Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 64, Ayat: 7-18)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { زعم الذين كفروا } كان ابن عمر يقول : « زعموا » كناية الكذب . وكان مجاهد يكره أن يقول الرجل : زعم فلان . قوله تعالى : { وذلك على الله يسير } يعني : البعث { والنّور } هو القرآن ، وفيه بيان أمر البعث والحساب والجزاء . قوله تعالى : { يوم يجمعكم } هو منصوب بقوله تعالى : « لتبعثنَّ ثم لتنبؤنَّ بما عملتم » { يوم يجمعكم ليوم الجمع } وهو يوم القيامة . وسمي بذلك لأن الله تعالى يجمع فيه الجن والإنس ، وأهل السموات ، وأهل الأرض { ذلك يوم التغابن } تفاعل من الغبن ، وهو فوت الحظ . والمراد في تسميته يوم القيامة بيوم التغابن فيه أربعة أقوال . أحدها : أنه ليس من كافر إلا وله منزل وأهل في الجنة ، فيرث ذلك المؤمن ، فيغبن حينئذ الكافر ، ذكر هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : غبن أهل الجنة أهل النار ، قاله مجاهد ، والقرظي . والثالث : أنه يوم غبن المظلوم الظالم ، لأن المظلوم كان في الدنيا مغبوناً ، فصار في الآخرة غابناً ، ذكره الماوردي . والرابع : أنه يوم يظهر فيه غبن الكافر بتركه للإيمان ، وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان ، ذكره الثعلبي . قال الزجاج : وإنما ذكر ذلك مثلاً للبيع والشراء ، كقوله تعالى : { فما ربحت تجارتهم } [ البقرة : 16 ] ، وقوله تعالى : { هل أدلكم على تجارة } [ الصف : 10 ] وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى : { يكفر عنه سيئآته } قرأ نافع ، وابن عامر ، والمفضل عن عاصم « نكفر » « وندخله » بالنون فيهما . والباقون : بالياء { ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله } قال ابن عباس : بعلمه وقضائه { ومن يؤمن بالله يهد قلبَه } فيه ستة أقوال . أحدها : يهد قلبه لليقين ، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . وقال علقمة : هو الرجل تصيبه المصيبة ، فيعلم أنها من قبل الله تعالى ، فيسلم ، ويرضى . والثاني : يهد قلبه للاسترجاع ، وهو أن يقول : إنا لله ، وإنا إليه راجعون قاله مقاتل . والثالث : أنه إذا ابتلي صبر ، وإذا أنعم عليه شكر ، وإذا ظلم غفر ، قاله ابن السائب ، وابن قتيبة . والرابع ، يهد قلبه ، أي : يجعله مهتدياً ، قاله الزجاج . والخامس : يهد وليَّه بالصبر والرضى ، قاله أبو بكر الورَّاق . والسادس : يهد قلبه لاتباع السنة إِذا صح إيمانه ، قاله أبو عثمان الحيري . وقرأ أبو بكر الصديق ، وعاصم الجحدري ، وأبو نهيك : « يَهْدَ » بياءٍ مفتوحة . ونصب الدال « قَلْبُهُ » بالرفع . قال الزجاج : هذا من هدأ يهدأ : إذا سكن . فالمعنى : إذا سلَّم لأمر الله سَكَنَ قلبُه . وقرأ عثمان بن عفان ، والضحاك ، وطلحة بن مصرف ، والأزرق عن حمزة : « نَهْد » بالنون . وقرأ علي بن أبي طالب ، وأبو عبد الرحمن : « يُهْدَ » بضم الياء ، وفتح الدال « قَلْبُهُ » بالرفع . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى : { إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم } سبب نزولها أن الرجل كان يسلم . فإِذا أراد الهجرة منعه أهله ، وولده ، وقالوا : نَنْشُدُك الله أن تذهب وتَدَعَ أهلك وعشيرتك وتصير إِلى المدينة بلا أهل ولا مال . فمنهم من يَرِقُّ لهم ، ويقيم فلا يهاجر ، فنزلت هذه الآية . فلما هاجر أولئك ، ورأَوا الناس قد فَقُهوا في الدِّين همُّوا أن يعاقبوا أَهلهم الذين منعوهم ، فأنزل الله تعالى : { وإِن تعفوا وتصفحوا } إلى آخر الآية ، هذا قول ابن عباس . وقال الزجاج : لما أرادوا الهجرة قال لهم أزواجهم ، وأولادهم : قد صبرنا لكم على مفارقة الدِّين ولا نصبر لكم على مفارقتكم ، ومفارقة الأموال ، والمساكن ، فأعلم الله عز وجل أن من كان بهذه الصورة ، فهو عدوٌّ ، وإِن كان ولداً ، أو كانت زوجة . وقال مجاهد : كان حب الرجل ولده وزوجته يحمله على قطيعة رحمه ومعصية ربه . وقال قتادة : كان من أزواجهم ، وأولادهم من ينهاهم عن الإسلام ، ويثبِّطهم عنه ، فخرج في قوله تعالى : { عدواً لكم } ثلاثة أقوال . أحدها : بمنعه من الهجرة ، وهذا على قول ابن عباس . والثاني : بكونهم سبباً للمعاصي ، وعلى هذا قول مجاهد . والثالث : بنهيهم عن الإسلام ، وهذا على قول قتادة . قوله تعالى : { فاحذروهم } قال الفراء : لا تطيعوهم في التخلُّف . قوله تعالى : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } أي : بلاء وشغل عن الآخرة . فالمال والأولاد يوقعان في العظائم إلا من عصمه الله . وقال ابن قتيبة : أي : إغرام . يقال : فتن فلان بالمرأة ، وشغف بها ، أي : أغرم بها . وقال الفراء : قال أهل المعاني : إنما دخل « من » في قوله تعالى : « إن من أزواجكم » لأنه ليس كل الأزواج ، والأولاد أعداءً . ولم يذكر « من » في قوله تعالى : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } لأنها لا تخلو من الفتنة ، واشتغال القلب بها . وقد روى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب ، فجاء الحسن ، والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ، ويعثران ، فنزل من المنبر ، فحملهما ، فوضعهما بين يديه ثم قال : « صدق الله عز وجل : { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } نظرت إِلى هذين الصبيين يمشيان ، ويعثران ، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ، ورفعتهما . قوله تعالى : { والله عنده أجر عظيم } أي : ثواب جزيل ، وهو الجنة . والمعنى : لا تعصوه بسبب الأولاد ، ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم { فاتقوا الله ما استطعتم } أي : ما أطقتم { واسمعوا } ما تُؤمَرُون به { وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم } وفي هذه النفقة ثلاثة أقوال . أحدها : الصَّدقة ، قاله ابن عباس . والثاني : نفقة المؤمن على نفسه ، قاله الحسن . والثالث : النفقة في الجهاد ، قاله الضحاك { ومن يُوقَ شُحَّ نفسه } حتى يعطيَ حق الله في ماله . وقد تقدم بيان هذا في [ الحشر : 9 ] وما بعده قد سبق بيانه إِلى آخر السورة [ البقرة : 245 ، والحديد : 11 ، 18 ، والحشر : 23 ، 24 ] .