Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 17-41)

Tafsir: Zād al-masīr fī ʿilm at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إنا بلوناهم } يعني : أهل مكة ، أي : ابتليناهم بالجوع ، والقحط { كما بَلَوْنا أصحاب الجنة } حين هلكت جَنَّتهم . وهذه الإشارة إِلى قصتهم ذكر أهل التفسير أن رجلاً كان بناحية اليمن له بستان ، وكان مؤمناً . وذلك بعد عيسى بن مريم عليهما السلام ، وكان يأخذ منه قدر قوته ، وكان يتصدّق بالباقي . وقيل : كان يترك للمساكين ما تعدَّاه المنجل ، وما يسقط من رؤوس النخل ، وما ينتثر عند الدِّراس ، فكان يجتمع من هذا شيء كثير ، فمات الرجل عن ثلاث بنين ، فقالوا : والله إن المال لقليل ، وإن العيال لكثير ، وإِنما كان أبونا يفعل هذا إذْ كان المال كثيراً ، والعيال قليلاً ، وأما الآن فلا نستطيع أن نفعل هذا . فعزموا على حرمان المساكين ، وتحالفوا بينهم ليغدُنَّ قبل خروج الناس ، فليصرمُنَّ نخلهم ، فذلك قوله تعالى : { إذْ أقسموا } أي : حلفوا { ليصرُمنّها } أي : ليقطعنّ نخلهم { مصبحين } أي : في أول الصباح . وقد بقيت من الليل ظُلمة لئلا يبقى للمساكين شيء . وفي قوله تعالى : { ولا يستثنون } قولان . أحدهما : لا يقولون : إن شاء الله قاله الأكثرون . والثاني : لا يستثنون حق المساكين ، قاله عكرمة { فطاف عليها طائف من ربك } أي : من أمر ربك . قال الفراء : الطائف لا يكون إلا بالليل . قال المفسرون : بعث الله عليها ناراً بالليل ، فاحترقت ، فصارت سوداء ، فذلك قوله تعالى : { فأصبحت كالصريم } وفيه ثلاثة أقوال . أحدها : كالرَّماد الأسود ، قاله ابن عباس . والثاني : كالليل المسودّ ، قاله الفراء . وكذلك قال ابن قتيبة : أصبحت سوداء كالليل محترقة . والليل : هو الصريم ، والصبح أيضاً : صريم ، لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه . والثالث : أصبحت وقد ذهب ما فيها من الثمر ، فكأنه قد صرم ، أي : قطع ، وجُذَّ حكاه ابن قتيبة أيضاً . قوله تعالى : { فتنادَوْا مصبحين } أي : نادى بعضهم بعضاً لما أصبحوا { أن اغْدُوا على حرثكم } يعني : الثمار والزروع والأعناب { إن كنتم صارمين } أي : قاطعين للنخل ، { فانطلقوا } أي : ذهبوا إلى جنَّتهم { وهم يتخافتون } قال ابن قتيبة : يتساررون بـ { أن لا يدخلنَّها اليوم عليكم مسكين وغَدَوُا على حرد } فيه ثمانية أقوال . أحدهما : على قدرة ، قاله ابن عباس . والثاني : على فاقة ، قاله الحسن في رواية . والثالث : على جد ، قاله الحسن في رواية ، وقتادة ، وأبو العالية ، والفراء ، ومقاتل . والرابع : على أمر مجمع قد أسَّسوه بينهم ، قاله مجاهد ، وعكرمة . والخامس : أن الحرد : اسم الجنة ، قاله السدي . والسادس : أنه الحنَق والغضب على المساكين ، قاله الشعبي ، وسفيان . وأنشد أبو عبيدة : @ أُسُودُ شَرَىً لاَقَتْ أُسُودَ خَفِيَّةٍ تَسَاقَوْا على حَرْدٍ دِمَاءَ الأَسَاوِدِ @@ والسابع : أنه المنع ، مأخوذ من حارَدَتِ السَّنَة فليس فيها مطر ، وحاردت الناقة فليس لها لبن ، قاله أبو عبيدة ، وابن قتيبة . والثامن : أنه القصد . يقال : حَرَدْتُ حَرْدَكَ ، أي : قَصَدْتُ قَصْدَكَ ، حكاه الفراء ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة . وأنشدوا : @ قَدْ جَاءَ سَيْلٌ كَانَ مِنْ أَمْرِ اللهْ يَحْرُدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلَّةْ @@ أي : يقصد قصدها . قال ابن قتيبة : وفيها لغتان : حَرَدٌ ، وحَرْدٌ ، كما يقال : الدَّرَك ، والدَّرْك . وفي قوله تعالى : { قادرين } ثلاثة أقوال . أحدها : قادرين على جَنَّتهم عند أنفسهم ، قاله قتادة . والثاني : قادرين على المساكين ، قاله الشعبي . والثالث : أن المعنى : منعوا وهم قادرون ، أي : واجدون ، قاله ابن قتيبة . قالوا : { فلما رَأَوْها } محترقة { قالوا إنا لضالون } أي : قد ضللنا طريق جَنَّتنا ، فليست هذه . ثم علموا أنها عقوبة ، فقالوا : { بل نحن محرومون } أي : حرِمْنَا ثَمَرَ جَنَّتنَا بمنعنا المسكين { قال أوسطهم } أي : أعدلهم ، وأفضلهم { لولا } أي : هلاَّ { تسبِّحون } وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : هلا تَسْتَثْنُون عند قولكم : « ليصرُمنَّها مصبحين » قاله ابن جريج والجمهور . والمعنى : هلاَّ قلتم : إن شاء الله . قال الزجاج : وإنما قيل للاستثناء : تسبيح ، لأن التسبيح في اللغة : تنزيه الله عز وجل عن السوء . والاستثناء تعظيم لله ، وإقرار بأنه لا يقدر أحد أن يفعل فعلاً إلا بمشيئة الله . والثاني : أنه كان استثناؤهم قول : « سبحان الله » ، قاله أبو صالح . والثالث : هلا تسبِّحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم ، حكاه الثعلبي . وقوله تعالى : { قالوا سبحان ربنا } فنزَّهوه أن يكون ظالماً فيما صنع ، وأقرُّوا على أنفسهم بالظلم فقالوا : { إنَّا كنَّا ظالمين } بمنعنا المساكين { فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون } أي : يلوم بعضهم بعضاً في منع المساكين حقوقهم . يقول هذا لهذا : أَنْتَ أَشَرْتَ علينا ، ويقول الآخر : أنت فَعَلْتَ ، ثم نادَوْا على أنفسهم بالويل فقالوا : { يا ويلنا إنا كنا طاغين } حين لم نصنع ما صنع آباؤنا ، ثم رجعوا إِلى الله تعالى فسألوه أن يبدِّلهم خيراً منها ، فذلك قوله : { عسى رَبُّنا أن يبدِّلنا خيراً منها } . وقرأ قوم : « يبدِلنا » بالتخفيف ، وهما لغتان . وفرَّق قوم بينهما ، فقالوا : التبديل : تغيير حال الشيء وصفته والعين باقية . والإبدال : إزالة الشيء ووضع غيره مكانه . ونقل أن القوم أخلصوا ، فبدَّلهم الله جنَّةً العنقودُ منها وِقْرُ بَغْلٍ . قوله تعالى : { كذلك العذاب } ما فعلنا بهم نفعل بمن تعدَّى حدودنا . وهاهنا انتهت قصة أهل الجنة . ثم قال تعالى : { ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون } يعني : المشركين . ثم ذكر ما للمتقين عنده بما بعد هذا ، فقال المشركون : إنا لنُعْطى في الآخرة أفضل مما تُعْطَوْنَ ، فقال تعالى مكذِّباً لهم { أفنجعل المسلمين كالمجرمين ؟ ! } قال الزجاج : هذه ألف الاستفهام مجازها هاهنا مجاز التوبيخ ، والتقرير . قوله تعالى : { كيف تحكمون } أي : كيف تقضون بالجَوْرِ { أم لكم كتاب } أُنْزِلَ من عند الله { فيه } هذا { تدرسون } أي : تقرؤون ما فيه { إن لكم } في ذلك الكتاب { لَمَا تَخَيَّرون } أي : ما تختارون وتشتهون . وقرأ أبو الجوزاء ، وعاصم الجحدري ، وأبو عمران : « أن لكم » بفتح الهمزة . وهذا تقريع لهم ، وتوبيخ على ما يتمنَّوْن من الباطل « سَلْهم أَيُّهم بذلك زعيم » { أم لكم أَيْمانٌ علينا بالغةٌ } أي : ألكم عهود على الله تعالى حلف لك على ما تَدَّعُونَ بأَيْمانٍ بالغةٍ ، أي : مُؤكَّدةٍ . وكل شيء متناهٍ في الجودة والصحة فهو بالغ . ويجوز أن يكون المعنى : بالغة إلى يوم القيامة ، أي : تبلغ تلك الأَيمان إلى يوم القيامة في لزومها وتوكيدها { إن لكم لَمَا تحكمون } لأنفسكم به من الخير والكرامة عند الله تعالى . قال الفراء : والقرَّاء على رفع « بالغةٌ » إِلا الحسن فإنه نصبها على مذهب المصدر ، كقوله تعالى : { حقاً } [ الروم : 47 ] ومعنى الآية : هل لكم أيمان علينا بالغة بأن لكم ما تحكمون ؟ ! فلما كانت اللام في جواب « إن » كسرتَها . قوله تعالى : { سلهم أيُّهم بذلك زعيم } فيه قولان . أحدهما : أنه الكفيل ، قاله ابن عباس ، وقتادة . والمعنى : أيُّهُمْ كفل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير . والثاني : أنه الرسول ، قاله الحسن . قوله تعالى : { أم لهم شركاء } يعني : الأصنام التي جعلوها شركاء لله تعالى ، والمعنى : ألهم أرباب يفعلون بهم هذا الذي زعموا . وقيل : يشهدون لهم بصدق ما ادَّعَوْا { فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين } في أنها شركاء الله . وإنما أضيف الشركاء إليهم لادِّعائهم أنهم شركاء الله .