Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 66, Ayat: 1-5)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لم تحرِّم ما أحل الله لك } في سبب نزولها قولان . أحدهما : " أن حفصة ذهبتْ إلى أبيها تَتَحَدَّثُ عنده ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جاريته ، فظلت معه في بيت حفصة ، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة ، فرجعت حفصة ، فوجدتها في بيتها ، فجعلت تنتظر خروجها ، وغارت غَيْرةً شديدةً . فلما دخلت حفصة قالت : قد رأيت من كان عندك . والله لقد سُؤْتَني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم « والله لأُرْضِيَنَّك ، وَإني مُسِرٌّ إليك سراً فاحفظيه » ، قالت : وما هو ؟ قال : « إِني أشهدكِ أن سِرِّيَّتي هذه عليَّ حرام رضىً لَكِ » ، وكانت عائشة وحفصة متظاهرتين على نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، فانطلقت حفصة إلى عائشة ، فقالت لها : أبشري ، إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حرَّم عليه فتاته " ، فنزلت هذه الآية رواه العوفي عن ابن عباس . وقد روي عن عمر نحو هذا المعنى ، وقال فيه : " فقالت حفصة : كيف تحرمها عليك ، وهي جاريتك ؟ ! فحلف لها أن لا يقربها ، فقال لها : « لا تذكريه لأحد » ، فذكرته لعائشة ، فآلى أن لا يدخل على نسائه شهراً " ، فنزلت هذه الآية وقال الضحاك : قال لها : " لا تذكري لعائشة ما رأيت " ، فذكرته ، فغضبت عائشة ، ولم تزل بنبي الله حتى حلف أن لا يقربها ، فنزلت هذه الآية ، وإلى هذا المعنى : ذهب سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، والشعبي ، ومسروق ، ومقاتل ، والأكثرون . والثاني : ما روى عروة عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحَلْواء والعسل ، وكان إِذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه ، فدخل على حَفصَة بنت عمر ، واحتبس عندها ، فسألت عن ذلك ، فقيل : أهدت لها امرأة من قومها عُكَّةً من عسل ، فسقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : أما والله لنحتالَنَّ له ، فقلت لسودة : إنه سيدنو منكِ إذا دخل عليك ، فقولي له : يا رسول الله أكلت مغافير ، فإنه سيقول لك : سقتني حفصة شربة عسل ، فقولي : جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ وسأقول ذلك ، وقولي أنت يا صفية ذلك ، فلما دار إلى حفصة قالت له : يا رسول الله أسقيك منه ؟ قال : لا حاجة لي فيه ، قالت : تقول : سودة سبحان الله ، والله لقد حَرَمْنَاه قلت لها : اسكتي " ، أخرجه البخاري ومسلم في « الصحيحين » . وفي رواية ابن أبي ملكية عن ابن عباس : أن التي شرب عندها العسل سودة ، فقالت له عائشة : إِني لأجد منك ريحاً ، ثم دخل على حفصة ، فقالت : إني أجد منك ريحاً ، فقال : إني أراه من شراب شربته عند سودة ، والله لا أشربه ، فنزلت هذه الآية . وفي حديث عبيد بن عمير عن عائشة أن التي شرب عندها العسل زينب بنت جحش ، فتواطأت حفصة وعائشة أن تقولا له ذلك القول . قال أبو عبيد : المغافير : شيء شبيه بالصمغ فيه حلاوة . وخرج الناس يتمغفرون : إذا خرجوا يجتنونه . ويقال : المغاثير بالثاء ، مثل جدث ، وجدف . وقال الزجاج : المغافير : صمغ متغير