى غير دينهم ، ويكون هلاك أهل بيتك على يده ، فعزل النساء عن الرجال ، ودخل آزر إلى بيته فوقع على زوجته ، فحملت ، فقال الكهان لنمروذ : إن الغلام قد حمل به الليلة . فقال : كل من ولدت غلاما فاقتلوه . فلما أخذ أُم إبراهيم المخاضُ ، خرجت هاربة ، فوضعته في نهر يابس ، ولفّته في خرقة ، ثم وضعته في حَلْفاء ، وأخبرت به أباه ، فأتاه ، فحفر له سرباً ، وسد عليه بصخرة ، وكانت أُمه تختلف إليه فترضعه ، حتى شب وتكلم ، فقال لأُمه : من ربي ؟ فقالت : أنا . قال : فمن ربكِ ؟ قالت : أبوك . قال : فمن رب أبي ؟ قالت : اسكت . فسكت ، فرجعت إلى زوجها ، فقالت : إن الغلام الذي كنا نتحدث أنه يغير دين أهل الأرض ، ابنك . فأتاه ، فقال له مثل ذلك . فلما جنَّ عليه الليل ، دنا من باب السرب ، فنظر فرأى كوكباً . قرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم « رأى » بفتح الراء والهمزة ، وقرأ أبو عمرو « رَإى » ؛ بفتح الراء وكسر الهمزة ، وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم « رِإى » ، بكسر الراء والهمزة ، واختلفوا فيها إذا لقيها ساكن ، وهو آت في ستة مواضع : { رأى القمر } { فلما رأى الشمس } وفي النحل { وإذا رأى الذين ظلموا } [ النحل : 85 ] { وإذا رأى الذين أشركوا } [ النحل : 86 ] وفي الكهف { ورأى المجرمون النار } [ الكهف : 53 ] وفي الأحزاب { ولما رأى المؤمنون } [ الأحزاب : 22 ] وقرأ أبو بكر عن عاصم ، وحمزة إلا العبسي ، وخلف في اختياره : بكسر الراء وفتح الهمزة في الكل ، وروى العبسي كسرة الهمزة أيضاً ، وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي : بفتح الراء والهمزة . فان اتصل ذلك بمكني ، نحو : رآك ، ورآه ، ورآها ؛ فان حمزة ، والكسائي ، وخلف والوليد عن ابن عامر ، والمفضل ، وأبان ، والقزاز عن عبد الوارث ، والكسائي عن أبي بكر : يكسرون الراء ، ويميلون الهمزة . وفي الكوكب الذي رآه قولان . أحدهما : أنه الزهرة ، قاله ابن عباس ، وقتادة . والثاني : المشتري ، قاله مجاهد ، والسدي . قوله تعالى : { قال هذا ربي } فيه ثلاثة أقوال . أحدها : أنه على ظاهره ، روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قال : هذا ربي ، فعبده حتى غاب ، وعبد القمر حتى غاب ، وعبد الشمس حتى غابت ؛ واحتج أرباب هذا القول بقوله : { لئن لم يهدني ربي } وهذا يدل على نوع تحيير ، قالوا : وإنما قال هذا في حال طفولته على ما سبق إلى وهمه ، قبل أن يثبت عنده دليل . وهذا القول لا يرتضى ، والمتأهِلّون للنبوة محفوظون من مثل هذا على كل حال . فأما قوله : { لئن لم يهدني ربي } فما زال الأنبياء يسألون الهدى ، ويتضرعون في دفع الضلال عنهم ، كقوله : { واجنبني وبَنيَّ أن نعبد الأصنام } [ إبراهيم : 35 ] ولأنه قد آتاه رشده من قبل ، وأراه ملكوت السموات والأرض ليكون موقناً ، فكيف لا يعصمه عن مثل هذا التحيير ؟ ! والثاني : أنه قال ذلك استدراجاً للحجة ، ليعيب آلهتهم ويريهم بغضها عند أفولها ، ولا بد أن يضمر في نفسه : إما على زعمكم ، أو فيما تظنون ، فيكون كقوله : { اين شركائي } ، وإما أن يضمر : يقولون ، فيكون كقوله : { ربنا تقبل منا } [ البقرة : 127 ] أي : يقولان ذلك ، ذكر نحو هذا أبو بكر بن الانباري ، ويكون مراده : استدراج الحجة عليهم ، كما نقل عن بعض الحكماء أنه نزل بقوم يعبدون صنما ، فأظهر تعظيمه ، فأكرموه ، وصدروا عن رأيه ، فدهمهم عدو ، فشاورهم ملِكهم ، فقال : ندعو إلهنا ليكشف ما بنا ، فاجتمعوا يدعونه ، فلم ينفع ، فقال : هاهنا إله ندعوه ، فيستجيب ، فدعَوُا الله ، فصرف عنهم ما يحذرون ، وأسلموا . والثالث : أنه قال مستفهما ، تقديره : أهذا ربي ؟ فأضمرت ألف الاستفهام ، كقوله : { أفان مت ، فهم الخالدون } [ الأنبياء : 34 ] ؟ أي : أفَهُمُ الخالدون ؟ قال الشاعر : @ كَذَبَتْكَ عَيْنُكَ أَمْ رَأيْتَ بِوَاسِطٍ غَلَسَ الظَّلام مِنَ الرَّبَابِ خَيَالاَ @@ أراد : أكذبتك ؟ قال ابن الأنباري : وهذا القول شاذ ، لأن حرف الاستفهام لا يضمر إذ كان فارقاً بين الإخبار والاستخبار ؛ وظاهر قوله : { هذا ربي } أنه إشارة إلى الصانع . وقال الزجاج : كانوا أصحاب نجوم ، فقال : هذا ربي ، أي : هذا الذي يدبرني ، فاحتج عليهم أن هذا الذي تزعمون أنه مدبر ، لا نرى فيه إلا أثر مدَّبر . و « أفل » : بمعنى : غاب ؛ يقال : أفل النجم يأفُل ويأفِل أفولاً . قوله تعالى : { لا أُحب الآفلين } أي : حبَّ ربٍّ معبود ، لأن ما ظهر وأفل كان حادثاً مدبَّراً .