الرائحة . فخرج في المراد بالذي أحلَّ الله له قولان . أحدهما : أنه جاريته . والثاني : العسل . قوله تعالى : { تبتغي مرضات أزواجك } أي : تطلب رضاهن بتحريم ذلك . { والله غفور رحيم } غفر الله لك التحريم { قد فرض الله لكم } قال مقاتل : قد بيَّن الله لكم { تَحِلَّة أَيْمانِكم } أي : كفارة أيمانكم ، وذلك البيان في [ المائدة : 89 ] قال المفسرون : وأصل « تَحِلَّة » تَحْلِلَه على وزن تَفْعِلَة ، فأدغمت ، والمعنى : قد بين الله لكم تحليل أيمانكم بالكفَّارة ، فأمره الله أن يكفِّر يمينه ، فأعتق رقبة . واختلفوا هل حرّم مارية على نفسه بيمين ، أم لا ؟ على قولين . أحدهما : حرَّمها من غير ذكر يمين ، فكان التحريم موجباً لكفارة اليمين ، قاله ابن عباس . والثاني : أنه حلف يميناً حرَّمها بها ، قاله الحسن . والشعبي ، وقتادة ، { والله مولاكم } أي : وليُّكم وناصركم . قوله تعالى : { وإذ أسرَّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً } يعني : حفصة من غير خلاف علمناه . وفي هذا السِّرِّ ثلاثة أقوال . أحدها : أنه قال لها : إني مُسِرٌّ إِليك سِرَّاً فاحفظيه ، سرّيتي هذه عليَّ حرام ، رواه العوفي عن ابن عباس ، وبه قال عطاء ، والشعبي ، والضحاك ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، وابنه ، والسدي . والثاني : أنه قال لها : أبوك ، وأبو عائشة ، والِيا الناس من بعدي ، فإياك أن تخبري أحداً ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس . والثالث : أنه أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي ، قاله ميمون بن مهران . قوله تعالى : { فلما نَبَّأَتْ به } أي : أخبرت به عائشة { وأظهره الله عليه } أي : أطلع الله نبيه على قول حفصة لعائشة ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً ، لأنه استكتم حفصة ذلك ، ثم دعاها ، فأخبرها ببعض ما قالت ، فذلك قوله تعالى : { عرَّف بعضَه وأعرض عن بعض } وفي الذي عرَّفها إياه قولان . أحدهما : أنه حدَّثها ما حدثتها عائشة من شأن أبي بكر وعمر ، وسكت عما أخبرتْ عائشة من تحريم مارية ، لأنه لم يبال ما أظهرت من ذلك ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : أن الذي عرَّف : تحريم مارّية ، والذي أعرض عنه : ذِكر الخلافة لئلا ينتشر ، قاله الضحاك ، وهذا اختيار الزجاج . قال : ومعنى « عرَّف بعضه » عرَّف حفصة بعضه . وقرأ الكسائي ، « عَرَفَ » بالتخفيف . قال الزجاج : على هذه القراءة قد عرف كل ما أسرَّه ، غير أن المعنى جارٍ على بعضه ، كقوله تعالى : { وما تَفْعلوا من خَير يعلمْه الله } [ البقرة : 179 ] أي : يعلمه ويجازِ عليه ، وكذلك : { فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره } [ الزلزلة : 7 ] أي : ير جزاءه . فقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة ، فكان ذلك جزاءها عنده ، فأمره الله أن يراجعها . وقال مقاتل بن حيَّان : لم يطلقها ، وإنما همَّ بطلاقها ، فقال له جبريل : لا تطلقها ، فإنها صوَّامة قوَّامة . وقال الحسن : ما استقصى كريم قط ، ثم قرأ « عرَّف بعضه وأعرض عن بعض » وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وابن السميفع « عُرَّاف » برفع العين ، وتشديد الراء وبألف « بعضِه » بالخفض . قوله تعالى : { فلما نَبَّأها به } أي : أخبر حفصة بإفشائها السرَّ { قالت من أنبأك هذا ؟ } أي : من أخبرك بأني أفشيت سرك ؟ { قال نبأني العليم الخبير } ثم خاطب عائشة وحفصة ، فقال : { إِن تتوبا إلى الله } أي : من التعاون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإيذاء { فقد صغت قلوبكما } قال ابن عباس : زاغت ، وأثمت . قال الزجاج : عدلت ، وزاغت عن الحق . قال مجاهد : كنا نرى قوله تعالى : « فقد صغت قلوبكما » شيئاً هيِّناً حتى وجدناه في قراءة ابن مسعود : فقد زاغت قلوبكما . وإنما جعل القلبين جماعة لأن كل اثنين فما فوقهما جماعة . وقد أشرنا إِلى هذا في قوله تعالى : { فإن كان له إخوة } [ النساء : 11 ] وقولِه تعالى : { إِذ تسوَّروا المحراب } [ ص : 11 ] . قال المفسرون : وذلك أنهما أحبَّا ما كَرِهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتناب جاريته ، { وإن تظاهرا } وقرأ ابن مسعود ، وأبو عبد الرحمن ومجاهد ، والأعمش « تظاهرا » بتخفيف الظاء ، أي : تعاونا على النبي صلى الله عليه وسلم بالإيذاء { فإن الله هو مولاه } أي : وَليُّه في العون ، والنصرة { وجبريل } وليُّه { وصالح المؤمنين } وفي المراد بصالح المؤمنين ستة أقوال . أحدها : أنهم أبو بكر وعمر ، قاله ابن مسعود ، وعكرمة ، والضحاك . والثاني : أبو بكر ، رواه مكحول عن أبي أُمامة . والثالث : عمر ، قاله ابن جبير ، ومجاهد . والرابع : خيار المؤمنين ، قاله الربيع بن أنس . والخامس : أنهم الأنبياء ، قاله قتادة ، والعلاء بن زياد العدوي ، وسفيان . والسادس : أنه علي رضي الله عنه ، حكاه الماوردي . قاله الفراء : « وصالح المؤمنين » موحّد في مذهب جميع ، كما تقول : لا يأتيني إلا سائس الحرب ، فمن كان ذا ساسة للحرب ، فقد أمر بالمجيء ، ومثله قوله تعالى : { والسارق والسارقة } [ المائدة : 38 ] ، وقوله تعالى : { واللَّذان يأتيانها منكم } [ النساء : 16 ] ، وقوله تعالى : { إن الإنسان خلق هلوعاً } [ المعارج : 19 ] في كثير من القرآن يؤدي معنى الواحد عن الجميع . قوله تعالى : { والملائكة بعد ذلك ظهير } أي : ظهراً ، وهذا مما لفظه لفظ الواحد ، ومعناه الجميع ، ومثله { يخرجكم طفلاً } [ غافر : 67 ] ، وقد شرحناه هناك . ثم خوَّف نساءه ، فقال تعالى : { عسى ربُّه إن طلقكنَّ } وسبب نزولها ما روى أنس عن عمر بن الخطاب قال : بلغني بعض ما آذى به رسولَ الله نساؤه ، فدخلتُ عليهنَّ ، فجعلت أَستقرئهن واحدةً واحدةً ، فقلت : والله لتنتهِنَّ ، أو ليبدلنَّه الله أزواجاً خيراً منكن ، فنزلت هذه الآية . والمعنى : واجبٌ من الله { إن طلقكنَّ } رسوله { أن يبدلَه أزواجاً خيراً منكنَّ مسلماتٍ } أي : خاضعات لله بالطاعة { مؤمناتٍ } مصدِّقات بتوحيد الله { قانتاتٍ } أي : طائعات { سائحات } فيه قولان . أحدهما : صائمات ، قاله ابن عباس ، والجمهور . وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى : { السائحون } [ التوبة : 112 ] . والثاني : مهاجرات ، قاله زيد بن أسلم ، وابنه . { والثيّبات } جمع ثَيِّب ، وهي المرأة التي قد تزوَّجت ، ثم ثابت إلى بيت أبويها ، فعادت كما كانت غير ذات زوج . « والأبكار » : العذارى .